أباطرة تهريب في برلمان تونس: المال المشبوه يتحصّن

أباطرة تهريب في برلمان تونس: المال المشبوه يتحصّن

11 أكتوبر 2019
مخاوف من مخاطر عمليات التهريب على الأسواق(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

 

يسجّل برلمان تونس الجديد مزيدا من غزو المال، بعد صعود عدد كبير من رجال الأعمال، منهم متورطون بالعمل خارج الأطر القانونية في نشاطات التهريب، ليضمنوا بذلك مقاعد حصانة للسنوات الخمس المقبلة.

وفجّر صعود متهمين بالتهريب أو "كناطرية" كما يطلق عليهم باللهجة التونسية، إلى البرلمان الجديد جدلا كبيرا في تونس بسبب تعاظم نفوذ المال، بعد نجاح رجال أعمال في شراء أصوات الناخبين لعدد من الدوائر.

وأول من أمس، كشفت الهيئة المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي جرت في تونس يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، معلنة حصول عدد من رجال الأعمال على مقاعد في المجلس النيابي القادم. وحسب مراقبين تضمنت قائمة الفائزين متهمين ملاحقين بخطايا تهريب وسنوات سجن من أجل الاتجار في مواد ممنوعة.

وعلى سبيل المثال، أعلنت هيئة الانتخابات، عن فوز رئيس قائمة الحزب الاشتراكي الدستوري بمحافظة القصرين محمد الصالح اللطيفي بمقعد عن دائرة محافظته.

وأثار اسم اللطيفي المشهور بكنية "سطيش"، جدلا كبيرا بسبب النشاط المعلن للبرلماني القادم في أنشطة تهريب مختلفة ما جعله أحد أباطرة التهريب في منطقته، فيما ذكرت مصادر إعلامية لصحيفة الشروق المحلية في عدد الأربعاء، أن اللطيفي محكوم بـ20 عاما غيابيا، وهو متورط في تهريب المخدرات والأسلحة والبضائع.

وقالت نقابة أعوان وموظفي الجمارك على صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "كبير مهربي القصرين المسمى محمد صالح اللطيفي في قبة البرلمان!". وأضافت: "الرجل الذي يتحكم في التجارة الموازية في المنطقة واحد أباطرة التهريب، وعليه عديد من القضايا، يتمكن من كسب مقعد في مجلس النواب القادم، وسيتمتع بحصانة برلمانية تساعده على توسيع تجارته الممنوعة وعدم محاسبته لمدة خمس سنوات كاملة". وقالت النقابة إن البرلماني يحتكم على أسطول عربات كبير يستخدمه في نشاط التهريب.

وأبدى مراقبون تخوّفهم من صعود عدد من بارونات الفساد والتهريب إلى البرلمان، داعين القطب القضائي المالي والنيابة العمومية إلى التحرك، خاصة مع إمكانية استغلال النواب الجدد الحصانة البرلمانية لإقامة علاقات متينة مع المسؤولين والبرلمانيين، لحماية مصالحهم الشخصية.

ويرى الخبير المالي بلحسن الزمني، أن صعود مهربين إلى البرلمان يحمل دلالات اجتماعية وأخرى اقتصادية، لافتا في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن المهربين شخصيات نافذة في مناطقها وتفرض سيطرتها بنفوذ المال والعطايا، ما يسهل حصولهم على نسب تصويت عالية تمهد الطريق لهم لدخول البرلمان.

وأضاف الزمني أن نفوذ المال يبدأ بشراء أصوات الناخبين، ويساعد في مرحلة لاحقة على حماية هذا الصنف من النواب لأنشطتهم غير القانونية ولوبياتهم التي يشتغلون لصالحها عبر سن قوانين تخدمهم.

وتابع الخبير الاقتصادي أن البرلمان يمثل بوابة مهمة للمهربين للولوج إلى عالم أوسع للنشاط الاقتصادي المنظم، إذ غالبا ما يغيرون أنشطتهم بضخ أموال التهريب "القذرة" في مشاريع اقتصادية مهيكلة تسهل إدخالها الأموال إلى المصارف، معتبرا أن غايتهم الأساسية من دخول البرلمان هي الحصول على الحصانة لتبييض ثرواتهم وكسائها بالشرعية القانونية.

وتكشف نتائج الانتخابات البرلمانية المعلن عنها رسميا الأربعاء، عن حصد رجال أعمال على عدد مهم من المقاعد في البرلمان، ومن بينهم من يعود إلى مجلس نواب الشعب مرة أخرى، بعد أن لاحقته في المدة النيابية الماضية تهم اقتصادية والتورط في استغلال النفوذ.

وكشفت نتائج الباروميتر العالمي لمكافحة الفساد لمنظمة "أنا يقظ" (منظمة مدنية)، أن التونسيين يعتبرون أن أكثر جهة ينخرها الفساد في تونس هي الدوائر الحكومية (المسؤولون الحكوميون) 31%، يليها البرلمان 30% (الرقم هذا تضاعف مقارنة بسنة 2015 حيث كان 15%)، ثم رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بالتساوي.

وقال رئيس منظمة "أنا يقظ"، أشرف العوادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن التهريب حل بديلا للدولة والتنمية في عدد من المناطق الداخلية، بل إنه أصبح النشاط الاقتصادي الخالق للثروة، ما يسهل وصول أباطرة التهريب إلى مواقع سياسية متقدمة مستغلين الحاضنة الشعبية التي يوفرها لهم الناخبون في جهاتهم.

وأضاف العوادي أن المهربين شخصيات محبوبة في جهاتهم، مشددا على أنه كان من الضروري قطع الطريق أمامهم قبل الانتخابات وليس بعد صدور النتائج.

وأفاد رئيس المنظمة: "المهربون يصلون إلى البرلمان عبر انتخابات، ولا يمكن التشكيك في نتائج الصندوق، لكن على كل أجهزة الدولة أن تقوم بمهمتها في التصدي لأنشطتهم الاقتصادية غير القانونية، معتبرا أن للمهربين والمتهربين ضريبيا المخاطر القانونية نفسها في استغلال النفوذ والفساد.

ورأى أن الحاضنة الاجتماعية للمهربين تساعدهم على كسب نوع من الدعم في بعض المناطق الحدودية، حيث تنقص فرص التنمية ويغيب التشغيل، مؤكدا، أن المهرب الصاعد للبرلمان سبق وأن دعم أحزابا وشخصيات سياسية في دورات برلمانية سابقة، بحسب قوله.

عرفت ظاهرة التهريب في تونس نموا كبيرا في العقدين الأخيرين نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية غير المتوازنة على حساب الطبقات الضعيفة والمفقّرة، في ظل غياب اللامركزية بين الجهات وعدم وجود استراتيجيات واضحة للتنمية العادلة بين جميع القطاعات.

يعرف التهريب في النظام الجمركي بأنه "إدخال أو محاولة إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها أو محاولة إخراجها منها بصورة مخالفة للتشريعات المعمول بها، دون أداء الرسوم الجمركية كليا أو جزئيا أو خلافا لأحكام المنع أو التقييد الواردة في هذا النظام".