الرفاهية المُهددة تستنفر الناخب الكويتي

الرفاهية المُهددة تستنفر الناخب الكويتي

26 نوفمبر 2016
أحد مراكز الاقتراع في الكويت (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تستنفر الرفاهية المُهددة الناخب الكويتي، والذي أدلى أمس بصوته في انتخابات مجلس الأمة (البرلمان)، وسط سباق من المرشحين على التعهد بإعادة الرغد إلى المواطنين، بعد أن اتخذت الحكومة خلال وجود البرلمان السابق إجراءات تقشفية هي الأولى منذ عقود، بفعل التراجع الحاد في إيرادات الدولة النفطية.
وبينما كانت طموحات الكويتيين خلال الأشهر الأخيرة، تتجه إلى عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات جديدة من شأنها تقليص الدعم وخفض الامتيازات للموظفين، بدأت تتعالى وعود عودة الرفاهية على لسان العديد من المرشحين، متمثلة في العمل على زيادة الرواتب وبدل الإيجار وإجبار الحكومة على العدول عن قرارات تقليص دعم الوقود.
واعتاد نحو 1.3 مليون مواطن في الكويت، صاحبة سادس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، على امتيازات مترفة مثل قروض عقارات بدون فوائد، وتعليم وعلاج مجانيين، ودعم للغذاء والوقود وزيادة في الرواتب، لكن تراجع أسعار النفط عالمياً منذ منتصف عام 2014 أجبر الدولة، مثل غالبية بلدان مجلس التعاون الخليجي، على اتخاذ خطوات تقشّفية بعد تسجيل عجز مالي ناجم عن تراجع الإيرادات.
وأدت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لكبح عجز الموازنة، ومنها رفع أسعار الوقود، إلى انتقادات واسعة من قبل المواطنين، ما دعا الحكومة إلى التخفيف من بعض القرارات، والتي رأى خبراء اقتصاد أنها كانت بالأساس متواضعة مقارنة بما يجب اتخاذه في ظل تراجع إيرادات البلاد.
وما يطبع هذه الانتخابات هو عودة المعارضة، بعدما قاطعت غالبية الأطراف فيها دورتي ديسمبر/كانون الأول 2012 ويوليو/تموز 2013، احتجاجاً على تعديل الحكومة النظام الانتخابي من جانب واحد.
واستثمر أغلب المرشحين رفض المواطنين الإجراءات الحكومية وقدّم بعضهم وعوداً تتخطّى رفض الإجراءات التقشفية، لتصل إلى حد العمل على إعادة الرفاهية التي تغرب عن أعين المواطنين.
ويقول يوسف الفضالة؛ النائب السابق والمرشح بمجلس الأمة: "عندما تعجز الدولة عن وقف الهدر المالي وتضع تصوراً آخر يمسّ جيب المواطن ويفضي في النهاية إلى إيقاف رفاهيته، يصبح هناك خلل في آلية المعالجة الحكومية، وكأن الرفاهية ليست غاية الحكومة".
ويضيف الفضالة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك التزامات أولية قبل اللجوء إلى جيب المواطن، هناك مليار دولار قيمة ديون مستحقة للدولة، فالأولى تحصيلها بدلاً من رفع الدعم عن المواطن".

وطرحت الحكومة برنامجاً للإصلاح الاقتصادي، يتضمّن استحداث ضريبة أعمال الشركات بنسبة 10%‏، وإعادة تسعير الخدمات وتطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 5%‏، وإصلاح الأجور وخفض الإنفاق من أجل تقليص عجز الموازنة.
ويقول عبد الوهاب الرشيد، عضو الجمعية الاقتصادية الكويتية في اتصال هاتفي إن "الحكومة تطالب المواطن بالاستغناء عن الرفاهية لسد عجز الموازنة، بينما لا توجد له رفاهية بمعنى الكلمة، مقارنة بمواطني دول الخليج الأخرى".
ويضيف الرشيد: "هناك دراسة حكومية حديثة تظهر أن 29% من المواطنين تبلغ مصروفاتهم أعلى من إيراداتهم، وأن 30 ألف مواطن كويتي يحصلون على مساعدات شهرية، كما أن 45% من الأسر لا توفر أكثر من 100 دينار شهرياً (328 دولاراً)، وبالتالي أين الرفاهية التي يعيشها المواطن".
وأظهر مسح حديث للإدارة العامة للإحصاء، أن 60% من مصروفات الأسر الكويتية يذهب الى الأمور الأساسية في المعيشة المتعلقة بالأغذية و35% إلى الإيجار و5% فقط على الترفيه. ويقول الرشيد "إجمالي ما توفره الحكومة من رفع أسعار البنزين، يمثل مصروفات مجلس الوزراء في عام واحد، وبالتالي على الحكومة أن ترشد قبل المواطن البسيط، ولا يجب أن يكون المواطن على رأس هرم الترشيد، بل يجب أن يكون آخر الهرم".
وتعاني الكويت من ارتفاع كبير في معدلات التضخم، بعد البدء في إجراءات الإصلاح الحكومية، والتي كان آخرها رفع الدعم عن البنزين في سبتمبر/أيلول الماضي.
وبحسب تقرير حديث لبنك الكويت الوطني، فإن معدّل التضخم قفز خلال سبتمبر/أيلول إلى 3.8% على أساس سنوي مقابل 2.9% في أغسطس/آب، نتيجة ارتفاع أسعار البنزين.
ويقول مرزوق الغانم، رئيس البرلمان السابق، إن الاستمرار في الإنفاق بنفس الطريق بمثابة "انتحار اقتصادي"، مضيفاً "لا نستطيع أن نكذب على الشعب. لا نستطيع أن نقول إننا سنحمي جيوبكم، بينما جيوب الكل ستمس. هذا واقع".
في المقابل، يقول خبراء اقتصاد إنه لا بد من اتخاذ إجراءات من شأنها تقليص العجز ومواجهة تداعيات أزمة هبوط أسعار النفط التي لا يوجد في الأفق أي توقعات بانتهائها.

ويقول جاسم السعدون، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، إن "الاقتصاد الكويتي يتآكل، وهناك تحديات صعبة على نواب مجلس الأمة". ويضيف السعدون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الكويت تستطيع الصمود على المدى القصير، بالاعتماد على الرصيد الذي كونته، ولكن على المديين المتوسط والطويل فهذا غير ممكن".
وتملك الكويت صندوقا سيادياً يقدر بأكثر من 600 مليار دولار ويستثمر غالبية أمواله في الخارج، وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة عزمها اقتراض خمسة مليارات دينار (16.4 مليار دولار)، لتمويل عجز الميزانية العامة للسنة المالية الحالية 2016/ 2017 التي تنتهي في 31 مارس/آذار المقبل.
وكان وزير المالية، أنس الصالح، قد قال في وقت سابق "يجب أن نوعّي الشعب حول مدى أهمية الإصلاح وتأثيره الدائم في حفظ الاقتصاد الكويتي من الانهيار".
وأقرّ مجلس الوزراء ما يعرف بوثيقة الإجراءات الداعمة لمسار الإصلاح المالي والاقتصادي في منتصف مارس/آذار 2016، وشملت ستة محاور، هي: الإصلاح المالي، إعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد الوطني، زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، مشاركة المواطنين في تملّك المشروعات، إصلاح سوق العمل ونظام الخدمة المدنية، الإصلاح التشريعي.
وتشكل الإيرادات النفطية نحو 90% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، والكويت عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتزيد قدرتها الإنتاجية حالياً بقليل عن ثلاثة ملايين برميل يومياً، وتهدف الحكومة للوصول إلى قدرة إنتاجية قدرها أربعة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030.
وحسب التقارير الرسمية فقد سجّلت الكويت عجزاً في الميزانية هذا العام هو الأول منذ 16 عاماً، بعد أن بلغ 4.6 مليارات دينار (15.3 مليار دولار)، وهو الأول منذ السنة المالية 1998 /1999.