حروب واشنطن وبكين... "معركة كسرعظم" بين شي وترامب

حروب واشنطن وبكين... "معركة كسرعظم" بين شي وترامب

10 سبتمبر 2018
شي وترامب أثناء زيارة الأخير بكين العام الماضي (Getty)
+ الخط -

هل يتحول النزاع التجاري إلى معركة كسر عظم بين واشنطن وبكين خلال الشهور المقبلة وسط التحدي الصريح بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي دونالد ترامب على عدم تقديم تنازلات تسمح بتسوية مرضية للأزمة، تخلص العالم من هذه الحرب وتداعياتها على الصناعة والتجارة وأسواق المال والعملات؟

حتى الآن لا تلوح في الأفق أية بادرة تفاؤل، في هذا الصدد يتوقع العديد من الخبراء، أن تستمر الحرب التجارية المشتعلة بين بكين وواشنطن لفترة أطول من تلك التي تصوروها في بداية العام.

وبحسب توقعات خبراء لموقع " أكسيوس" الأميركي، فإن الحرب التجارية ربما تستمر حتى النصف الثاني من عام 2019، هذا إن لم تتحول إلى "حرب باردة" جديدة بين العملاقين تستخدم فيها التجارة لاستعادة الهيمنة المطلقة لأميركا كـ"دولة عظمى وحيدة"، تعيد "صياغة النظام الدولي العالمي" من جديد، وليست دولة عظمى ضمن "نظام دولي متعدد الأطراف" تشاركها في صناعة القرار كل من الصين وأوروبا.
لكن هذا التحليل يستند إلى احتمال تمكن الرئيس دونالد ترامب من الاستمرار في الحكم متخطياً محاولات عزله، وكذلك حصول الحزب الجمهوري على الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويعود السبب في هذه التوقعات المتشائمة للحرب التجارية، إلى أن الدولتين لا ترغبان في التنازل والظهور بمظهر الضعف في التحدي الجاري. وكذلك يرجع إلى أن الاقتصادين، الصيني والأميركي، يعيشان حالياً مرحلة من القوة تجعلانهما قادرين على امتصاص الآثار السلبية للحرب التجارية وتداعياتها المالية والتجارية، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة.

يضاف إلى ذلك أن ترامب الذي أشعل شرارة الحرب التجارية الحالية يملأه الشعور بالانتصار في هذه الحرب، ويرى أن اقتصاد بلاده قوي بما فيه الكفاية لاستغلال فترة رئاسته في إزاحة الصين من المنافسة كدولة صاعدة ترغب في انتزاع مكانة الدولة العظمى من أميركا.

ولا تبدو حتى الآن مؤشرات تدل على أن ترامب سيتخلى عن الرسوم الجمركية المتصاعدة التي يفرضها على الواردات الصينية.
ويرى الاقتصادي والنائب البرلماني البريطاني جون ريدوود، في تحليل بصحيفة فاينانشيال تايمز، أن ترامب يريد لي ذراع الصين لتقبل بالشروط الأميركية. ويشير في تحليله إلى أن الرئيس الأميركي يعتقد أن الحرب التجارية في مصلحة أميركا ما دامت سوق "وول ستريت" تواصل الارتفاع.

وحتى الآن لم تؤثر الحرب التجارية على مؤشرات سوق وول ستريت بشكل يزعج كبار المستثمرين، ولكن من المتوقع أن يبدأ التأثير بالظهور خلال الشهور المقبلة.

وبحسب تحليل بموقع "أكسيوس" الأميركي، فإن تداعيات الحرب التجارية ربما تؤثر على شركات توظف 11 مليون عامل وتقني في أميركا.

في هذا الصدد، أعلنت شركة "هارلي ديفيدسون" الأميركية لصناعة الدراجات النارية أنها ستنقل إلى خارج الولايات المتحدة جزءاً من إنتاجها، وذلك لتفادي الرسوم الجمركية التي فرضتها بروكسل كردٍ على الرسوم الأميركية المشددة على الواردات الأوروبية.

كما أن شركة "كاتربيلر" المتخصصة في صناعة الجرارات والآليات الثقيلة، أصبحت من أكثر الشركات تعرضاً للخسارة في مؤشر "داو جونز الصناعي" في الفترة ما بين 12 إلى 19 يونيو/ حزيران، فقد تراجع سهم الشركة بنسبة 13% منذ بدء فرضها.
وتعد شركة تسلا التي تواجه متاعب مالية جمة من بين الشركات التي تضررت كذلك من فرض الصين ضريبة على واردات السيارات الكهربائية ابتداء من 6 يوليو/ تموز الماضي، وذلك بعد فرض الولايات المتحدة الأميركية رسوما جمركية إضافية على الواردات الصينية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف سيارات "تسلا" الكهربائية.

وتسببت الرسوم الجمركية الأميركية على واردات الصلب، في دفع شركة "ميد كونتننت" الأميركية، إلى زيادة أسعارها بنسبة 20%، الأمر الذي ألحق بها الكثير من الأضرار، حيث انخفضت طلبات عملاء الشركة إلى النصف في يونيو/ حزيران، مما أجبر الشركة على تسريح 60 موظفاً، وربما تقوم بتسريح 200 آخرين خلال الشهور المقبلة.

كما من المتوقع أن تلغي الصين طلبيات في صفقة تاريخية أعلنت عنها شركة بوينغ الأميركية لبيع الصين أكثر من 7 آلاف طائرة من إنتاج بوينغ بقيمة تصل إلى تريليون ومائة مليار دولار خلال العقدين المقبلين.

على صعيد الولايات المتحدة من المتوقع أن تخسر ولاية تكساس صادرات النفط الصخري الخفيف التي نشطت في تصديرها إلى الصين خلال العام الجاري، في حال تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين.
لكن تعد ولاية كاليفورنيا من أكثر الولايات المتضررة من الحرب التجارية، حيث يقدر حجم التبادل التجاري بين كاليفورنيا والصين بحوالى 175.6 مليار دولار، وهو ما يمثل 27.6% من تجارة الولايات المتحدة مع الصين.

وعلاوة على ذلك، بلغت قيمة صادرات كاليفورنيا إلى الصين 16.43 مليار دولار في عام 2017، وهو ما يمثل 12.6% من الصادرات الأميركية إلى الصين، وذلك وفقاً للبيانات الرسمية التي أصدرتها الهيئة التشريعية لولاية كاليفورنيا.

وحتى الآن تستهدف الصين في الرد على الرسوم الأميركية الولايات التي تشكل القاعدة السياسية للرئيس ترامب في الريف الأميركي، خاصة منطقة الوسط الغربي.

على الصعيد الصيني، بعد عقود من النمو الاقتصادي القوي والمتواصل، فإن الحرب التجارية بدأت تحدث ارتباكاً في خطط النمو الاقتصادي، حيث بدأ معدل النمو يتباطأ.

لكن ما يقلق زعماء بكين أكثر هو الارتفاع الصاروخي في حجم دين الشركات والأفراد الذي يقدره صندوق النقد الدولي بحوالى 23 تريليون دولار، وهو ما يعني أن حجم هذه الديون بات يعادل 250 % من حجم الاقتصاد الصيني المقدر بأكثر قليلا من 11 تريليون دولار.

وحسب تقديرات خبراء، فإن استمرار الحرب التجارية سيقود تلقائياً إلى تقليص الصادرات الصينية، لكن الاقتصاد الصيني يراهن على حجم الادخارات المحلية الكبير وكذلك على الرصيد المالي الضخم المتوفر في الاحتياطي الأجنبي.
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصينية الصادرة عن البنك المركزي الصيني، إلى أن احتياطي الصين من النقد الأجنبي بلغ 3.1097 تريليونات دولار في نهاية أغسطس/آب المنقضي، بانخفاض 0.26% أو 8.2 مليار دولار مقارنة مع شهر يوليو/تموز 2017، بحسب بيانات أصدرها بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) يوم السبت.

وعزت الحكومة هذا الانخفاض إلى ارتفاع مؤشر الدولار وعدم اليقين إزاء البيئة الخارجية والاحتكاكات التجارية حول العالم.

وبحسب البنك المركزي الصيني، فإن احتياطات البلاد من الذهب ظلت مستقرة حتى نهاية أغسطس/ آب عند 59.24 مليون أونصة، بما يعادل 71.2 مليار دولار.

كما تعول الصين كذلك في تعويض السوق الأميركي على التصدير إلى الدول الواقعة ضمن "مبادرة الحزام والطريق" التي أنفقت فيها بكثافة خلال العامين الماضيين. وتشير إحصاءات الجمارك الصينية الصادرة يوم السبت في بكين إلى أن إجمالي حجم التجارة الصينية مع الدول المشمولة بمبادرة الحزام والطريق فقد بلغ 5.31 تريليونات يوان ( حوالى 778 مليار دولار)، بارتفاع بنسبة 12% على أساس سنوي.

ومن المتوقع، بحسب البروفسور جوزيف ستيغلتز، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، أن تستخدم الصين هذه الحرب في بناء تحالفات من الدول المتضررة، وربما تستخدم آلية خفض اليوان، رغم خطورة ذلك، أمام الهيمنة الأميركية على المال والصناعة المصرفية وقوة الدولار وسيطرته على تسوية التجارة العالمية.

وخلافاً للدستور الأميركي الذي يقيد صلاحيات الرئيس فقد ألغت الصين أخيراً هذه القيود، وهو ما يسمح للرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن يتصرف كما يشاء في هذا النزاع.

المساهمون