صندوق النقد والبنك الدوليان يضغطان على لبنان لتمرير "الإصلاحات"

صندوق النقد والبنك الدوليان يضغطان على لبنان لتمرير "الإصلاحات"

28 يونيو 2019
الحريري مستقبلاً بعثة صندوق النقد الدولي اليوم (دالاتي نهرا)
+ الخط -
تبدو السلطات اللبنانية، تنفيذية وتشريعية، تنوء تحت ضغوط هائلة من أكبر منظمتين عالميتين، هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أجل تمرير تدابير تقشفية قاسية في مشروع موازنة 2019، رغم الضغوط الكبيرة التي تتعرّض لها الحكومة للعودة عن بعضها.

"الضاغطون" الدوليون حضروا بقوّة ومباشرة على الساحة اللبنانية المحلية اليوم الجمعة، مع استمرار مناقشة بنود الموازنة الأكثر إثارة للجدل والصراع الداخلي في لجنة المال والموازنة النيابية، التي تستأنف جلساتها اليوم.

فاليوم، جال مسؤولون من صندوق النقد والبنك الدوليين على المسؤولين اللبنانيين في بيروت، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي التقى في مقره (بيت الوسط) وفدين منهما على نحو منفصل.

ومع أن نائب رئيس "مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" فريد بلحاج، الذي رافقه مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، أشاد بجهود لبنان الإصلاحية، إلا أنه اعتبر أن المهمة لم تنتهِ بعد، وذلك غداة تظاهرات احتجاجية على بنود الموازنة التقشفية، أحرق خلالها العسكريون المتقاعدون الإطارات المشتعلة وقطّعوا بها أوصال المناطق مع العاصمة بيروت أمس الخميس.

عسكريون متقاعدون يحرقون إطارات قطعوا بها الطرق يوم الخميس (حسين بيضون/ العربي الجديد) 

بلحاج قال: "التقينا الرئيس الحريري بعد لقاء وزير المالية علي حسن خليل، فكانت لقاءات بنّاءة وانطباعنا إيجابي".

أضاف أن "لبنان يسير في طريق سليم بالنسبة إلى الإصلاحات على مستوى الموازنة والكهرباء، ونحن متفائلون بالنسبة لهذا الأمر"، غير أنه استدرك قائلاً: "لكن الإصلاحات لا تنتهي، وهي أمر متواصل، ونحن مع الحكومة اللبنانية ولبنان في المضيّ قُدُماً في هذه الإصلاحات، ولا سيما بالنسبة لموضوع الكهرباء الذي يُعتبر موضوعاً حيوياً".

وتابع قائلاً: "كما تطرقنا إلى مشاريع البنك الدولي الموجودة في محفظة البنك (والمخصصة للبنان)، وهذه المشاريع يجب العمل عليها بقوة ودعم أكثر، لأن لدينا أكثر من مليارين و400 مليون دولار موجودة في محفظة البنك الدولي اليوم، ومنها قرابة المليار دولار ليست في وضع إيجابي، وخصوصاً أن المحفظة عندنا كبيرة وهناك طاقات، ولا سيما أن هذا المبلغ على ذمة الحكومة اللبنانية والمواطن اللبناني، وعلى الحكومة أن تعمل بجهد أكبر لإنجاز هذه المشاريع لأنها استثمارية وهذا الاستثمار إيجابي".

وفد البنك الدولي في السرايا الحكومي ملتقياً الحريري في "بيت الوسط" (دالاتي نهرا)

وأردف بلحاج قائلاً: "بشكل عام، فإن انطباعنا إيجابي ومتفائلون. لكن في نفس الوقت تفاؤلنا حذر بسبب الوضع الاقتصادي في المنطقة، وهو وضع دقيق، وعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية، وتفاعلنا مع الحكومة اللبنانية تفاعل إيجابي وإن شاء الله نرى الخير في الأيام المقبلة".

كذلك، استقبل الحريري وفداً من صندوق النقد الدولي برئاسة كريس جارفيس، وجرى عرض للأوضاع الاقتصادية والمالية وعلاقة الصندوق بلبنان، في حين لم يصدر تعليق عن مكتب صندوق النقد في بيروت، ولا من مقرة الرئيسي في واشنطن، ولا عن أفراد بعثته التي تحضّر لإطلاق تقرير "المادة الرابعة" عن وضع الاقتصاد اللبناني.

مصادر بعثة الصندوق قالت لـ"العربي الجديد"، إن بياناً رسمياً سوف يصدر عن البعثة مطلع الأسبوع المقبل، وعلى الأرجح يوم الثلاثاء القادم، حول نتائج المباحثات في لبنان، على أن يصدر تقرير "المادة الرابعة" في غضون 3 أشهر بعد عرضه على مجلس مديري الصندوق للمصادقة عليه.

وسبق ذلك في الثاني عشر من الشهر الجاري، أن سخر الحريري من الاقتراحات الداعية إلى مطالبة بلاده المثقلة بالديون بإنقاذ من صندوق النقد الدولي، حيث يتصاعد الإحباط بسبب أشهر من المشاحنات السياسية التي عاقت عملية خفض الإنفاق العام، والحصول على مليارات الدولارات من الهبات والقروض المقررة في مؤتمر المانحين "سيدر1" (باريس 4).
الحريري قال حينها: "لديك من يقول إنه ربما يتعين علينا الآن الدخول في خريطة طريق مع صندوق النقد الدولي، وكأن صندوق النقد سيأتي ويرمي لنا نحو 30 مليار دولار. إن حصة لبنان في صندوق النقد قليلة جداً. لهذه الدرجة (وأشار بأصبعيه إلى صغر حجم الحصة). ما الذي تتحدثون عنه؟".

وتأتي اللقاءات مع وفدَي البنك وصندوق النقد الدوليين، بعد يوم من تقرير نشرته أمس الخميس "موديز إنفستورز سيرفيس"، اعتبرت فيه أن تباطؤ التدفقات الرأسمالية على لبنان وتراجع نموّ الودائع، يعززان احتمال تحرّك الحكومة لاتخاذ تدابير تشمل إعادة هيكلة الدين، أو إجراءً آخر لإدارة الالتزامات ربما يشكل تخلفاً عن السداد، وهو اتجاه عاد ونفاه أمس وزير المالية علي حسن خليل.

وساعد البنك ومانحون آخرون في ترتيب تعهدات بقيمة 11 مليار دولار، في صورة قروض ميسرة ومساعدات في مؤتمر "سيدر" الباريسي العام الماضي، لتشييد بنية تحتية جديدة. لكن صرف المال للمشاريع متوقف على بدء الحكومة في إصلاحات أرجأتها لسنوات، والتعامل مع عبء دينه العام الذي عادل حالياً 150% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أكبر المعدلات عالمياً.
وتُناقش لجنة المال والموازنة النيابية مشروع موازنة 2019، الذي وافق عليه مجلس الوزراء الشهر الماضي، وهو اختبار حاسم لإرادة لبنان في بدء الإصلاحات، علماً أنه يتضمن خفض العجز إلى 7.59% من الناتج المحلي الإجمالي، نزولاً من 11.5% المحققة سنة 2018.

المساهمون