فشل اجتماع الحكومة اليمنية مع صندوق النقد بعمّان

فشل اجتماع الحكومة اليمنية مع صندوق النقد بعمّان

06 مارس 2020
تهاوي الريال اليمني يرهق المواطنين (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
فشلت المفاوضات الأخيرة بين الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي في التوصل إلى حلول للملفات العالقة والتي من أبرزها وضع العملة المتدهور.

وحسب مصادر شاركت في الاجتماع الذي اختتم أعماله، الثلاثاء، في العاصمة الأردنية عمّان "لم يحمل اجتماع الحكومة مع بعثة الصندوق أي جديد في ظل عدم إنجاز الحكومة موازنة 2020 حتى الآن، إضافة إلى تفاقم انهيار العملة الوطنية وتأثير الصراع والانقسام الراهن في المؤسسات المالية على جهود مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب".

وأوضحت المصادر "تصدرت أربع قضايا محورية الاجتماع الحكومي مع صندوق النقد، في مقدمتها الصراع المالي الراهن وتأثيره على انخفاض العملة الوطنية، وكذا عدم قدرة الحكومة اليمنية على تفعيل أداء البنك المركزي اليمني وربطة بفروعه على مستوى المحافظات، إضافة إلى حركة التجارة الراهنة وتأثيرها على الوضع الإنساني الصعب على المواطنين، إلى جانب المحور الرئيسي المتعلق بالموازنة العامة للدولة ومستوى تنفيذ الحكومة لموازنة 2019 وعدم إعداد موازنة 2020".

ويؤكد مسؤولو الصندوق، وفق مصادر شاركت في الاجتماع، أن النزاع الدائر في اليمن أصاب اقتصاد البلاد بالشلل التام ودفع بها إلى مواجهة أزمة إنسانية كبيرة.

وقال منصور البشيري مدير عام إدارة الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، إن صندوق النقد في ظل المحاور الأربعة التي بحثها الاجتماع، يركز على إيجاد إجابات حكومية واضحة حول مصادر تمويل العجز في الموازنة العامة من مصادر غير تضخمية، وكذا نتائج الجهود الحكومية لتوسيع الموارد المحدودة والقدرة على استيعاب القروض والمنح الخارجية، والعجز في ميزان المدفوعات ومستوى أمان مصادر تمويل الواردات.

واعتبر البشيري في حديث مع "العربي الجديد" أن موازنة 2019 الساري تنفيذها هشة ومحدودة وبنودها ليست مبنية على أي احتياجات أو نتائج وخالية من أي بنود استثمارية.

وفي ظل هذه الوضعية ليس هناك ما يمكن وضعه على الطاولة لمناقشته، إذ يرى البشيري أن عملية تنفيذ موازنة بهذا الشكل لا تسير بالصورة المعتادة.

وحسب البشيري: "لا يمكن النظر إلى الملف الاقتصادي في اليمن بمعزل عن الجانبين الأمني والسياسي في ظل الديناميكيات المتداخلة والمتشابكة التي تحكم مشهد الصراع في اليمن"، ولذلك وفق حديثه، فإن ردم الأزمة الاقتصادية في اليمن كسبيل لبناء الثقة خطوة كبيرة لدعم عملية السلام.

ويشير إلى أن إحراز تقدم يقود إلى الاستقرار الاقتصادي سيحمل تداعيات إيجابية من شأنها المساهمة في كسر دورة الصراع، لذلك تبقى معاودة صرف الرواتب لموظفي القطاع العام حسب اعتقاده، خطوة مهمة للغاية لها أن ترفع من مستوى معيشة ملايين اليمنيين.

وأدى الانكماش الحاد في النشاط الاقتصادي وصادرات النفط والغاز، والتعليق واسع النطاق لتوفير الخدمات العامة الأساسية... إلى ترك حوالي 17 مليون شخص في حاجة عاجلة إلى المعونات الغذائية، إذ يرى مسؤولو بعثة الصندوق، أن الانقسام الراهن في المؤسسات المالية العامة أسهم، من جملة مشكلات أُخرى، في وجود صعوبات في التّنسيق بشأن تمويل المستوردات، وفي عدم دفع رواتب الكثير من المنتسبين إلى نظام الخدمة المدنية، في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة.


وكانت مصادر مطلعة قد أكدت في وقت سابق لـ "العربي الجديد" توجه الحكومة اليمنية لإعداد الموازنة العامة للعام 2020 بعد انتظار لأشهر عقب توقيع اتفاق الرياض مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً والذي تفضي بنوده بتشكيل حكومة مشتركة بين الطرفين، لكن تعثر تنفيذ الاتفاق حتم على الحكومة الحالية البدء بإجراءات لإعداد موازنة 2020 والتي قد تتأجل عملية تنفيذها إلى أجل غير مسمى في ضوء التطورات العسكرية الراهنة التي تشهدها اليمن حسب ما يحدث في الجوف ووصول إجراءات تنفيذ اتفاق الرياض إلى طريق مسدود.

وتعتمد الموازنة العامة في اليمن على الموارد النفطية والغازية بدرجة أساسية بنسبة تتعدى الـ70%، حيث لا تستطع الحكومة اليمنية إدارة الموازنة في ظل توقف صادرات النفط والغاز بنسبة تزيد على 50% وعدم القدرة على تحصيل بقية الموارد من الضرائب والجمارك.

وتشهد عدن جنوب اليمن ومختلف المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية صراعاً متواصلاً بين السلطات الحكومية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً منذ أغسطس/اًب الماضي، الأمر الذي قد يقوض إعداد أي موازنة أو تنفيذها كما يرى خالد الصرمي أستاذ إدارة الأعمال في المعهد الوطني للعلوم المالية والإدارية، والذي يقول إنها قد تكون كسابقاتها عبارة عن موازنة على الورق فقط، لأنه لا وجود للحكومة على الأرض مع توقف إنتاج وتصدير النفط منذ بداية الحرب، حيث تعتمد الموازنة العامة للبلاد على هذا المورد الوحيد، إضافة إلى عدم قدرة الحكومة على تحصيل الموارد العامة من ضرائب وجمارك وغيرها.

وحسب الصرمي فإن مشكلة اليمن تنموية واقتصادية بالدرجة الأولى وفقر وبطالة، وكان بالإمكان تلافي كل هذه الفوضى التي أحدثتها الحرب بتسخير كل هذه المليارات لدعم الاقتصاد اليمني ومشاريع التنمية ومكافحة الفقر وتوفير فرص عمل لمئات الاَلاَف من الشباب بدلا من استقطابهم من قبل مختلف أطراف الحرب وتجنيدهم كمقاتلين.

وتعاني اليمن من فقر مدقع ارتفع من 55% عام 2014 إلى 70% في 2019، ويعيش حسب الأمم المتحدة 17 مليون يمني على وجبة واحدة في اليوم، وضاعفت الحرب أعداد البطالة في البلاد إذ وجد نحو مليوني يمني أنفسهم على رصيف البطالة إلى جانب مليون ونصف مليون عاطل عن العمل وفق بيانات رسمية عام 2014.

ولا يتجاوز ما تخصصه الموازنات العامة في اليمن السنوات الماضية للتعليم وقطاعات الزراعة والمعادن والاستثمار والأسماك والرعاية الاجتماعية الـ 15% لكافة هذه القطاعات مجتمعة ويتم البحث عن دعم دولي لدعمها وتمويل مشاريع تنميتها الشحيحة، بينما يلتهم الإنفاق العسكري النسبة الأكبر من الموازنة العامة.

وكانت الحكومة اليمنية الحالية قد أعدت أول موازنة عامة تفصيلية منذ اندلاع الحرب في البلاد في فبراير/شباط 2019، حيث قدرت إجمالي الموارد العامة بالدولة 2.150 تريليون ريال، ما يعادل 4.3 مليارات دولار، فيما بلغت تقديرات النفقات على المستوى الوطني نحو 3.111 تريليونات ريال "ما يعادل 6.270 مليارات دولار"، وبعجز مالي يبلغ نحو 30%.

ويؤكد الخبير في المركز الاستشاري للدراسات المالية (مركز مستقل) علي صادق لـ "العربي الجديد" أن هناك تضخما كبيرا في الجهاز العسكري في اليمن بطريقة واسعة في كل مكان في البلاد التي تعج بالمليشيات والتشكيلات العسكرية والنخب والأحزمة، أضف إلى ذلك الجيش الوطني الذي تشرف عليه الحكومة اليمنية وأفراد جماعة الحوثي والتشكيلات العسكرية الرسمية الخاضعة لسيطرتها.

لهذا كما يؤكد صادق، ستجد الحكومة صعوبات بالغة في إعداد وتنفيذ موازنة تنموية لتخفيف البطالة والفقر والمعاناة المعيشية للمواطنين.

المساهمون