الدولار والسيسي...والاحتمالات المفتوحة

الدولار والسيسي...والاحتمالات المفتوحة

08 ديسمبر 2016
لماذا لم يعد السيسي المصريين مجددا بخفض الأسعار(أنطوان جيوري/Getty)
+ الخط -

أعترف بأنني جلسات ساعات أفكر: ماذا يقصد السيسي بالضبط بحديثه اليوم عن السعر العادل للدولار، هل هو يقصد أن سعر الدولار المتداول في السوق، خاصة في البنوك وشركات الصرافة، هو سعر مبالغ فيه وكبير ولا يعبر عن حقيقة الاقتصاد المصري، وبالتالي هو يبعث برسالة للسوق والمدخرين للدولار والمكتنزين مفادها أن الدولار سيتراجع خلال الفترة المقبلة، وأن على هؤلاء الهرولة للتخلص منه حتى لا يتعرضوا لخسائر، وإذا كان هذا الاحتمال غير صحيحاَ فماذا يقصد بالضبط؟

ومع فشلي في العثور عن إجابة شافية للسؤال السابق وضعت أمامي احتمالين أطرحهما في شكل سؤالين، الأول هو: هل كلام السيسي عن الدولار اليوم يعني أنه يتوقع تراجع سعر العملة الأميركية مقابل الجنيه خلال الفترة المقبلة كما قالت وسائل إعلام محلية وموقع أصوات مصرية التابع لوكالة رويترز العالمية.

الإجابة هنا قد تكون: نعم.. هو توقّع تراجع الدولار أو على الأقلّ لمّح إليه، خاصة وأن السيسي لمّح أيضاً إلى أن السعر الحالي للدولار ليس هو السعر العادل، وأن التوازن في السعر سيحدث، لكنه سيستغرق بضعة أشهر كما قال، أي أن سعر الدولار الحقيقي سيظهر خلال أشهر حسب تصريحاته.

في المقابل أطرح سؤالاً مغايراً هو: هل كلام السيسي اليوم عن السعر العادل يعني أن الدولار قد يشهد ارتفاعاً مقابل الجنيه خلال الفترة المقبلة، خاصة مع ضخامة الالتزامات والديون الخارجية المستحقة على مصر في العام المقبل 2017 والتي تقارب 10 مليارات دولار، وعدم وجود مؤشرات تؤكد قرب تعافي موارد البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات رئيسية كالسياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية، وأن السيولة الدولارية الأخيرة، التي ترتب عليها زيادة الاحتياطي الأجنبي لأكثر من 23 مليار دولار، هي أموال لم تأت من مصادر ذاتية، أي ليست أموالا طازجة، بل نتجت عن التوسع الكبير في الاقتراض الخارجي.

الإجابة عن السؤال الثاني هي: يجوز أن السيسي كان يقصد بالسعر العادل هو توقع ارتفاع الدولار وليس خفضه كما فسر البعض، وهنا تصبح التوقعات منطقية فقد يحدث ارتفاع للعملة الأميركية في حال عدم حدوث استقرار سياسي حقيقي داخل المجتمع، وعدم تحسن السيولة الدولارية داخل السوق المحلي، وعدم تلبية البنوك احتياجات التجار والمستوردين، ولجوء المستثمرين للسوق السوداء للحصول على احتياجاتهم من النقد الأجنبي.

حديث السيسي اليوم لم يقطع ما إذا كان سعر الدولار سيتراجع خلال الفترة المقبلة أم سيحدث العكس، هو تحدث فقط عن أن (الاقتصاد المصري مش طبيعي فيه إن الدولار يكون بسعر 17 و18 جنيه).

إذا كان الجميع يعلم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري، ففي هذه الحالة هل يريد السيسي من تصريحاته اليوم أن يقول لنا إن الاقتصاد قوي، وبالتالي لابد أن يقوى الجنيه أمام الدولار، وهنا لا بد أن تتراجع العملة الأميركية لأن قيمتها مبالغ فيها، أم أن توقعات السيسي تصب في دائرة العكس وهو أن سعر الدولار سيرتفع بسبب ضعف أداء ومؤشرات الاقتصاد المصري، واستمرار وضع الاقتصاد على ما هو عليه قبل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.

هذه الملاحظة الأولى على خطاب السيسي اليوم، أما الملاحظة الثانية فهي عن المقصود بالسعر العادل والمتوازن للدولار الذي تحدث عنه السيسي في خطابه، فهو لم يقل لنا: ما هو السعر الحقيقي للدولار حتى نعرف إذا ما كان السعر قريباً من السعر المتداول في السوق، وكيف يتم احتساب السعر العادل أصلاً؟

علما بأن تحديد السعر العادل للعملة مسألة معقدة جداً وتحتاج لحسابات دقيقة تتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي الحالي والمستهدف، ومعدل الانتاج القومي الإجمالي، ونسبة التضخم ومقارنتها بأسعار الفائدة داخل السوف، وعجز الميزان التجاري، وحجم الذهب والاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، وموارد البلاد من النقد الأجنبي، والالتزامات الخارجية والديون قصيرة الأجل المستحقة على الدولة وغيرها.

كما يتوقف السعر العادل للعملة على خطة الدولة وما إذا كانت تريد زيادة الصادرات والحد من الواردات أم إنعاش السياحة والاستثمارات، لأن تقوية الجنيه أكثر من اللازم مقابل الدولار لن يكون مثلا في صالح السياحة.

أما الملاحظة الثالثة على خطاب السيسي فهي أنه لا يوجد رئيس دولة في العالم يتحدث عن مستقبل سعر الدولار واتجاهات أسعار الصرف في بلده، خاصة وأن هذه قضية حساسة جدا وفنية جداً، وهناك عرف مصرفي سائد في كل دول العالم كله يقضي بأن المسؤول الأول والأخير عن الحديث عن إدارة السياسة النقدية وسعر الدولار وسوق الصرف هو محافظ البنك المركزي.

يعني لو خرج علينا ترامب أو أوباما للحديث عن سعر الدولار، هنا سيواجه بانتقادات عنيفة من الأميركيين، لأن هذه مسؤولية مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وليست مسؤولية الرئيس الأميركي، وكذا الحال في منطقة اليورو واليابان وغيرها من الدول المتقدمة.

الملاحظة الأخيرة التي أطرحها في شكل سؤال هي: لماذا لم يعد السيسي المصريين هذه المرة بقرب خفض الأسعار على غرار الأربعة وعود السابقة، ولماذا لم يحدثهم عن مصير الوعود الأربعة السابقة، تحدث فقط عن الأزمة الاقتصادية والظروف صعبة والأسعار الغالية ولم يطرح حلولاً بشأنها سوي الحديث عن برنامج لاصلاح مؤشرات الاقتصاد من عجز موازنة وديون؟

المساهمون