مساع لتخفيف البطالة في المدن العراقية المدمرة

مساع لتخفيف البطالة في المدن العراقية المدمرة

19 يونيو 2019
الدمار طاول مصادر رزق العراقيين (زيد العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

بنحو 9 دولارات يومياً وجد أحمد عبد الغفور (29 عاماً) فرصة للعمل في بلدة هيت غرب العراق، ضمن مشروع خيري أطلقته منظمة أجنبية لتنظيف المدينة من مخلفات الحرب، ورفع أنقاض الدور المهدمة والنفايات.

عبد الغفور الذي أكمل دراسته الجامعية منذ سنوات يعتبر أن المنظمة انتشلته من حالته "المزرية"، وفقاً لتعبيره، فهو يمتلك عملاً اليوم بعد بطالة طال أمدها، كما أنه لم يعد يخجل من عائلته في حال طلبت منه شيئاً لا يستطيع دفع ثمنه.

لكن الشاب العراقي، لا يستطيع إخفاء قلقه من أن المنظمة التي رعت المشروع قد تغادر في أي وقت لمدينة أخرى، بعد انتهاء عملها. ويقول: "آمل أن يستمر عملي لأطول فترة ممكنة، رغم أن كوني عامل نظافة لا يتناسب مع اختصاصي الجامعي، لكنه أفضل من لا شيء".

ويشير آخر تقرير لوزارة التخطيط العراقية كشف عنه مسؤول فيها، إلى أن المنظمات الأممية والأجنبية والمحلية ساهمت في توفير فرص عمل لأكثر من 30 ألف عراقي عاطل عن العمل منذ مطلع العام الحالي.
ويشرح المسؤول ذاته لـ "العربي الجديد"، أن الأعمال تلك تتركز غالبيتها في المدن المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، الإرهابي شمال وغرب ووسط البلاد. ويبين أن تلك الأعمال كانت مؤقتة ودامت لشهرين أو ثلاثة أشهر كحد أقصى، لكن العاطلين عن العمل حصلوا على مبالغ جيدة ساهمت في حل مشاكلهم الحرجة.

ويؤكد المسؤول أن البطالة في تلك المناطق تجاوزت الحد المنطقي وذلك لعدة أسباب أبرزها أن الحكومة لم تدفع حتى الآن أي تعويض للناس، كما أن حركة الإعمار والتأهيل الحكومية لهذه المناطق ما زالت مشلولة".

وبحسب المسؤول ذاته فإن منظمات أوروبية وأخرى تابعة للأمم المتحدة تعتبر محركا مهما في تلك المدن، وهناك منظمات عربية إنسانية تعمل بالتعاون مع الحكومة العراقية أيضا أبرزها مرتبطة بالحكومتين الكويتية والقطرية.

عضو اللجنة الاستشارية في مجلس محافظة الأنبار غرب البلاد المهندس محمد الراوي، يعتبر أن البطالة هي أخطر تهديد على المدن العراقية الشمالية والغربية بعد خطر الإرهاب.

ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن الأعمال متوقفة، ونسبة الفقر زادت بشكل غير مسبوق، والأموال شحيحة، والحركة التجارية ما زالت منهكة، وهذه العوامل تؤدي إلى اتساع حالة اللااستقرار في المدن المحررة، خاصة الأنبار التي يعمل ثلاثة أرباع سكانها في القطاع الخاص ولا يعتمدون على الوظائف الحكومية الثابتة.
ووفقاً للراوي، فإن المنظمات الأجنبية استشعرت أن أفضل ما يمكن القيام به من مشاريع هي تلك التي تساهم في تشغيل أكبر عدد من العاطلين عن العمل خاصة فئة الشباب.

وكانت القائمة بالأعمال في السفارة الهولندية ببغداد مارييل غيريدتس، قد كشفت السبت الماضي عن إطلاق مشروع كبير بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة بقيمة 3.5 ملايين يورو ومدته 18 شهراً يهدف إلى توفير فرص عمل للشباب النازحين في المدن المحررة.

ويأتي الإعلان عن المشروع بعد أيام أيضاً من إعلان مشاريع تبنتها دول أوروبية أخرى بشكل مباشر، واعتبر مراقبون إنها أيضا تقلل من نسبة الفساد في تلك المشاريع.

ويقول الخبير الاقتصادي العراقي وائل الصفار إن مشاريع مباشرة بين المنظمات والسكان في تلك المدن تكون أقل عرضة للفساد. فهناك مشاريع أخرى تمت من قبل منظمات أجنبية، وللأسف كانت نسبة الفساد فيها كبيرة مثل مشاريع إنشاء محطات ماء أو توزيع ملابس وأطعمة وبناء صفوف دراسية بدلاً من تلك المدمرة. لكن اليوم فإن المنظمة تنفذ المشروع مباشرة لتنظيف مدينة أو بناء مدرسة أو مركز صحي أو تأهيل دور أيتام ومعوزين، فتكون مسؤولة عنه بلا حلقة وصل أو وسيط تضيع معه التفاصيل وتهدر الأموال في حلقات معقدة باتت معروفة لدى العراقيين.

وتباينت آراء أعضاء في البرلمان العراقي حول مشاريع المنظمات الدولية والأممية بالعراق للتخفيف من وطأة البطالة في العراق. إذ يوضح النائب في البرلمان سلام الشمري أن أبرز أسباب تفاقم البطالة في البلاد يعود إلى عدم وجود خطط حقيقية لإنعاش الاقتصاد، إضافة إلى عدم فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية أو إطلاق برنامج التعويض للمواطنين في المدن المحررة من داعش". ويعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن البطالة هي الخطر الأكبر اليوم على العراق واقتصاده ومجتمعه.
ويتهم رئيس لجنة الهجرة بالبرلمان النائب رعد الدهلكي، الحكومات المتعاقبة في العراق بأنها لم تقدم مشروعات اقتصادية أو تجارية تخفف من حدة البطالة. ويضيف أن "الحكومة أصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات وتوفير الفرص للشباب. هناك عدة أعذار جاهزة لديها منها الوضع الأمني، لكن دخول المنظمات وإطلاقها المشاريع دحض هذه الذرائع، في حين أن نشاطية هذه المنظمات تبين مدى معرفتها بخطورة البطالة وتفاقمها.

ويبلغ إجمالي نسبة البطالة في العراق نحو 22%، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، في حين أكد نواب في البرلمان أنها تصل إلى نحو 40% في بعض المدن المحررة شمال البلاد وغربها.

المساهمون