صعوبات إنهاء الحرب التجارية... تنازلات شكلية وخيارات محدودة

صعوبات إنهاء الحرب التجارية... تنازلات شكلية وخيارات محدودة في مفاوضات أميركا والصين

واشنطن
90E9464D-94FD-48BA-A61C-B7EB564A1860
شريف عثمان
اقتصادي ومصرفي مصري، خبرة تجاوزت ثلاثة عقود من العمل في مجالات الخزانة والاستثمار والتمويل، داخل بنوك ومؤسسات مالية، في مصر وأميركا، يكتب عن الاقتصاد والسياسات النقدية والتضخم والديون والبطالة والتجارة وأسواق الأسهم والسندات.
14 مارس 2019
+ الخط -

على مدار الأسابيع الأخيرة، حاول المفاوضون الصينيون والأميركيون التظاهر بتقديم تنازلات، من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري يفيد البلدين بعد احتدام الصراع بينهما، فأقبل الوفد الصيني على التهام ساندوتشات الهامبورغر، بينما اختار الأميركان الأطباق الصينية، وأشهرها طبق الدجاج بصلصة الباذنجان، ومع ذلك لم يتفق الطرفان على إنهاء الحرب التجارية بشكل كامل.

وعقب إعلان وزارة التجارة الأميركية تسجيل عجز تاريخي في الميزان التجاري للبضائع، وعجز لم يحدث في السنوات العشر الأخيرة في الحساب الجاري، وبعد أن أثبتت الأرقام ارتفاع العجز التجاري الأميركي مع الصين، رغم فرض التعريفات الجمركية، لم يعد أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب خيارات كثيرة، بخلاف التوصل إلى اتفاق مع الصين.

وبلغ العجز التجاري الأميركي مستويات قياسية، عام 2018، يقدر بأكثر من 891 مليار دولار في تجارة السلع فقط، وهو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة.

وتطلب الولايات المتحدة من الصين حث شركاتها على زيادة مشترياتها من البضائع الأميركية، وتعديل قوانين حماية الملكية الفكرية لديها، بالإضافة إلى وقف الدعم الحكومي للشركات الصينية، وكلها أمور أظهرت الصين تفهماً نحوها، وأعلنت استعدادها لتنفيذها.


لكن النقطة المهمة، التي وقفت طوال العام الماضي حجر عثرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل، كانت مطالبة المفاوض الأميركي بما أطلق عليه "بند لفرض التنفيذ"، وهو ما يسمح للولايات المتحدة بمراقبة سلوك الصين، مع إمكانية فرض عقوبات فورية في حالة حدوث انتهاكات للاتفاق، الأمر الذي رفضته الصين تماماً، خوفاً من قيام إدارة ترامب، أو أي إدارة تأتي من بعده، بإساءة استغلاله.

وضغطت الإدارة الأميركية، خلال الأسابيع الأخيرة، على الصين، من أجل القبول باتفاق يعطي الولايات المتحدة الحق في إعادة فرض تعريفات جمركية على المنتجات الصينية الواردة إليها، ومن دون الرجوع إلى بكين، إذا ظهر ما يشير إلى عدم قيام بكين بإجراء التغييرات المطلوبة في اقتصادها.

وطلبت إدارة البيت الأبيض صراحةً أن يكون لها الحق في فرض تعريفات على أي نوع من البضائع، يُثبت تزايد الواردات الأميركية من الصين. وفي مقابل ذلك، تعرض الولايات المتحدة إلغاء كل أو جزء من التعريفات التي تم فرضها العام الماضي على ما قيمته 250 مليار دولار من المنتجات الصينية، والتي تسببت في تباطؤ الاقتصاد الصيني وارتباك أسواق المال حول العالم، بالإضافة إلى توتر العلاقة بين البلدين.

ويوم السبت الماضي، أعلن نائب وزير التجارة الصيني لمفاوضات التجارة الدولية، وانغ شووين، استعداد بلاده لقبول أي اتفاق يمنح الطرفين نفس الحقوق، فيما يخص فرض عقوبات اقتصادية على أي خرق للاتفاق. وقال شووين "لابد أن تسري أي آلية للتنفيذ في الاتجاهين، وأن تكون عادلة ومتساوية".

وفضّلت الصين في المفاوضات السابقة عدم اللجوء إلى الإجراءات أحادية الجانب، في حالة خرق الاتفاق من أي طرف، وتمسكت باللجوء إلى عملية طويلة ومعقدة من المفاوضات الثنائية.

ورغم التركيز على العلاقات التجارية بين البلدين، خلال مفاوضات الاثني عشر شهراً الأخيرة، إلا أنه من الواضح أن التجارة بين البلدين لا تمثل إلا مساراً واحداً للتنافس بين الاقتصادين الأكبر في العالم.

وإذا كان الاعتقاد السائد هو أن الاقتصاد الأميركي هو الأكبر، إلا أن استخدام طريقة "تعادل القوى الشرائية"، والتي تأخذ في الاعتبار تكلفة المعيشة في كل بلد، تضع الصين في مرتبة أعلى من الولايات المتحدة، من حيث حجم الاقتصاد أو الناتج المحلي الإجمالي.

لا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث مثلت الصين مؤخراً تحدياً جيوسياسياً للولايات المتحدة، بعد أن تمكنت من بناء أكبر أسطول بحري في العالم، ومجموعة من القواعد الجوية على جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي.

وتحاول الصين حالياً الترويج للنموذج الذي تتزعمه، ويشمل توليفة الحكم الاستبدادي والنمو الاقتصادي الذي تقوده الدولة، كبديل عالمي للنموذج الأميركي، القائم على الديمقراطية وحرية الأسواق. وتسعى العديد من البلدان مؤخراً، مثل مصر وأغلب دول الخليج العربي، إلى تطبيق النموذج الذي تتزعمه الصين.

ويوم الأحد الماضي، أعلن محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، يي غانغ، في مؤتمر صحافي، أن المفاوضين من الطرفين قد توصلوا إلى اتفاق على العديد من القضايا المحورية والمهمة بخصوص أسواق العملات.

وقال غانغ إن "الاتفاق ينص على تعهّد الدولتين بعدم تخفيض عملتيهما للحصول على مزايا تنافسية لصادراتهما"، كما أكد استمرار التزامهما بما تم الاتفاق عليه من قبل بين الاقتصادات العشرين الأكبر، مع الإبقاء على التواصل المباشر بينهما، للتشارك في تفاصيل أسواق العملات، وفقاً للمعايير التي ينص عليها صندوق النقد الدولي.

ومَثَّل تعمّد الصين تخفيض قيمة عملتها في السنوات السابقة نقطة صراع بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن تحقيقاً حكومياً أميركياً خلص، العام الماضي، إلى نفي التهمة عن بكين.

ورغم تضاؤل الاهتمام بتلك القضية، خلال السنوات الأخيرة، بفعل ارتفاع قيمة الرينمينبي، العملة الصينية، أمام الدولار، إلا أن الحرب التجارية أعادتها مرة أخرى إلى الأضواء، بعد أن فقد الرينمينبي 10% من قيمته في الفترة من فبراير/شباط، وقت اندلاع الحرب التجارية، إلى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ومن الناحية العملية، فقد عوض هذا الانخفاض في قيمة العملة الصينية كامل التعريفات المقررة بنسبة 10% على ما قيمته 200 مليار دولار، وجزء كبير من التعريفات المقررة بنسبة 25% على ما قيمته 50 مليار دولار، من المنتجات الأميركية، الأمر الذي أثار حفيظة إدارة ترامب، التي رأت تلاعب بكين بعملتها مقوضاً للنتائج المرجوة من فرض التعريفات.

ذات صلة

الصورة
ميناء أشدود/Getty

اقتصاد

انعطفت الأسواق الإسرائيلية سريعاً نحو أوروبا، وسط نقص وتأخير في السلع القادمة من آسيا تحديداً، بسبب استهداف الحوثيين المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
الصورة
جانب من مظاهرة للتضامن مع غزة ضد عدوان الاحتلال (محمد حمود/Getty)

اقتصاد

رغم شح المنتجات البديلة في الأسواق المحلية، وسّع اليمنيون حملات مقاطعة سلع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة.
الصورة
الناشطة الإيغورية رحيل داوت (إكس)

مجتمع

حُكم على عالمة بارزة من الإيغور مُتخصصة في دراسة الفولكلور والتقاليد الشعبية بالسجن المؤبد، وفقاً لمؤسسة مقرها الولايات المتحدة تعمل في قضايا حقوق الإنسان في الصين.
الصورة

سياسة

تأسست مجموعة "بريكس" كجبهة اقتصادية وسياسية طموحة تعكس تحولاً جذرياً في النظام العالمي. جمعت البرازيل وروسيا والهند والصين في بادئ الأمر لتشكيل هذه المنظمة في عام 2006، تحت اسم "بريك"، وتم انضمام جنوب أفريقيا إليها في عام 2011، ليصبح الاسم "بريكس".

المساهمون