صراع الهيمنة: ترامب يستخدم الرسوم التجارية لتفكيك أوروبا

صراع الهيمنة: ترامب يستخدم الرسوم التجارية لتفكيك أوروبا

05 ديسمبر 2019
ماكرون وترامب في قمة الأطلسي بلندن (Getty)
+ الخط -


يخفي نزاع الرسوم الجمركية الذي فجره الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عشية انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في لندن يوم الاثنين، جوهر الخلاف الحقيقي بين أوروبا وأميركا حول "النظام العالمي" الذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة التعامل مع الكتل الاقتصادية والسياسية، سواء كانت صديقة أم عدوة، وإنما ترغب في تفكيك الكتل، وعلى رأسها الصين والاتحاد الأوروبي، والتعامل مع الدول على انفراد. 

وكان ترامب قد هدد الاثنين الماضي بفرض رسوم بنسبة 100% على سلع فرنسية بقيمة 2.4 مليار دولار، من بينها الأجبان والنبيذ والطائرات. كما هدد بفرض رسوم على صناعة السيارات الأوروبية وتحديداً السيارات الألمانية.

من الناحية القانونية، يملك ترامب الحق في فرض هذه الرسوم على سلع أوروبية حسب مراقبين، إذ بنى تهديده بفرض الرسوم على فرنسا، على الإذن الذي منحه إياه الحكم الصادر عن منظمة التجارة العالمية الخاص بإلغاء الدعم الذي تقدمه بروكسل لشركة إيرباص وتحديداً برنامج طرز" أيه 380". كما جاء التهديد الأميركي كذلك رداً على ضريبة الخدمات الرقمية الفرنسية التي تستهدف شركات التقنية الأميركية العملاقة.

ولكن جذور النزاع حول الدعم لصناعات الطيران الأوروبية الذي أحياه ترامب قديمة وتعود إلى عام 2004، حينما تفوقت طلبيات الطائرات التي تصنعها إيرباص على طلبيات بوينغ لأول مرة، إذ قامت وزارة التجارة الأميركية بتقديم شكوى وقتها لمنظمة التجارة العالمية ضد إيرباص، وحكمت منظمة التجارة في ذلك الوقت بأن الشركتين حصلتا على "مساعدات غير شرعية" من حكوماتهما. فقد حصلت بوينغ على عقود دفاعية وحسومات ضريبية من الحكومة الأميركية، فيما حصلت إيرباص على إعانات مالية لتصنيع الطائرات الحديثة.

وحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، ترى واشنطن أن إيرباص حصلت على "إعانات غير شرعية" تقدر قيمتها بنحو 22 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، بينما ترى مفوضية الاتحاد الأوروبي أن بوينغ حصلت على مساعدات حكومية تقدر بنحو 23 مليار دولار.

وبالتالي، فإن كلا الشركتين تشوهان حرية المنافسة التجارية في صناعة الطيران وتحتكران السوق العالمي. لكن ترامب في خضم أجندة معاقبة الدول المخلة بالميزان التجاري مع أميركا أو تلك التي لديها فائض تجاري معها ، فتح النزاع مرة أخرى للضغط على أوروبا.

ولدى فتح ترامب للنزاع التجاري، صدر حكم لصالح أميركا من منظمة التجارة العالمية بشأن الدعم الأوروبي لشركة أيرباص. وذلك  بعد شكوى رفعتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد الأوروبي وكسبتها في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بشأن دعم بروكسل شركة الطيران العملاقة "إيرباص".

وطلبت واشنطن وقتها من منظمة التجارة العالمية أن تعقد اجتماعاً وطلبت منحها الإذن لمعاقبة بروكسل تجارياً. وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، منحت المنظمة واشنطن الإذن باتخاذ إجراءات جمركية عقابية ضد الاتحاد الأوروبي بما في ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على بضائع قيمتها 7.5 مليارات دولار، تشمل الأجبان والنبيذ والطائرات.

ولكن الولايات المتحدة لم تطبق هذه النسبة من الرسوم وإنما طبقت رسوماً بنسبة 10% على الطائرات و25% على المنتجات الصناعية والزراعية. ووفقاً لقواعد منظمة التجارة، لا يسمح للاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات مضادة ضد الولايات المتحدة، كما تهدد فرنسا.

في هذا الشأن، قال نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس يوم الثلاثاء، إن دونالد ترامب مستعد لاستخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط بينما يسعى للتوصل إلى اتفاقيات للتجارة مع الصين، وأيضاً فرنسا وحلفاء أوروبيين آخرين. وأوضح بنس في مقابلة مع شبكة "فوكس بيزنس" أن الرئيس ترامب يعتبر الرسوم الجمركية وسيلة إلى غاية".

ورغم أن ترامب أحيا نزاع الرسوم في خضم أجندة معاقبة الدول المخلة بالميزان التجاري في أميركا، إلا أن خبراء، يرون أن جوهر الصراع بين واشنطن وبروكسل يتمثل في المخاطر التي تسببها كتلة الاتحاد الأوروبي لمشروع بناء النظام العالمي الجديد القائم على تكريس الهيمنة الأحادية في تشكيل العالم والهيمنة على موارده وسط الصعود الاقتصادي الكبير للصين والهند وروسيا.

وحسب خبراء فإن ما يزعج ترامب حقيقة، ليس مسألة اختلال الميزان التجاري لبلاده مع أوروبا، وإنما هو المشروع الأوروبي لبناء جيش مستقل عن الناتو، واستراتيجية أوروبا لبناء دولة واحدة ذات سياسة مالية ونقدية موحدة تدار مركزياً من بروكسل، وهو ما يعني أن الكتلة الأوروبية ستكون منافساً شرساً للولايات المتحدة، حسب تفكير ترامب. كما يتخوف كذلك من تنامي تجارة الغاز الطبيعي بين موسكو والدول الأوروبية. 

ويرى ترامب أن انتعاش الاقتصاد الأوروبي وارتفاع مستويات الدخول وارتفاع القوة الشرائية ستجعل من أوروبا منافساً شرساً للسوق الأميركي، خاصة أن البضائع الأوروبية لديها شعبية كبيرة في أميركا. كما يقترب حجم السوق الأوروبي من حيث القوة الشرائية، من السوق الأميركي المقدر بأكثر من 11 تريليون دولار.

وتأخذ العملة الأوروبية (اليورو)، نسبة 22% من الاحتياطات في البنوك المركزية العالمية، وبالتالي فهي، من أكثر العملات المرشحة لانتزاع مكانة الدولار في حال تحول مشروع "أوروبا الواحدة" إلى واقع. ومن شأن صعود اليورو في التبادل التجاري والاحتياطات أن يسحب من أميركا ميزات تنافسية عديدة، من بينها قوة النظام المصرفي وانتعاش وجاذبية أسواق المال.

وعلى صعيد الحجم الاقتصادي، يبلغ حجم اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي نحو 17.5 تريليون دولار، وهي بهذا الحجم ليست بعيدة عن حجم الاقتصاد الأميركي المقدر بنحو 21 تريليون دولار.

المساهمون