أرباح المصارف السورية "تفوق الخيال"

أرباح المصارف السورية "تفوق الخيال"

24 سبتمبر 2014
المصارف السورية تعلن أرباح مغايرة لواقع الحرب الدائرة (أرشيف/getty)
+ الخط -
عرضت ثمانية مصارف سورية خاصة، أخيراً، بياناتها المالية للربع الأول من عام 2014، بينما امتنع اثنان، هما "بركة" و"فرنسبنك" ربما لخجل القائمين عليهما وحرصهم على سمعة المصرفين.
وجاء في الإفصاحات المالية الأقرب لإراحة العملاء وطمأنة المودعين، أن أربعة من المصارف الثمانية سجلت أرباحاً صافية قدرها ثلاثة مليارات ليرة سورية (18.8 مليون دولار)، في حين منيت الأربعة الأخرى بخسائر قدرها 1.4 مليار ليرة.
لكن الخبراء يقولون إن ثمة خديعة تعتمدها المؤسسات الاقتصادية السورية عموماً، ومنها "مصارف وشركات تأمين"، تتلخص في أن المصارف تستفيد من ارتفاع سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة، وبما أن قوائمها المالية بالليرة، فهي تغرر بالجمهور وتدعي الربح، في حين أن الأرباح الحقيقية تأتي جراء تشغيل وتدوير رأس المال عبر التمويل والإقراض والاستثمار، وهذه العمليات متوقفة في واقع الحرب التي تجتاح سورية منذ ثلاثة أعوام، مما يعني أن الأرباح التي ادعتها المصارف السورية تضخمية وناتجة عن تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي يزيد على 159 ليرة للدولار بالسعر الرسمي بنسبة تضخم زادت على 158% منذ عام 2011 إلى الآن.
وعانت المصارف السورية، في السنوات الأخيرة، من خسائر فادحة نجمت عن توقف سبعين في المائة من الأعمال في سورية، الأمر الذي أدى إلى توقف رجال الأعمال عن تسديد التزاماتهم إلى المصارف، سواء كانت على شكل قروض تجارية أو تسهيلات ائتمانية.
يضاف إلى ذلك، هروب عدد كبير من رجال الأعمال السوريين إلى خارج البلاد، وخاصة بعد خسارتهم لمصانعهم جراء القصف والتدمير الذي مارسه نظام الأسد الابن بحجة محاربة الإرهاب، الأمر الذي جعل من مهمة تحصيل هذه القروض للمصارف الخاصة أمراً أشبه بالمستحيل.
ولتفادي الخسارات الفادحة لجأت المصارف في البداية إلى رفع أسعار الفائدة على القروض القائمة إلى معدلات أشبه بالخيالية وصلت إلى 16% في أغلب المصارف الخاصة.
إلا أن إدارات هذه المصارف ما لبثت أن أدركت أن رفع أسعار الفوائد لم تكن خطوة فعالة، خاصة أن معدلات عدم التسديد في أغلب المصارف وصلت إلى أكثر من النصف. وقتها أحس حاكم مصرف سورية المركزي، أديب ميالة، بأن الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، التي تتم كعلاج لسحب فائض سيولة من السوق بهدف تقليل نسب التضخم، سيؤدي إلى كارثة تهدد بخروج جميع المصارف الخاصة من السوق السورية إن لم يتدخل ويمنح أرباحا وهمية تغطي عجز المصارف بشكل سريع.
وهو ما جرى فعلاً، حيث قام حاكم (محافظ) المصرف المركزي أولاً بتعديل قانون تصنيف الديون المعدومة لدى المصارف وذلك من خلال مضاعفة الفترات الزمنية لتصنيف الدين على أنه دين سيئ، فقد كان القانون ينص على أن يتم تصنيف الدين على أنه دين سيئ بعد مرور 90 يوماً من توقف العميل عن السداد، ليصبح بعد تعديل القانون، ضعف ما كان عليه، أي 180 يوما، مخالفاً بذلك مقررات "بازل 3" والتي تعد مصدر التشريع الأول للمصارف حول العالم.
أما النقطة الأهم، والتي تبين عدم جدية المصرف المركزي في تخفيض سعر الدولار أمام الليرة السورية تتوضح من خلال تقييم المصارف العاملة على الأرض السورية بالليرة، فقد سمح قانون المصارف السورية للمصارف الخاصة بإيداع نسبة من رأس المال بالدولار على أن لا تتجاوز هذه النسبة 30٪ وبما أن القوائم المالية للمصارف يجب أن تكون مقومة بالليرة السورية، إذاً يجب تحويل أي مبلغ بالعملات الأخرى إلى الليرة السورية بحسب سعر الصرف في تاريخ إصدار القوائم المالية.
ويعتبر الفارق بين سعري الصرف بين الميزانيتين بمثابة ربح يدخل ضمن أرباح المصارف، حتى ولو لم يتم تحويل هذه المبالغ إلى الليرة السورية فعلا.
وعلى سبيل المثال، لنفترض أن سعر الصرف في عام 2012 كان عند مستوى مائة ليرة لكل دولار وأنه في عام 2013 كان سعر الصرف 120 ليرة، عندها تقوم المصارف بتسجيل عشرين ليرة على كل دولار موجود في رأسمالها على أنه ربح ويدخل في حساباتها الختامية تحت بند أرباح القطع البنيوية، علما أن المصرف لم يقم فعلا ببيع هذه الدولارات وتحويلها لليرة السورية.
ويفسر مراقبون السبب وراء عدم تعامل المصرف المركزي في سورية بجدية مع تخفيض سعر العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، على الأقل للحد الذي يضمن العيش المقبول للسوريين الذين أكل التضخم أجورهم، بأن مخالفة القرارات السياسية المتعمدة لخديعة السوريين وتسويق أن الاقتصاد السوري بخير، سيوجه ضربة قاضية الى جميع المصارف الخاصة دفعة واحدة. وفي هذا الصدد تحاول السلطات النقدية في سورية، في فترات متلاحقة، ضخ كتل دولارية في السوق، بهدف تثبيت سعر الصرف لمدة، والحيلولة دون انهيار الليرة التي فقدت كل عوامل قوتها، من احتياطي نقدي وتصدير وصناعة وحتى عوامل نفسية.
أما عن الأرباح التضخمية التي أعلنتها المصارف السورية، فكان أول الرابحين الوهميين بنك قطر الوطني - سورية بصافي ربح قدره 1.236 مليار ليرة سورية، تلاه بنك بيمو السعودي الفرنسي بصافي ربح 758 مليوناً، ثم بنك عودة- سورية بصافي ربح تجاوز 491 مليوناً، ثم بنك الشام بصافي ربح تجاوز 286 مليوناً.
وجاء في مقدمة المصارف التي حققت خسارة بنك سورية والخليج، تلاه البنك العربي- سورية ، ثم بنك سورية الدولي الإسلامي بخسارة تخطت 221 مليوناً، ثم بنك الأردن- سورية بخسارة تجاوزت 10 ملايين ليرة.
ويتساءل محللون: كيف تربح المصارف في سورية رغم الديون الهائلة مستحيلة التحصيل التي هرب مقترضوها من الموت والسداد رغم انخفاض العمولات بسبب تراجع، إن لم نقل، توقف التصدير والاستيراد.