مستقبل الطاقة في ليبيا القلقة

مستقبل الطاقة في ليبيا القلقة

29 يناير 2018
تجاوز إنتاج ليبيا من النفط مليون برميل يوميًا (GETTY)
+ الخط -


تمتلك ليبيا مخزوناً كبيراً من الطاقة والمعادن الثمينة، وعدد سكان قليل يجعلها واحدة من الدول الغنية في منطقة شمال أفريقيا، فقد ساهمت تدفقات رأس المال الضخمة من عائدات النفط بشكل أساسي في بناء الدولة الليبية منذ الاستقلال في العام 1951، بدءا من عهد الملك إدريس السنوسي، الذي حكم ليبيا منذ الاستقلال حتى عام 1969، وهي الفترة التي شملت طفرة النفط الأولى.

ولاحقًا في عهد العقيد معمر القذافي الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري في العام 1969، حيث شهد عهده بداية الطفرة النفطية الثانية عام 1973.

وغالبًا ما تصاحب امتلاك الثروة النفطية في الدولة تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وهي أمور شائعة لدى معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة العربية، لكن في الحالة الليبية، قادت سياسات القذافي القائمة على تأميم مصادر الطاقة ومصادرة حصة شركة بريتش بتروليوم البريطانية في كانون الأول/ ديسمبر عام 1971، وإعلانه في أيلول/ سبتمبر 1973 أن جميع شركات إنتاج النفط الأجنبية العاملة في البلاد لا بد من تأميمها ووضعها تحت تصرف الدولة، إلى سيطرته المطلقة على المورد الأهم في الدولة، النفط.

كما ساهمت سياسة القذافي في محيطه الإقليمي والدولي في تبديد عائدات الثروة النفطية الليبية، وإفقار المواطن الليبي وعدم استخدامها، أو استخدام جزء منها على أقل تقدير، في مجالات التنمية السياسية والاقتصادية وتحقيق نوع من الاستقلال الذاتي.

ومع قيام ثورة 17 شباط/ فبراير2011 التي أنهت حكم القذافي الذي استمر لأكثر من اثنين وأربعين عاما، شكَّلت هذه الثروة النفطية عنوانا أساسيًا للصراع بين القوى المتنافرة في البلاد، فقد أصبحت الحقول النفطية هدفًا يسعى كلّ طرف لبسط نفوذِهِ عليه، لأهميتها في تغيير توازنات القوى الداخلية السياسية والاقتصادية وقدرتها على تمويل نفسها، وخضعت طيلة سنوات لكتائب ومليشيات مسلحة استنزفت ثروة البلاد وكلفتها خسائر كبيرة، وانعكست سلبًا على الحياة الاقتصادية والمعيشية للمواطن الليبي في ظل فشل الحكومات المتعاقبة منذ ثورة فبراير في إدارة البلاد ومقدراتها الكبيرة.

التوتر السياسي

شهد شرق البلاد الغني بمنابع النفط حربًا بين الكتائب والقوى المتنافرة، أسفرت في 12 سبتمبر/ أيلول 2016، عن سيطرة القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على ميناءي السدرة وراس لانوف ثم ميناء الزويتينة بشرق البلاد، لتحكم السيطرة على كامل الهلال النفطي، وتطرد منه قوات حرس المنشآت النفطية التي كان يقودها إبراهيم الجضران.

وعلى الرغم من محاولات كتائب الدفاع عن بنغازي استرداد المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية، إلا أنها لم تستطع أن تغير الواقع الجديد.

على المستوى الفني والتقني، حاولت المؤسسة الليبية للنفط، التي يرأسها مصطفى صنع الله، بشكل جاد، إعادة تشغيل قطاع النفط وفتحه أمام استثمارات أجنبية جديدة على الرغم من التوترات مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، التي تجاهلت مطالب صنع الله بزيادة الميزانية المخصصة لمؤسسة النفط لإجراء عمليات الصيانة.

فقد أجرت المؤسسة محادثات مع شركات صينية وكورية وفرنسية وإيطالية لتأهيل قطاع الطاقة على الرغم من انعدم الأمن والاستقرار في البلاد التي تعتبر بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي، إلا أنها حققت نجاحات مثيرة للإعجاب في هذا الصدد، حيث بلغت إيرادات النفط في ليبيا 14 مليار دولار في عام 2017.

وتجاوز إنتاج ليبيا من النفط مليون برميل يوميًا على الرغم من حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى، وسلسلة الاضطرابات التي طاولت منابع النفط فيها، مقارنة مع الإنتاج في الفترة ما بين 2014 و2016 الذي بلغ أقل من 500 ألف برميل يوميًا، كما بلغ عدد العاملين بالمؤسسة الليبيية للنفط عام 2017 65 ألف موظف مقارنة بـ39 ألفا عام 2011.

وفي تطور جديد، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، يوم الأحد الموافق 21 كانون الثاني/ يناير 2018، إعادة فتح حقول السارة النفطية في شرق البلاد، حيث توقف إنتاج ما يزيد على 50 ألف برميل يوميًا من الخام جراء إغلاق الحقول منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبلغ حجم الخسائر الناتجة عن إغلاق الحقول 281 مليون دولار، بسبب فقدان 4.4 ملايين برميل من الإنتاج عام 2017.

وقالت المؤسسة إن بلدية "واحة اجخرة" قررت إعادة فتح الحقول تحت ضغوط من المؤسسة الوطنية للنفط ومكتب النائب العام. وتقع الحقول في منطقة امتياز تخص شركة "فنترسهال" الألمانية، التي حمّلتها المؤسسة الوطنية للنفط المسؤولية عن الإغلاق الذي وصفته بأنه غير مصرح به، مشيرة إلى أنه كلف ليبيا الكثير.

المصالحة الوطنية

إن تعافي صناعة النفط في ليبيا واستمرار الدولة بإنتاجه وتصدير الخام منه رغم حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي أمر إيجابي قد يجد صداه في الموازنة الليبية، وتحسن حالة المواطن الليبي الذي يعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية بالغة الصعوبة في دولة تمتلك احتياطات كبيرة من الطاقة، وهو ما يضع كافة القوى الفاعلة في المشهد السياسي الليبي، وخاصة تلك المسيطرة على منابع النفط، أمام مسؤولياتها في تحقيق المصالحة الوطنية ودعم جهود المبعوث الأممي غسان سلامة في مهمته، لا سيما أن عجلة الاقتصاد تحتاج للأمن القائم على المصالحة الوطنية بين مكوّنات المجتمع الليبي، وهي مهمة تحتاج لتضافر جهود تلك القوى حتى تستطيع إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل يضمن حسن إدارة الموارد النفطية، العصب الاقتصادي الأساسي في حياة المواطن الليبي، وكل موارد البلاد، وارتباط ذلك بعدالة توزيع الدخل القومي.