الفقر يدفع العراقيين لتدوير المخلفات الحربية

الفقر يدفع العراقيين لتدوير المخلفات الحربية

20 سبتمبر 2015
عراقيون يتكسّبون من تدوير المخلّفات الحربية (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

دفعت الأوضاع الاقتصادية المتأزمة شباباً عراقيين إلى المخاطرة بحياتهم، من أجل الحصول على لقمة العيش، حيث اكتشفوا مجال رزق لم يتطرق إليه أحد في مناطق النزاع المسلح بين القوات الحكومية ومليشيات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ويتمثل هذا المجال في تدوير المخلّفات الحربية، من فوارغ الطلقات النارية وظروف قنابل المدافع النحاسية، عبر جمعها وبيعها لمعامل صهر المعادن التي تحوّلها إلى مواد أولية تستخدم في صناعة الأسلاك الكهربائية ومواد الإنشاء والبناء واستخدامات أخرى محلية.

هذه المهنة رغم خطورتها باتت مصدر رزق للشباب الباحثين عن العمل، وعلى الرغم من أنها لا تزال محدودة النطاق إلا أنها مهنة جاذبة للشباب بسبب عائدها المجزي، وفقاً لمراقبين وسكان محليين.

ويبدأ العمل بهذا المجال في أوقات الهدوء بمناطق النزاع وعلى كلا جانبي الحرب، حيث يتولّى الشباب من سكان هذه المناطق جمع مخلفات المعارك ثم الذهاب بها إلى مصانع منتشرة في مناطق وسط وجنوب العراق لبيعها بأسعار مجزية.

البحث عن المخاطر

وعلى غرار طريقة الطيور الجارحة التي تنتظر انتهاء المعارك المسلحة للبحث عن رزقها، يشرع الشبان بالدخول إلى مناطق المعارك بعد توقفها بساعة أو ساعتين بتنسيق مسبق لهم مع طرفي الصراع الذين بالعادة لا يكترثون لهم بسبب إنهاكهم من القتال أو تعاطف بعض القيادات من الطرفين معهم، ولكن لا تخلو رحلة العمل من المخاطر إذا عاد الطرفان للاشتباك المسلح مرة أخرى بشكل مفاجئ.

أحد العاملين في مجال جمع مخلفات الحرب، عبدالله عمر الجبوري، يؤكد أن "الأوضاع غير الطبيعية التي تمر على البلاد بسبب تفاقم الحرب، أوجدت فرص عمل لعشرات الشباب العاطلين من العمل، ومنها مهنة جمع فوارغ الطلقات النارية ومدافع الهاون، حيث نحدّد المواقع التي فيها كميات كبيرة من المخلفات الحربية وكلها يجب أن تكون من النحاس أو القصدير أو الحديد المطعّم بالنحاس".

وأضاف الجبوري أن تحرك المجموعات الشبابية للعمل في هذا المجال يأتي للبحث عن المناطق التي تشتعل فيها المعارك وجبهات القتال مثل بغداد والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك.

وحسب إحصائيات منظمات غير رسمية، تقدّر قطع السلاح المتداولة في العراق بعيداً عن القوات النظامية، بنحو 4 ملايين قطعة سلاح.

وأوضح الجبوري أنه في الفترات التي يتوقف فيها القتال، يجمع الفرد ما بين 30 إلى 50 كيلوغراماً، "ونقوم بنقلها بواسطة عربات صغيرة إلى مناطق تبعد نحو 100 متر من مكان انتظار سياراتنا، ثم ننقلها إلى المعامل والمصانع لبيعها، حيث يتم صهرها وبيعها على شكل سبائك نحاسية وربطات حديد وقوالب قصدير، وتصنع منها الأواني ومعدات الطبخ، كما تستخدم في أغراض أخرى، ومنها مناقل الفحم للشواء".

ويضيف الجبوري أن "سعر بيع الكيلوغرام الواحد من النحاس يصل إلى 25 دولاراً، والقصدير إلى 11 أو 12 دولاراً، ولا تباع الكميات المجمعة إلا عندما تصل إلى 100 كيلوغرام أو أكثر، حيث لا يأخذ التجار الكميات القليلة".

ويؤكد أن "مهنتنا الجديدة جعلتنا نبحث عن مناطق النزاع بغرض التوجه إليها وجمع المخلفات الحربية منها"، ويشير إلى أن فوارغ طلقات المدافع هي الأكثر طلباً ورواجاً لأنها قطعة كبيرة ونظيفة وتستخدم في بعض المجالات بلا صهر ولا إعادة تصنيع، ومنها استخدامها للزينة في منازل السكان بعد صقلها وطلائها ووضع الزهور وسطها".

اقرأ أيضاً: عراقيون يحولون حدائق منازلهم إلى حقول طلبا للرزق

ويضيف أن "العشرات من الشباب يعملون في هذه المهنة، ويشرف عليها اشخاص، حيث يوفرون لنا السيارات والمواقع حيث نتوجه يومياً اليها. ونحن نجمع كميات مختلفة، والرزق على الله تعالى".

ولا تخلو المهنة من المخاطر، فاحتمال انفجار لغم أو صاروخ أو إطلاق نار مفاجئ من القناصة وسقوط قذائف هاون أمر وارد جدا، وقضى الأسبوع الماضي ثلاثة من الشبان وهم يجمعون مخلفات الحرب قرب كركوك بعد سقوط صاروخ بالقرب منهم، رغم توقف المعركة وانسحاب كلا الطرفين من موقع القتال.

زيادة الإقبال

من جهته، يقول أحد الوسطاء في عملية شراء وبيع المخلفات الحربية، حسين الربيعي، لـ"العربي الجديد"، "يصل معدل ما نشتريه من الشباب يومياً أكثر من ألف كلغم من النحاس وضعف ذلك من القصدير والحديد، والأسعار مناسبة، فنحن لا نبخسهم جهدهم، فهم يدخلون للموت من أجل انتزاع لقمة العيش في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية".

وكانت الحكومة المركزية في بغداد قررت الأسبوع الماضي إلغاء تنفيذ ما يربو على 3 آلاف مشروع تنموي في كل المدن العراقية، في إطار مساعي تدبير نفقات الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ومن جانبه، يقول عضو غرفة تجارة بغداد، أحمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة بيع وشراء المخلفات الحربية باتت منتشرة بكثرة في بغداد ومدن أخرى، ولربحها الوفير باتت مهنة المئات من الشباب، لأنها تساهم في توفير رزق لهم ولعوائلهم".

عمالة الأطفال

ويوضح الدليمي أن المعلومات التي لدينا تتحدث عن وجود نحو 300 شخص بينهم أطفال دون الثامنة عشرة يعملون بهذا المجال في مناطق سيطرة الحكومة، ولا نعلم العدد بالجهة المقابلة التي يسيطر عليها تنظيم داعش.

ويلفت إلى أن العراق يمكن أن يصنّف كواحد من أكثر بلدان العالم في عمالة الشباب والأطفال، ومنها البحث في المخلفات الحربية عن مواد يُراد لها أن تتحول إلى مال، بغرض العيش، بينما هناك مليارات الدولارات تعرضت للسرقة والإهدار دون رقيب أو مساءلة.

وكان تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2014، قد ذكر أن العراق يحتل المرتبة السادسة من بين الدول الأكثر فساداً في العالم. وبحسب تقارير للجنة المالية في مجلس النواب، فإن حجم الهدر المالي الذي تم خلال فترة حكم رئيس الوزراء نوري المالكي خلال نحو 9 أعوام ماضية، بلغ 109 مليارات دولار.

وتزداد المخاطر في المناطق التي يسيطر عليها داعش، في ظل معاناة المواطنين من قلّة الموارد المالية.

وفي هذا الإطار، يقول الناشط المدني عبدالله يونس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "العديد من الشباب يقومون بجمع مخلفات الحرب في مناطق في الموصل، عاصمة محافظة نينوى، شمال البلاد، حيث ساحات المواجهات مع قوات البشمركة".

وأشار يونس إلى أنه بسوق الجمعة في منطقة باب الطوب، وسط الموصل، يتم شراء وبيع مادة النحاس ويباع الكيلوغرام الواحد منه بنحو 15 دولاراً، وهو أقل سعراً من المناطق التي تحت سيطرة الحكومة المركزية.


اقرأ أيضاً: عراقيون يبتكرون أساليب لإخفاء أموالهم

المساهمون