ما بين الفول والمرّيخ

ما بين الفول والمرّيخ

21 سبتمبر 2017
استثمارات كبيرة من أجل اكتشاف الفضاء الخارجي (تويتر)
+ الخط -
نقلت محطة فوكس نيوز الأميركية، قبل أيام، خبراً يفيد بأن دولة الإمارات العربية، وبتوجيه من رئيسها الشيخ خليفة بن زايد، تنوي الاستثمار في بناء مدينة مصغرة فوق سطح المريخ، وأنها ستطلق المشروع من أراضيها.

وأثنى الخبر على مبادرة دولة الإمارات، وقال إن الولايات المتحدة ترحب بمشاركة أكبر عدد ممكن من الدول في مشروع توطين البشر فوق الكوكب الأحمر.

لا ندري التكاليف التي ستنطوي عليها مشاركة دولة الإمارات في المشروع، ولا طبيعة العلاقة التعاقدية التي ستربط وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بنظيرتها الإماراتية، وقد ينطوي الموضوع على منافع تكنولوجية لا نعلمها.

وفي فيلم الخيال العلمي "الكوكب الأحمر" الذي أنتج عام 2000. نرى فريق قيادة سفينة الفضاء، وهم يسعون إلى الوصول إلى المريخ، من أجل بناء مستعمرات عليه، بهدف إنقاذ البشرية من الأرض التي تواجه كارثة كبرى ستدمرها، فكم من هذا المشروع الذي تضطلع به "ناسا" حقيقي؟ وكم منه مجرد خيال علمي، أو وسيلة لتمويل مشروع الفضاء الأميركي على حساب دول أخرى؟

يقول العلماء إن المراحل المطلوبة لاستكمال الدراسات حول كوكب المريخ، والتأكد من ملاءمته للحياة ما تزال تتطلب عقوداً. وبعد ذلك، وبافتراض أن في الإمكان إنشاء مشروع سكني عليه، فهل سنستخدم المواد المتاحة في المريخ، أم أن أجزاءً مسبقة الصنع على الأرض سوف تستخدم لبناء المساكن، ثم تنقل بكلف باهظة إلى المريخ؟

ثم هنالك قضية الطعام. وتأمين سلامة النقل، والوصول، والقدرة على التأقلم حياتياً على سطح هذا الكوكب الذي يبعد عن الأرض أكثر من 56.4 مليون كيلومتر.

ويتوقع العلماء أن بناء مستوطنة يستطيع الناس العيش عليها قد لا يتحقق قبل مرور قرن على الأقل، هذا بافتراض أن الجهود المكثفة سوف تبقى متواصلة بدون انقطاع، فهل هذا استثمار جيد؟ وما الغاية منه؟ 

تعتبر تكنولوجيا الفضاء من أعلى درجات التكنولوجيا، إن لم يكن أعلاها على الإطلاق، فما الذي تستطيع دولة الإمارات أن تقدّمه في هذا الإطار؟

كتب البروفيسور الباكستاني عبد السلام، والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979، بحثاً يبين فيه أن القدرة على الوصول إلى إنجازاتٍ عالية في التكنولوجيا المتقدمة تتطلب قاعدة عريضة وواسعة من الباحثين والتقنيين والعمالة الماهرة المتخصصة.

وهذا صحيح، لأن وضع إنسان داخل مركبة فضائية للوصول إلى المريخ يتطلب قدراتٍ ومهارات عالية في الصحة، والكيمياء، والفيزياء، وعلم المناخ، وعلم الفضاء، وعلم الميكانيك، وعلم المواد، والغذاء، والإلكترونيات، وعلم الحاسوب، والروبوتكس، والرياضيات، والنبات، وغيرها. فهل تتوفر في أي دولة عربية قدرات ومهارات بشرية قادرة على ذلك؟

قد يكون الجواب بالنفي. ولكن إذا قدمت دولة الإمارات التمويل لأمرٍ قد لا يأتي بنتائج ملموسة قبل مائة عام، فإن الله خلال هذه المدة يخلق ويغير بما لا نعلم. أما إذا كان التعاقد على أساس أن تستفيد دولة الإمارات من الاكتشافات العلمية والتطبيقات العملية في أثناء هذا القرن، فقد تحصل على حق إنتاج سلع وخدمات متطورة. وفي هذا مكسب معقول ومفيد.

وفي المقابل، نرى أن دولاً مثل مصر، والتي كانت تصدّر أرزاً وفولاً للعالم، وحققت فيهما اكتفاءً ذاتياً، عادت لتستورد الفول، من دول مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا بجانب الصين.

ومن حسن الحظ أن هذا الغذاء الشعبي، والذي تراجع إنتاجه في مصر تراجعاً كبيراً بسبب الآفات والطفيليات التي غزته، قد بدأ يتحسّن لأن منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) استطاعا أن يطوّرا أنواعاً جديدة مقاومة لتلك الآفات، ما زاد من إنتاج مصر، والتي ما تزال تستورد حوالي ربع مليون طن من الفول. وصارت كندا راغبةً أيضاً في إنتاج الفول وتصديره.
 
بالطبع، نعاني نحن في الوطن العربي من أزمات إنتاج كثيرة، تكشف حجم انكشافنا حيال العالم. ونحن نستورد مواد غذائية أكثر بكثير من نسبة سكاننا إلى سكان العالم، والتي لا تزيد عن 5%. أما مستورداتنا الغذائية كنسبة من مستوردات العالم فتشكل حوالي 20%.
وفي مجال الطاقة الشمسية، يتمتع الوطن العربي بميزةٍ نسبية فيها.

وقد ارتفعت نسبة الاستثمار العربي في الطاقة الشمسية المتجدّدة، لكنها ما تزال صغيرة بالمقارنة مع ما أنفقه العالم على تطويرها، إذ يقدر إنفاقه بحوالي تريليوني دولار. فهل الأجدى لنا أن نستثمر في الطاقة الشمسية، وننتج الخلايا الفوتوفولتية القادرة على توليد الكهرباء؟

نحن بحاجة إلى أن ندخل في تفاهم بشأن أولوياتنا في البحث العلمي الموجه نحو حل مشكلاتنا، وأهمها المياه، والطاقة، والبيئة، والاكتفاء من الغذاء المنتج بأيدينا، وبتطوير قدراتنا على الصناعات، خصوصا صناعة الأسلحة التي نعتبر أكبر المستوردين لها في العالم.

في ظل الأزمة العالمية، هنالك فرص متاحة لكي تعزّز البحوث في جامعاتنا ومراكزنا البحثية والتكنولوجية، ونحن بحاجةٍ إلى شراكاتٍ مع الجهات المتقدمة علينا في هذا المضمار.

جميل أن نصل إلى أعلى درجات البحث التكنولوجي، خصوصا في مجال الفضاء وسكنى المريخ، ولكن قضايانا الحياتية الراهنة تستحق منا وقفة تأمل، وعملاً دؤوباً لنستفيد من طاقات شبابنا وشاباتنا وعقولهم، في حل المشكلات التي تقضّ مضاجعهم، وتجعلهم عرضة للأفكار الهدامة.

حققت دولة الإمارات إنجازاتٍ تستحق الثناء والتقدير. وأرجو ألا توجه فوائض أموالها نحو مشروعاتٍ مغامرة، قد لا تأتيها بالنفع المطلوب.

المساهمون