صراعات النفط والحظر: هل تُنهي شهر العسل الروسي الإيراني؟

صراعات النفط والحظر: هل تٌنهي شهر العسل الروسي الإيراني؟

28 سبتمبر 2018
بوتين وروحاني في لقاء بطهران نوفمبر الماضي (Getty)
+ الخط -
بين عشية وضحاها تتحول الصداقة بين موسكو وطهران إلى شبه خصام، رغم التصريحات التي تصدرها موسكو عن معارضتها لسياسة الحظر الأميركي، ضد طهران. 
وحسب محللين غربيين، تجد موسكو في عودة الحظر الأميركي على إيران فرصة لتنفيذ استراتيجية الهيمنة على أمن الطاقة العالمي وإمداداتها وزيادة دخلها النفطي.

ويوفر الحظر الأميركي على قطاع الطاقة الإيراني فرصة أكبر لموسكو لمواصلة إحكام السيطرة على سوق الغاز الأوروبي، حيث أن فك الحظر الإيراني سيعني تطوير احتياطيات الغاز الإيراني الضخمة وربما ضخها إلى أوروبا خلال سنوات قليلة.

وهو ما يعني عملياً الأخذ من حصة الغاز الروسي بدول الاتحاد الأوروبي. ومعروف أن أوروبا تبحث عن مخرج من قبضة الغاز الروسي الذي يهيمن على إمدادات الطاقة ويراوح بين 35 و40% من إجمالي إمداداتها.


وحسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية، فإن احتياطات الغاز في إيران تقدر بحوالى 1.046 تريليون قدم مكعبة (29.6 تريليون متر مكعب) أي نحو 15.8٪ من إجمالي الاحتياطيات في العالم. وهذا يعادل ثاني احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا.

أما العامل الثاني والمهم الذي يخدم استراتيجية روسيا للطاقة، فهو أخذ حصة إيران في السوق الآسيوي المهم، خاصة زيادة إمداداتها النفطية للصين ودول آسيا الأخرى. وتعد دول آسيا مهمة في استراتيجية موسكو التي تتحالف مع بكين وتنوي أن يكون لها نصيب الأسد في بناء "نظام عالمي جديد".


وفي ذات الصدد، لاحظت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تحليلها، أنه ومنذ إعلان الحظر الأميركي على إيران، رفعت روسيا من إنتاجها النفطي بحوالى 250 ألف برميل يومياً إلى 11.6 مليون برميل يومياً لتعويض نقص الإمدادات النفطية في الأسواق العالمية.

وحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن دخل روسيا من النفط ارتفع بنسبة 50% إلى 83 مليار دولار خلال العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. كما لاحظت "وول ستريت جورنال" أن موسكو رفعت من حجم نشاطها التجاري وتنسيقها مع كل من السعودية وإسرائيل، وذلك على حساب إيران.

ويلفت محللون أميركيون إلى أن الزيادة في إنتاج النفط الذي سجلته روسيا هذا العام، وهو معدل إنتاج غير مسبوق ويحطم كل أرقام إنتاجها في السابق، يحدث في وقت تعلن فيه أميركا عن عقوبات لم يسبق لها مثيل على طهران.

ومن المتوقع أن يطبق الحظر النفطي على طهران في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وتفرض الولايات المتحدة حظراً صارماً على شراء النفط الإيراني، وتهدد بتدابير تقييدية من جانب واحد على الدول والشركات التي تجرؤ على انتهاك هذه الشروط".

ونسبت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى الأستاذ في جامعة جورج ماسون، والخبير في مجال السياسة الروسية في الشرق الأوسط، البروفسور مارك كاتز، قوله إن "إيران في وضع لا تحسد عليه، وموسكو تستغل هذا الوضع".

ويلاحظ المراقبون أن جزءاً من النفط الروسي يذهب إلى المشترين الذين خفّضوا مشتريات النفط إيراني. ويمكن النظر إلى أن الحظر الأميركي على النفط الإيراني وكيفية خدمته للاستراتيجية الروسية بناء على النقاط التالية:

أولاً: تعمل موسكو على التأكيد على عدم وصول الغاز الطبيعي من المنطقة الغنية بالهيدروكربونات في كل من إيران والعراق ومنطقة الخليج إلى الأسواق الأوروبية، وبالتالي يمكنها الحفاظ على حصص مبيعات شركات الطاقة الروسية وعلى رأسها "غاز بروم"، في دول الاتحاد الأوروبي. كما أن موسكو وقعت اتفاقيات ضخمة لبيع الغاز الطبيعي لشركات صينية ويتخوف أن يؤثر تطوير مكامن الغاز الإيراني على هذه الصفقات.

في هذا الصدد يلاحظ أن بوتين يتخوف من تزايد حصص نفط المنطقة العربية في كل من أوروبا والصين على حساب الشركات الروسية. وقد وجدت الشركات الروسية خلال الثلاثة أعوام الماضية منافسة شرسة من شركات: أرامكو السعودية وشركة النفط العراقية وحتى من حليفتها إيران حينما تم توقيع الاتفاق النووي. وفي وقت كانت فيه أسعار النفط عالمياً شبه منهارة كان السباق بين كبار منتجي النفط على الحصص السوقية.

هذه المنافسة تزعج موسكو كثيراً، خاصة في أسواق أوروبا الشرقية التي كانت حكراً على النفط الروسي، وكذا في الصين التي ترغب روسيا في تقوية علاقاتها السياسية والعسكرية معها عبر اتفاقات الطاقة الضخمة التي وقعتها قبل عامين، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تستخدم موسكو معها "دبلوماسية الغاز" في التأثير على قراراتها السياسية.

ثانياً: تعمل الاستراتيجية الروسية، على التأثير على منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" من خلال النفوذ السياسي والعسكري في سورية وبناء علاقات تعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يجعل التواجد الروسي في سورية أمراً واقعياً لا بد من التعامل معه بالمنطق" البراغماتي" في المستقبل، أو ربما يستخدم بوتين سورية لابتزاز دول المنطقة في حال استمرار الأسد في الحكم.

ثالثاً: تعمل الاستراتيجية الروسية، على تمكين الشركات الروسية من أخذ حصص رئيسية في التطوير والتنقيب في كل من العراق وإيران وليبيا وشرق البحر المتوسط، وربما في بعض الدول النفطية الأخرى بالمنطقة. ومن خلال هذه الحصص سيتمكن بوتين من السيطرة على حصة أكبر من النفط الذي يتم تسويقه عالمياً.

كما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن التجارة الروسية مع أسوأ أعداء إيران، وهي إسرائيل، نمت في العام الماضي بنسبة 25٪. كما تستعرض روسيا نجاحاتها في التجارة مع السعودية. فقد وافقت موسكو على بيع المملكة منظومة إس 400 في العام 2017، وهي تتفوق على إس 300 التي باعتها روسيا إلى إيران. كل هذا يؤدي فقط إلى توتر الأجواء في علاقات الدولتين اللتين تقاتلان معا في سورية.

من جانبها، ترى طهران، أن سلوك موسكو يقترب من العداء الصريح ومناصرة الرئيس دونالد ترامب في حصاره المعلن لإيران. وترى طهران أن موسكو تستغل الحظر الأميركي لخدمة مصالحها، دون النظر إلى العلاقات والمصالح التي تربطها معها.

ونقلت رويترز، الأسبوع الماضي عن مندوب إيران في منظمة "أوبك"، حسين كاظم بور، قوله، "تزعم روسيا والسعودية أنهما تسعيان لتحقيق توازن في سوق النفط العالمية ولكنهما تحاولان أخذ جزء من حصة إيران". ويلاحظ أن وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، ألغى المشاركة في اجتماع "أوبك والمنتجين خارجها" الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في الجزائر العاصمة.

وترغب إيران في عدم تعويض حصتها النفطية في أسواق الطاقة العالمية، حتى ترتفع أسعار النفط وتجبر أميركا على تغيير الحظر، أو على الأقل السماح لعدد أكبر من الدول باستيراد نفطها. وذلك ببساطة لأن حظر النفط الإيراني وحتى قبل تطبيقه سبب أزمات كثيرة للاقتصاد الإيراني من بينها انهيار الريال والاضطرابات السياسية والعمالية.

ويذكر أن أسعار النفط ارتفعت أمس الخميس بنسبة واحد بالمائة وسط توقعات بانخفاض المعروض في الأسواق بسبب العقوبات الأميركية المرتقبة على إيران.

وحسب رويترز، سجلت العقود الآجلة لخام برنت تسليم شهر لأقرب استحقاق 82.23 دولاراً للبرميل بارتفاع 89 سنتاً أو 1.1% عن آخر تسوية، وبما يقل قليلاً عن أعلى مستوى في أربعة أعوام الذي سجلته يوم الثلاثاء. وبلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 72.47 دولاراً للبرميل بارتفاع 90 سنتاً أو 1.3%عن آخر تسوية.

وقال تجار إن أسواق النفط تشهد انخفاضاً في المعروض. وبلغت صادرات النفط الخام الإيرانية ذروتها في 2018 حين سجلت نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً بما يعادل 3.0% من حجم الاستهلاك العالمي.

دلالات

المساهمون