عودة أجواء أزمة 2008

عودة أجواء أزمة 2008

22 اغسطس 2019
وول ستريت أول المتضررين من الأزمات المالية (Getty)
+ الخط -

 

يعيش العالم هذه الأيام أجواء شهر سبتمبر 2008 حينما انفجرت وقتها واحدة من أعنف الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في المائة سنة الأخيرة، وهي الأزمة المالية التي اعتبرت وقتها الأسوأ من نوعها منذ أزمة الكساد العظيم أو الكبير في العام 1929.

بدأت أزمة 2008 بالولايات المتحدة وسقوط العملاق المصرفي والاستثماري بنك ليمان برازر، واختفاء واحد من أكبر البنوك الأميركية وهو "ميريل لينش" ثم بنكي واكوفيا وواشنطن ميوتشوال العملاقين، ومعها سقط عملاقا شركات الرهن العقاري "فريدي ماك" و"فاني ماي".

كما أفلست وقتها عشرات البنوك الأميركية، واندفع الأميركيون نحو البنوك لسحب ودائعهم التي لا يحميها القانون ولا يضمن البنك المركزي سدادها، وتوقف ملايين الأميركيين عن سداد الديون العقارية المستحقة عليهم سواء للبنوك أو شركات الرهن العقاري، وساد الذعر بورصات "وول ستريت" حيث انهارت بعض أسهم الشركات.

ساعتها سارعت الحكومة الأميركية لمعالجة الأزمة المالية العنيفة التي تعصف باقتصادها ومعه المؤسسات المالية، حيث وضعت خطة إنقاذ قيمتها 700 مليار دولار أقرها الكونغرس بعد سجال قوي بين اعضائه، وقامت بتأميم أكبر مجموعة تأمين في العالم "أي آي جي" التي كانت مهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار.

كما خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة على الدولار لأدنى مستوياتها، وضخ آلاف المليارات من الدولارات في الأسواق المالية والبنوك للحيلولة دون انهيار المزيد من المؤسسات المالية والبنوك ومحاصرة أزمة الرهن العقاري والديون المتعثرة.

وبعدها امتدت الأزمة المالية إلى أسواق العالم وفي المقدمة أوروبا حيث تهاوت البورصات الأوروبية، كما انهارت بنوك عملاقة ومؤسسات مالية منها المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس"، وانهارت أسهم البنك البريطاني اتش بي أو أس. وضغطت الأزمة بقوة على مصارف فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وغيرها وحولت معظمها من الربحية إلى التعثر.

وانتقلت الأزمة المالية بعد ذلك إلى آسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الخليج وكل الدول التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي.

ورغم مرور ما يقرب من 11 سنة على اندلاع الأزمة المالية لم يتخلص العالم بعد من تداعياتها الخطيرة، بل والملفت أن العالم بات على موعد مع أزمة اقتصادية جديدة قد تكون أعنف من سابقتها.

من بين مؤشرات الأزمة الجديدة قرب دخول أكبر الاقتصاديات الدولية مرحلة الركود وربما الكساد، وفي المقدمة اقتصاديات الولايات المتحدة والصين وألمانيا وإيطاليا، وتجدد المخاوف من حدوث ركود عالمي شامل لن يفلت منه أحد، وعدم وجود بوادر لحسم الحرب التجارية الشرسة بين الولايات المتحدة والصين، بل ووجود توقعات بتفاقمها وتحولها إلى حرب عملات عنيفة، كما تلعب الضبابية السياسية التي تمر بها إيطاليا وبريطانيا دوراً في الأزمة المرتقبة.


ولا يعرف بعد مصير " ورطة" البريكست والصيغة التي ستخرج بها بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وهناك مخاطر جيوسياسية متزايدة خاصة في منطقة الخليج وبين أميركا وإيران، والهند وباكستان، وفي منطقة شرق أسيا.

ويبدو أن الحكومات والبنوك المركزية العالمية بدأت الاستعداد مبكراً لمواجهة الأزمة الجديدة، ولذا بدأت مبكرا خفض أسعار الفائدة، كما تبحث الولايات المتحدة زيادة الإنفاق وإعادة برنامج التيسير النقدي الذي طبقته عقب أزمة 2008، وخفض الضرائب بما فيها ضرائب الدخل.

لم يعد السؤال المطروح الآن هو " هل ستندلع أزمة مالية واقتصادية عالمية جديدة أم لا، لكن السؤال هو عن موعد الأزمة المقبلة، هل ستندلع نهاية هذا العام 2019، أم في العام المقبل، أم تتأجل بعض الوقت بسبب الاجراءات التي بدأت الحكومات في تطبيقها ومنها مثلا أن أن ألمانيا رصدت 55 مليار دولار لإنقاذ اقتصادها من الركود

ويبقى السؤال الأهم: هل أدوات معالجة أزمة 2008 تظل صالحة لمواجهة الأزمة المقبلة خاصة وأن التوقعات تقول إنها ستكون أزمة اقتصادية وليست مالية ونقدية فقط.

المساهمون