خنق غزة... أزمات اقتصادية تضرب القطاع منذ 11 عاماً

خنق غزة... أزمات اقتصادية تضرب القطاع منذ 11 عاماً

28 يونيو 2017
انقطاع الكهرباء تسبب بأزمة مياه (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تتفاقم أزمات قطاع غزة بشكل متسارع، منذ 11 عاماً، من دون حلول في الأفق، في الوقت الذي بات التشاؤم يسيطر على سكان القطاع، حيث لا فرص لتحسّن الأوضاع معيشياً واقتصادياً، فالحصار يقف عقبة في طريق الحياة لنحو مليوني مواطن.
وجاء تشديد الحصار على غزة بتقليص الكهرباء عبر الخطوط الإسرائيلية، منذ يوم الإثنين الماضي، ليزيد من المعاناة التي تتبعها أزمة في الكهرباء والصحة، فضلا عن أزمة المحروقات، وإغلاق أغلب المعابر والاقتطاعات في رواتب موظفي القطاع من جانب السلطة الفلسطينية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ويضرب الاحتلال حصاراً على غزة منذ وصول حركة حماس للسلطة بعد فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، حيث أغلق أربعة معابر تجارية، وأبقى على معبرين فقط، هما معبر كرم أبو سالم كمنفذ تجاري، ومعبر بيت حانون كمنفذ للأفراد.
وأغلقت السلطات الإسرائيلية في 2007 "معبر صوفا"، الذي كان مجهزاً لدخول مواد البناء، عدا عن "معبر القرارة"، وبعد نحو ثلاث سنوات أغلق "معبر الشجاعية"، والذي كان مخصصا لنقل مشتقات الوقود. ومع مطلع عام 2012 أُلحق "معبر المنطار" بسابقيه، بعدما كان مخصصاً لدخول مختلف البضائع إلى غزة.
وبدأت الأزمات تنشط بشكل متسارع في الأشهر الأخيرة، إذ إن تلاحق الأزمات أو إلحاقها بها، وضع الغزّيين في دائرة الترقب.
فأزمة خصم 30% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة، بحلول إبريل/نيسان الماضي، كان بمثابة ضربة للقطاع، جاءت على إثره أزمة الكهرباء التي اشتدت بفعل إعلان الحكومة في رام الله عدم بيعها الوقود لغزة من دون ضرائب، وعدم قدرة القطاع على دفع أثمانه، فضلا عن القرار الأخير بتقليص سلطات الاحتلال التيار، بعد أن طلبت السلطة الفلسطينية وقف سداد المستحقات المالية لكهرباء القطاع من عائدات المقاصة.
وبالأساس، لا يرى الغزّيون الكهرباء سوى نحو 4 ساعات يومياً مقابل قطعها 12 ساعة، منذ توقف محطة التوليد الوحيدة في القطاع منتصف إبريل/نيسان الماضي.
وتسبب انقطاع الكهرباء في أزمات أخرى، لتصل إلى المياه والقطاع الصحي، فالعنايات المُركزة أضحت خطراً على المرضى، لا محاولة إنقاذ بفعل أزمة الكهرباء.
ولعل الإجراءات العقابية التي تبنتها السلطة الفلسطينية ضد غزة، وتقليص خدماتها الطبية المرسلة للقطاع، واستمرار فرض ضريبة "البلو"، أضحت تأكيداً على "إمعان" في القتل العمد وإعدام جماعي لسكان القطاع، بحسب ما وصفته نقابة الممرضين بغزة في إبريل/نيسان الماضي.
و"البلو" ضريبة مفروضة على المحروقات في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ متوسط قيمتها قرابة 3 شيكلات (0.77 دولار) على كل لتر من الوقود، ويجري تحصيلها من قبل وزارة المالية والهيئة العامة للبترول في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
ويحتاج قطاع غزة، الذي يقطنه نحو مليوني فلسطيني، إلى 500 ميغاوات، لكن لا يتوفر منها سوى قرابة 222 ميغاوات في أحسن الأحوال، وتأتي من ثلاثة مصادر، وهي: محطة غزة بنحو 80 ميغاوات، وخطوط كهرباء قادمة من الاحتلال بمقدار 120 ميغاوات، وأخرى مصرية بـ22 ميغاوات.
وقال محمد ثابت، مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن الطواقم الفنية تتوقع أن تنخفض كميات الكهرباء المتوفرة في القطاع لأكثر من 80%، بعد انتهاء عملية التقليص التي بدأتها سلطات الاحتلال، في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، مشيراً إلى أن جدول التوزيع المعمول به حالياً لن يتجاوز ساعتين وصل أو أقل في بعض الأحيان.
ولم يسلم قطاع المياه، فأزمة الكهرباء ألقت بظلالها على إمداد السكان بالمياه في ساعات الذروة، وبات بعضهم لا يراها لأيام، بفعل عدم توافق ساعات وصل الكهرباء القليلة مع ساعات مدّ المياه الشحيحة للقاطنين في القطاع.
عدا عن أن مُتنفس الغزّيين الوحيد بات مهددًا بالتلوث، إذ إن استمرار أزمة الكهرباء سيمكن بلديات غزة من ضخ مياه الصرف الصحي في البحر من دون معالجتها، بفعل عدم توفر الطاقة وضعف الإمكانات لديها وعجز في الكهرباء وصل إلى 80% في خدماتها.
ولا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن خنق القطاع، من خلال خفض المحروقات بين الوقت والآخر، إذ قلّص كميات الغاز الموردة للفلسطينيين إلى أقل مما يحتاجونه، مما راكم أسطوانات الغزّيين لدى الموزعين ومحطات التعبئة، من دون تنفيذه للوعود بزيادة تلك الكميات والتنفيس شيئًا عن الأزمات التي تعصف بالقطاع.
وطاولت الأزمة حرية التنقل، فآخر ما يحلم به الفلسطينيون هو السفر، إذ إن إحكام السلطات المصرية قبضتها على معبر رفح البري الذي يفصل بينها وبين قطاع غزة عن العالم الخارجي، جعل سفر سكان القطاع بعيد المنال.
ولم يُفتح المعبر في وجه الحالات الإنسانية والمرضى والعالقين في القطاع منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ما عمّق حالة الإحباط لنحو مليوني غزّي.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، لـ"العربي الجديد"، إن تعاقب الأزمات على القطاع يرفع من حالة الانهيار الاقتصادي، الذي تعيشه غزة منذ أكثر من عشر سنوات، بسبب الحصار والحروب الإسرائيلية ومشاكل الانقسام الفلسطيني.
وأوضح أبو مدللة أن القطاعات الاقتصادية انهارت في غزة بعد تراجع الناتج المحلي إلى النصف، وتفشي البطالة بين الفلسطينيين والتي أضحت من أكبر المعدلات في العالم، لافتًا إلى أن معدلات البطالة وصلت إلى 43%، عدا عن انعدام مستويات الأمن الغذائي بنسبة 40%.
وأضاف: "لا حل ممكنا لهذه الأزمات سوى إنهاء الانقسام الفلسطيني والبدء بخطة استراتيجية على مبدأ التوافق الوطني لإنهاء معاناة سكان غزة"، مشدداً على أن الإجراءات المتخذة ضد القطاع لا تُبشر إلا بمزيد من الفقر والبطالة وانعدام مستويات الأمن الغذائي.
وأشار إلى ضرورة البحث عن حل جذري لتلك الأزمات، كون الحلول المرحلية لا تعطي شيئاً سوى حالة من "تأجيل الأزمات"، مؤكدًا أن الأزمات الحالية ستعصف بمزيد من السوء في الأوضاع المعيشية والاقتصادية لسكان القطاع.
وتابع أن "زج غزة في معترك الأزمات سيؤدي إلى انهيار شامل في اقتصادها، والذي قد يولّد الانفجار، سواء كان في وجه السلطة الفلسطينية أو في وجه الاحتلال الإسرائيلي"، كاشفًا عن وجود اتفاقات بين بعض الدول العربية للضغط على القطاع وضرب اقتصادها.
ووفقاً لإحصائيات صادرة حديثاً عن اللجنة الشعبية لكسر الحصار عن غزة، فإن نحو 80% من الأسر الغزية تعتمد على المساعدات التي تقدمها منظمات الإغاثة الأممية والدولية العاملة في المدينة.

المساهمون