لبنان المأزوم تحت رحمة صندوق النقد الدولي

لبنان المأزوم تحت رحمة صندوق النقد الدولي

19 فبراير 2020
خلال احتجاج أمام مصرف لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -
يستقبل رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب وفداً تقنياً من صندوق النقد الدولي، الخميس، للبدء في مباحثات حول نوع المساعدة التي سيقدمها الصندوق إلى لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الأهلية.

السياسيون اللبنانيون يؤكدون أن ما يطلبونه من الصندوق لا يتعدى المساعدة التقنية لوضع برنامج يعين لبنان على الخروج من أزمة اقتصادية جارفة.

فيما تشير المعلومات إلى أن هذه المساعدة قد تمتد إلى الحصول على قرض من الصندوق، مع الالتزام ببرنامج "إصلاحي" صارم.

وبين الطرحين، ترتفع أصوات اللبنانيين ضد السلطة السياسية، خاصة مع تناقل جدول صادر عن لجنة الرقابة على المصارف، يؤكد في متنه أن كبار المودعين أخرجوا حوالي 27 مليار دولار من المصارف اللبنانية، فيما تواصل المصارف احتجاز الودائع الصغيرة والمتوسطة والحسابات الجارية من دون أي سند قانوني أو دستوري. 
وشددت العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجييفا، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، على أن "صندوق النقد الدولي، الذي يرسل فريقاً إلى لبنان، سينظر في المساعدات المالية أيضاً إذا كنا مقتنعين بأن هناك جدية في النهج الذي تتبعه الحكومة". وتابعت: "يتعين على الحكومة إلقاء نظرة فاحصة وجدية للغاية على ما يمكنها القيام به لإصلاح الاقتصاد، وليس للرد علينا، بل على ما يطالب به الشعب اللبناني".

وشهد لبنان انتفاضة منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، ما أجبر رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري على التنحي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وسوء إدارة الحكومة والفساد والصفقات التي زادت وتيرتها. وطلب رئيس مجلس الوزراء الجديد حسان دياب من صندوق النقد الدولي المساعدة الفنية، بما في ذلك كيفية التعامل مع واحدة من أكبر أعباء الديون في العالم.

وحثت المصارف اللبنانية التي تحمل نسبة كبيرة من الدين العام، مجلس الوزراء على سداد اليوروبوندز في شهر مارس/ آذار، ومن ثم وضع خطة لإعادة هيكلة الباقي، قائلة إن الوقت ينفد. لكن بعض المشرعين يزعمون أن الحكومة يجب ألا تسدد الديون، بحجة أنها ستستخدم أموال المودعين للقيام بذلك، في حين أن دفع السندات سيؤدي إلى تآكل العملة الصعبة اللازمة لشراء القمح والأدوية والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية.

وأكد مدير عام مصرف فرنسبنك، ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام للبنك اللبناني للتجارة نديم القصار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموضوع لا يتعلق بسداد اليوروبوندز أو عدمه، وإنما بخطة الحكومة المرتبطة بالخطوة التالية بعد الدفع أو بعد إقرار عدم السداد.

وأضاف: "نحن لا نعرف خطة الحكومة، ما هي استراتيجيتها وماذا تريد أن تفعل مع المدينين، هل ستقام دعاوى ضد لبنان في حال لم يتم الدفع؟ هل سيتم الحجز على الطائرات اللبنانية؟ وما هي العواقب من عدم سداد الديون؟ وبالتالي عدم الدفع يجب أن يتزامن مع استراتيجية وجلوس مع الدائنين وإعادة جدولة الدين، وغيرها".

ولفت إلى أن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد لديها سيناريو يرتبط بخفض العجز والهدر وأين يمكن زيادة الموارد وخفض الإنفاق، ولكن بما يخصنا كمصارف يتم اتهامنا بأننا نطالب بالدفع، لست بموقع القول أين الخطأ والحق، وإنما أريد أن أعرف الخطة الحكومية. وعدم وجود خطة بحجة عدم استخدام أموال المودعين ليس كافياً".

وسأل: "هل إذا لم تدفع الدولة ديونها ستعطي للمودعين أموالهم؟ كم تكفي الأموال لاستيراد المحروقات والقمح وغيرها؟". وشرح القصار أن "الدولة مثل أي زبون متعثر عليه أن يضع خطة لسداد الدين. عدم الدفع ليس حلاً، وكذا الدفع من دون تحديد الخطوة الثانية".

وقال إن "هذه الحكومة لديها حمل كبير وتستمع الى كل الآراء لبلورة قرارها. نحن جزء من البلد ولا يهمنا سوى تحسن الاقتصاد، ونسير بكل شيء بناء، نحتاج إلى خطة مدروسة وعندها على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها".

واعتبر العديد من المسؤولين اللبنانيين أن البلاد لا ترغب في الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد مشابهة لما حصلت عليه الأرجنتين، بالنظر إلى أن ذلك سيأتي بشروط قاسية. في حين أن جورجييفا لم تحدد ماهية الشروط، إلا أن السياسيين في بيروت يشعرون بالقلق من أنه يتعين عليهم رفع الضرائب والتخلي عن تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية رسمياً عند 1507 مقابل الدولار، والذي كان قائماً منذ التسعينيات.

ويتم تداول الدولار لدى الصرافين (سوق سوداء) عند 2490 ليرة، أي أقل بحوالي 40% من السعر الرسمي، وذلك على الرغم من إعلان نقابة الصرافين بالتنسيق مع مصرف لبنان الالتزام بصرف الدولار عند 2000 ليرة. وبلغت ديون لبنان أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، ومن المتوقع أن يتجاوز الدين الإجمالي للبنان عام 2020 نسبة 160% من الناتج.

وأكد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "صندوق النقد الدولي تاريخيا كان يهتم بإعطاء قروض بالدولار للدول التي تعاني من عجز مستمر في ميزان المدفوعات. بعدها وسعت الولايات المتحدة من نطاق عمله وصار يضع ما يسمى إعادة هيكلة اقتصادات الدول النامية التي تنوء تحت أعباء مديونية كبيرة، ومهددة بالإفلاس".

وأضاف: "روشتة الصندوق تقوم على رفع الدعم عن سعر الصرف، على اعتبار أن ذلك يعزز الصادرات، ولكن على الدولة هنا أن تتمتع بقطاعات إنتاجية قادرة على الاستفادة من تراجع سعر العملة المحلية. كذا يرفع الصندوق القيود على التبادلات التجارية مع الخارج من رسوم جمركية أو إجراءات إدارية. وفي حال العجز في الموازنة يتم خفض الإنفاق، وضمناً الاجتماعي، وهنا تتم زيادة الضرائب على البنزين مثلاً والضريبة على القيمة المضافة، وذلك في إطار خفض الطلب الاستهلاكي والسيطرة على التضخم".

وتابع: "كذا يمنع الصندوق دعم الكهرباء والفوائد والصادرات والمحروقات وغيرها، ومن ثم يزيد الفوائد في الدول ذات الفوائد المتدنية، ويسعى إلى خفض العجز في الميزان الجاري، أي الميزان التجاري زائد رصيد التحويلات المالية الى لبنان ومنه. وهذه الشروط تصحح الأرقام، ولكن لا تنظر الى حاجات الشعوب، لذلك صندوق النقد مرجع رقمي وليس إنسانياً".

وأضاف يشوعي: "في ما يتعلق بإعادة هيكلة الدين، فالأمر يتوقف على موافقة الدائنين، ولم يعد لدينا وقت كاف لوضع استراتيجية. لا يوجد نقاش لوضع حل للأزمة بين الصندوق والحكومة وإنما فقط مشورة، ولا أعرف كيف أن حكومة اختصاصيين تأتي بمن تستشيره. لا يوجد أي شيء واضح، إضافة إلى إشكالية جديدة تتعلق بكيفية ارتفاع حصة الأجانب من اليوروبوندز، ومن قام بشرائها؟".

ولفت إلى أن "ربط مساعدة الصندوق بالحصول على قرض منه سيضعنا تحت شروط قاسية، سيزيد الفقراء فقراً، في حين أن الخيارات الداخلية متوافرة. إذ إن الحكومة لم تعط ثقة للمواطنين لكي يعيدوا أموالهم إلى المصارف، ولم تضع خطة لاستعادة الأموال المنهوبة، ولم تقترح إدارة جديدة للقطاعات الخدمية ولم تجد حلاً لقضية مشاركة الدولة بالأرباح من استخراج النفط. هناك حلول لضخ الدولارات في البلد، إلا أن أحداً لا يلجأ إليها".

وقال فريد بلحاج، وهو أكبر مسؤول في البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن "لبنان معرض لخطر الانهيار ما لم يطور نموذجاً جديداً للحكم أقل فساداً وأكثر شفافية. إذ لا يمكن للسياسيين الاستمرار في ما كانوا يفعلونه لسنوات عندما يرون ما هي ردة الفعل في الشارع وعندما يلحظون ما هي حالة الاقتصاد اليوم".

وأضاف: "نأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من معالجة القضايا التي كانت معلقة منذ فترة طويلة. إن تحسين قطاع الكهرباء وتحرير قطاع الاتصالات وإصلاح التعليم كلها أمور ضرورية".

وفشلت الحكومات السابقة في تنفيذ تدابير للحصول على قروض دولية. وقال المانحون، الذين تعهدوا في عام 2018 في مؤتمر سيدر الذي عقد في باريس، بتقديم 11 مليار دولار كمساعدات، إن لبنان بحاجة إلى إظهار أنه جاد بشأن الإصلاحات قبل استلام الأموال.

المساهمون