الحرب التجارية تُهدّد النمو العالمي وتضرب الأسهم والنحاس

الحرب التجارية تُهدّد النموّ العالمي وتضرب الأسهم والنحاس

23 مايو 2019
الحرب التجارية تستعر وتنعكس اضطراباً في الاسواق (Getty)
+ الخط -

وجّه صندوق النقد الدولي اليوم الخميس، تحذيراً جدّياً للولايات المتحدة والصين بسبب خلافاتهما التجارية، وما تشكله من مخاطر حيال الانتعاش الاقتصادي العالمي المتوقع في النصف الثاني من عام 2019، فيما تصاعدت وتيرة الخلاف بشأن هواوي، ودفعت أسواق الأسهم والمعادن الثمن.

ومطلع إبريل/ نيسان، خفض صندوق النقد توقعاته للنموّ العالمي لعام 2019 إلى 3.3%، مشيراً إلى تباطؤ متزامن يؤثر على ما نسبته 70% من الاقتصاد العالمي. لكن بفضل هدنة طويلة بين أول قوتين اقتصاديتين عالميتين والأمل في تحقيق اتفاق، توقع الصندوق انتعاشاً في النصف الثاني.

كان ذلك قبل أن يكشف دونالد ترامب أن بكين عادت عن التزاماتها. ورداً على ذلك، قرر الرئيس الأميركي في 10 مايو/ أيار مضاعفة الرسوم الجمركية على سلع من العملاق الآسيوي بقيمة 200 مليار دولار.

وكتبت كبيرة الاقتصاديين في الصندوق جيتا جوبيناث، في مدونة مشتركة مع مساعدها أوجينيو سيروتي والاقتصادي عادل محمد، "رغم أن التأثير على النمو العالمي ضئيل نسبياً في الوقت الحالي، إلا أن التصعيد الجديد (في الحرب التجارية) يمكن أن يقوض بشكل خطير مناخ الأعمال وثقة الأسواق المالية، ويعطل سلاسل الإنتاج ويهدد الانتعاش المتوقع في الاقتصاد العالمي في 2019"، حسبما نقلت فرانس برس.
وتعتزم الصين زيادة الرسوم الجمركية على واردات أميركية بقيمة 60 مليار دولار ابتداءً من أول يونيو/ حزيران. كما يخطط ترامب لفرض رسوم إضافية على نحو 300 مليار دولار من الواردات من العملاق الآسيوي.

وفي حال نفذ تهديده، ستصبح جميع واردات الصين (أكثر من 539 مليار في عام 2018) خاضعة لرسوم إضافية. ويسعى الرئيس الأميركي إلى تخفيض العجز التجاري مع الصين بشكل كبير (378.73 مليار دولار في عام 2018).

وأضافت جوبيناث أن "الرسوم الجمركية أدت إلى خفض المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ولكن العجز التجاري بينهما لم يتغير بشكل كبير".

كما أشار خبراء صندوق النقد الدولي أيضاً، إلى أن التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة بدأ يؤثر سلباً على المستهلكين، وكذلك العديد من المنتجين في كلا البلدين. يأتي هذا التحذير من صندوق النقد الدولي، فيما كثّف الصناعيون والمزارعون وتجار التجزئة الأميركيون في الأيام الأخيرة، المناشدات لإنهاء حرب الرسوم الجمركية.

وفي حين يواصل العديد من المزارعين دعم الرئيس الجمهوري في محاولاته لوضع حدّ للممارسات التجارية الصينية التي تعتبر "غير عادلة"، إلا أنهم يقومون حالياً بتقييم حصيلة الحرب التي بدأت منذ أكثر من عام.
لكن واشنطن أعلنت الخميس حزمة مساعدات بقيمة 16 مليار دولار لمساعدة المزارعين. وقال وزير الزراعة ساني بيردو، إن الجزء الأكبر من الأموال سيخصص للدفع مباشرة للمزارعين، بينما سيتم استخدام جزء صغير للمساعدات مثل برامج الغذاء المدرسية.

وأضاف للصحافيين أن "الخطة التي نعلنها اليوم، تضمن ألا يتحمل المزارعون وطأة الرسوم الانتقامية الجائرة التي تفرضها الصين وشركاء تجاريون آخرون". وتابع الوزير: "يفضل المزارعون التجارة بدلاً من المساعدات، لكنهم بحاجة إلى بعض الدعم من دون التجارة".

توتر شديد وخسائر أميركية

وعلى سبيل المثال، انهارت صادرات فول الصويا إلى الصين العام الماضي، إذ بلغت قيمتها 3.1 مليارات دولار، مقابل 12.3 مليار دولار في عام 2017.

أقر وزير الخزانة ستيفن منوتشين يوم الأربعاء، بتزايد أسعار بعض السلع الاستهلاكية، ما يتناقض مع تصريحات الرئيس ترامب.

كما ناشد كبار مصنعي الأحذية وموزعوها، مثل "أديداس" و"نايكي" و"بوما" و"ستيف مادن"، ترامب أن يسحب "فوراً" الأحذية من قائمة المنتجات المصنعة، التي قد تتأثر بالرسوم الجمركية الإضافية.

وقالوا في خطاب موجه إلى الرئيس، إن "التعرفة الإضافية المقترحة بنسبة 25% على الأحذية ستكون كارثية بالنسبة للمستهلكين، وشركاتنا والاقتصاد الأميركي".

وفي ختام المحادثات التجارية التي جرت يومي 9 و10 مايو/ أيار في واشنطن، اتفق الجانبان على مواصلة الحوار.
وقد أعلن ترامب اجتماعاً مع نظيره الصيني شي جين بينغ في أواخر يونيو/ حزيران، خلال قمة مجموعة العشرين في اليابان. لكن نظراً لأن التوتر الشديد بلغ ذروته، فقد اتخذت الإدارة الأميركية أيضاً إجراءات ضد قطاع التكنولوجيا الصيني.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، اتهم سفير الصين لدى الولايات المتحدة واشنطن "بتغيير رأيها مراراً بين عشية وضحاها"، ما أدى إلى إحباط الاتفاقات التي يمكن أن تنهي النزاع بين الطرفين.

أزمة "هواوي" تتفاعل

واتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مجموعة "هواوي" بأنّها ليست صادقة بشأن علاقاتها مع الحكومة الصينية، التي استنكرت بدورها "ضغوطاً تعسفية" تقوم بها واشنطن ضدّ ثاني شركة عالمية للهواتف الذكية، والتي بدأ شركاؤها التخلي عنها.

وفي خضمّ حرب تجارية صينية-أميركية، وضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب هواوي على لائحتها للشركات التي تمثل خطراً ويُمنع بيعها معدّات تكنولوجية، خشية استفادة بكين منها لغايات تجسسية.

وبرغم تعليق قرار المنع لثلاثة أشهر، فإنّ الأمر يتعلق وفق خبراء باستمرارية المجموعة الصينية: تعتمد هواوي بشكل كبير على الشرائح الإلكترونية المصنّعة في الولايات المتحدة، كما على برامج التشغيل.

وقال مايك بومبيو لشبكة "سي.إن.بي.سي"، إنّ "قولهم بأنهم لا يعملون مع الحكومة الصينية ليس صحيحاً". وتابع أنّ الرئيس التنفيذي لهواوي رين زينغفي "لا يقول الحقيقة للشعب الأميركي أو العالم"، حين ينفي وجود علاقات مع الحكومة الصينية، وأشار إلى قانون في الصين يجبر الشركات، وفقاً له، على التعاون مع السلطات.
وأعلنت وزارة التجارة الصينية الخميس، أنّها وجهت "احتجاجاً رسمياً" إلى واشنطن. وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، قد صرّح الأربعاء بأنّ الولايات المتحدة "تستخدم قوة الدولة، لتضع الضغوط بشكل تعسفي على شركات صينية خاصة مثل هواوي، في استقواء اقتصادي". وحذّر من أنّ بكين مستعدة "للقتال حتى النهاية" في حربها التجارية مع واشنطن.

وقال المتحدث باسم وزارة التجارة غاو فنغ في مؤتمر صحافي، إنّ على الولايات المتحدة أن تظهر "الصدق" إذا أرادت استمرار المحادثات بين القوتين الاقتصاديتين.

بدوره عبّر مايك بومبيو عن أمله بـ"بقاء هاتين المسألتين (هواوي والتجارة) منفصلتين". غير أنّ النزاع التجاري تفاقم وتحوّل إلى حرب تكنولوجية تتمحور حول هواوي. وبرغم مهلة التسعين يوماً، فضلت عدّة مجموعات اتخاذ خطوات استباقية لتتعامل مع الغموض الذي يلف منتجات هواوي.

"باناسونيك" و"فودافون"

وتلقت هواوي صفعة جديدة، بعدما أعلنت شركة باناسونيك اليابانية الخميس أنها ستقلّص تعاملاتها مع المجموعة الصينية.

وفي بيان رسمي أرسلته الشركة إلى وكالة فرانس برس، قالت باناسونيك إنها أعلنت في "مذكرة داخلية" أنها "ستعلق التعاملات مع هواوي وفروعها، البالغ عددها 68 فرعاً المشمولة بالحظر الحكومي الأميركي".

ورفضت الشركة التعليق على "التعاملات الأخرى غير المشمولة بالحظر الأميركي". وعند الطلب من هواوي الرد على ذلك، أشارت الشركة إلى بيان على موقع باناسونيك الصيني، جاء فيه أن الشركة تزود هواوي "كالمعتاد" وتلتزم بـ"القوانين والتنظيمات المعنية للدول والمناطق التي توجد فيها باناسونيك".
كما أعلنت شركة توشيبا اليابانية التعليق المؤقت لشحناتها لشركة هواوي، للتأكد من أن شحناتها لا تشمل مكوّنات مصنّعة في الولايات المتحدة.

وفي وقت لاحق، أعلنت الشركة استئناف شحناتها لبعض المنتجات، بعد أن أكدت أنها لا تستخدم قطعاً أميركية، بينما تواصل التأكد من مطابقة شحنات أخرى. وتأتي هذه الخطوات بعد يوم من إعلان عدة مجموعات اتصالات ومشغلين في اليابان وبريطانيا، الاضطرار إلى التخلي في الوقت الراهن عن العملاق الصيني للهواتف الذكية.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت شركة غوغل قطع علاقتها بمجموعة هواوي، التي تزوّدها بنظام أندرويد لتشغيل الهواتف الجوالة. ورداً على القرار، تعمل هواوي على نظامها الخاص المنافس هونغمانغ الذي يمكن أن يكون جاهزاً في الصين قبل نهاية العام، وفق ما نقلت الخميس شبكة "سي.إن.بي.سي" عن ريتشارد يو، المسؤول الرفيع في هواوي.

ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّ النظام سيكون جاهزاً بداية العام المقبل. وقال المحلل المالي المتابع للتوترات التجارية الصينية الأميركية هيرويوكي كوباتا، لفرانس برس: "إذا سرّعت هواوي في تطوير نظام تشغيلها الخاص" يمكنها الخروج من المأزق، "نظراً إلى الحجم الكبير للسوق الصيني".

ويؤثر تصاعد التوترات التجارية على الأسواق في آسيا وفي الولايات المتحدة. وحذّر صندوق النقد الدولي مرة جديدة الخميس، من الآثار السلبية للحرب التجارية بين القوتين على الانتعاش الاقتصادي.

وقالت بكين إن على واشنطن أن تصحح "أخطاءها"، كي تستمر المحادثات التجارية بين البلدين، بعدما أدرجت الولايات المتحدة هواوي الصينية على قائمة سوداء، في خطوة أحدثت اضطراباً في سلاسل الإمداد العالمية، ودفعت أسهم شركات التكنولوجيا للتراجع بشدة وسط قلق المستثمرين من حرب تكنولوجيا باردة وشيكة.

هبوط قويّ للأسهم والنحاس

وفي أسواق المال، هبطت الأسهم الأوروبية اليوم الخميس، مع تراجع شهية المستثمرين للمخاطرة وسط أحدث جولة في الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وبيانات ضعيفة بشأن نشاط الشركات. بينما أدت الضغوط على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للاستقالة، إلى زيادة المخاوف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأغلق المؤشر ستوكس 600 الأوروبي منخفضاً 1.4%، بينما هبط المؤشر داكس الألماني، المثقل بشركات حساسة للتجارة 1.8%. وأغلق المؤشر القياسي للأسهم الإيطالية على خسارة تزيد عن 2%. وفي بورصة لندن، أغلق المؤشر فايننشال تايمز لأسهم الشركات البريطانية الكبيرة منخفضاً 1.4%، ومع قلق المستثمرين من أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين يتحوّل سريعاً إلى حرب باردة تركز على التكنولوجيا، جاء أحدث الأدلة على تأثيرها على النموّ من ألمانيا.

كما فتحت الأسهم الأميركية على انخفاض اليوم الخميس، مع تخوف المستثمرين من أن يتسع نطاق النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ليصبح حرب تكنولوجيا باردة بين البلدين، في غياب أي دلائل على حل وشيك.

وتراجع المؤشر داو جونز الصناعي 0.46% إلى 25657.99 نقطة، وستاندرد اند بورز 0.69% إلى 2836.70 نقطة، وناسداك المجمع 1.16% إلى 7660.72 نقطة.

وسجلت أسعار النحاس اليوم الخميس أدنى مستوى لها منذ يناير/ كانون الثاني، مع تنامي المخاوف من أن تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيلحق ضرراً بالنموّ والطلب على المعادن.

وهبطت عقود النحاس القياسية في بورصة لندن للمعادن إلى 5880 دولاراً للطن أثناء التعاملات، وهو أضعف مستوى منذ 14 يناير/ كانون الثاني، قبل أن تقلص خسائرها لتغلق منخفضة دولارين فقط عند 5926 دولاراً للطن، وفقاً لرويترز.

وقال محللون إن الأسعار تمليها قوة الدولار، والمخاوف بشأن النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.

ولامس الدولار الأميركي أعلى مستوى في عامين اليوم الخميس، فيما تجعل قوة الدولار المعادن أكثر تكلفة على المشترين الحائزين لعملات أخرى.

ومن بين المعادن الصناعية الأخرى، أغلقت عقود الألمنيوم مرتفعة 1% عند 1797.50 دولاراً للطن، بينما تراجعت عقود الزنك 0.9% إلى 2520 دولاراً للطن. وازدادت عقود الرصاص 0.4% إلى 1808 دولارات للطن، واستقرّت عقود القصدير عند 19 ألفاً و325 دولاراً للطن.