ارتفاع جديد للدولار بمصر... "الأموال الساخنة" تربك سوق الصرف

ارتفاع جديد للدولار بمصر... خروج "الأموال الساخنة" يربك سوق الصرف ويزيد الغلاء

21 مايو 2018
ارتفاع الدولار يدفع نحو موجة غلاء(خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

شهد سعر صرف الدولار، صعوداً تدريجياً في مصر خلال الأيام الماضية، ليقترب من حاجز الـ 18 جنيهاً، الذي لم يصل إليه على مدار الأشهر العشرة الأخيرة، فيما تزايدت التوقعات بانفلات سعر العملة الأميركية مقابل الجنيه المصري، خلال الأسابيع المقبلة، لاسيما في ظل خروج مليارات الدولارات من "الأموال الساخنة" المستثمرة في الديون الحكومية ومغادرتها البلاد متجهة لأسواق أخرى منها الأرجنتين التي رفعت أسعار الفائدة إلى 40%.

ويتزامن صعود الدولار، وفق محللين ماليين، مع تحذيرات مؤسسات مالية دولية أيضا من تزايد مخاطر الديون في ظل ارتفاع سعر الفائدة عالميا خاصة على الدولار، وكذلك ازدياد الحاجة إلى النقد الأجنبي مع ارتفاع فاتورة استيراد الوقود مع صعود أسعار النفط عالمياً، وكذا ارتفاع أسعار الأغذية.

وظل سعر صرف الدولار يدور في نطاق 17.5 جنيها منذ منتصف العام الماضي، غير أنه لامس، خلال الأيام الأخيرة، مستوى 18 جنيها في البنوك، بينما جرى تداوله في السوق السوداء بأكثر من هذه القيمة.

وبينما رأى محللون أن الصعود الأخير في سعر العملة الأميركية، موسمي ومؤقت، إلا أن أخرين أشاروا إلى إمكانية وصوله لمستوى 20 جنيها، التي سجلها في أعقاب قرار تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لافتين إلى أن البنك المركزي لن يتدخل مجددا للتحكم في سعر الصرف من خلال احتياطي النقد الأجنبي كما كان يحدث في السابق.

واعتبر رضا عيسى، الخبير الاقتصادي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع سعر صرف الدولار مؤقت تزامنا مع موسم شهر رمضان والأعياد والذي يشهد تناميا في حركة الاستيراد وارتفاع الطلب على الدولار، متوقعا معاودة السعر هبوطه مع بداية شهر يوليو/تموز المقبل وهبوط الطلب على الاستيراد وبدء الموازنة الجديدة.

كما رأت بسنت فهمي، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب (البرلمان)، أن الدولار سيتراجع بعد موافقة صندوق النقد الدولي على صرف شريحة بقيمة ملياري دولار لمصر قريباً، الأمر الذي من شأنه دعم ارتفاع الاحتياطي النقدي.

والشريحة الجديدة من شأنها أن ترفع مجموع المبالغ المقدمة من الصندوق لمصر إلى 8 مليارات دولار من إجمالي القرض المتفق عليه نهاية 2016 والبالغة قيمته 12 مليار دولار، والذي يقضي في المقابل بتنفيذ الحكومة سلسلة إجراءات منها تحرير سعر الصرف والتخلص من دعم الوقود والكهرباء وزيادة الضرائب وتقليص عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة.

وقال مسؤول مصرفي، إن "البنك المركزي يتوقع تحسن أداء الجنيه مع ارتفاع الاحتياطي النقدي الذي يمنحه قوة للتدخل البسيط فى ضبط سوق الصرف وزيادة قوة العملة المحلية".

وأضاف المسؤول في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قيام البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة يوم الخميس الماضي، سيعمل على تحفيز الاستثمارات الأجنبية على الاستمرار في مصر، وبالتالي سيتراجع الدولار مجدداً".

وقدرت الموازنة الجديدة سعر الدولار على أساس 17.25 جنيها، غير أن القيمة التي وصلت لها العملة الأميركية تشير إلى احتمال حدوث عجز أكبر من المتوقع بسبب الفجوة التي ستتسبب فيها زيادة الدولار، خاصة في ظل اعتماد مصر على استيراد الكثير من احتياجاتها من الخارج.

وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن لم تنجح الحكومة في جذب استثمارات حقيقية، بدلا من الأمول الساخنة، التي تدخل وتخرج دون ضابط، مستفيدة من ارتفاع أسعار الفائدة، فإن الدولار سيواصل الصعود، وربما يحدث انفلات في الأسعار وتتجاوز العملة الأميركية مستوى 20 جنيهاً".

وأشار النحاس إلى وجود ضغوط عالمية متمثلة في رفع أسعار الفائدة العالمية، وتحرك سعر صرف الدولار لأعلى مستوى له منذ 5 شهور في الأسواق العالمية، لافتا إلى ضرروة اتخاذ الحكومة خطوات لتحفيز الاستثمار الحقيقي وإنعاش حركة السياحة، ما يرفع مصادر النقد الأجنبي.
كان مسؤول في وزارة المالية، قد كشف في تصريحات لـ"العربي الجديد" في وقت سابق من مايو/آيار الجاري، عن تراجع مشتريات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، وذلك لأول مرة منذ تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية قبل نحو عام ونصف العام.

وأوضح المسؤول أن "إجمالي استثمارات الأجانب في أدوات الدين العام بلغ نحو 21 مليار دولار حاليا ، مقابل 23 مليار دولار نهاية إبريل/نيسان"، وهو ما يعني خروج 2 مليار دولار. بينما قال مصرفيون إن قيمة الاستثمارات التي خرجت تقدر باكثر من 5 مليارات دولار.

ومن المتوقع أن تنعكس الزيادة في سعر الدولار على أسعار الكثير من السلع والخدمات، بينما تتزايد الضغوط المعيشية على غالبية المصريين، لاسيما الفقراء ومحدودي الدخل.

ويترقب المصريون، قرار الحكومة بفرض زيادة جديدة في أسعار الوقود خلال الأسابيع المقبلة لطالما روج لها المسؤولون خلال الأيام الأخيرة، بدعوى ارتفاع أسعار النفط عالميا عن المستويات التي حددتها الحكومة في موازنتي العامين الحالي والمقبل.

وكشف مصدر في لجنة الطاقة في مجلس النواب (البرلمان) في تصريح لـ"العربي الجديد" في وقت سابق من مايو/آيار، أن الحكومة تدرس اقتراحاً بتقديم موعد زيادة أسعار الوقود إلى منتصف الشهر الجاري، بدلاً من نهاية يونيو/ حزيران المقبل، إثر ارتفاع سعر برميل البترول العالمي.

وقدرت الحكومة سعر برميل النفط في موازنة العام المالي المقبل 2018/2019 الذي يحل في الأول من يوليو/ تموز، بنحو 67 دولاراً، فيما تخطت الأسعار حاجز 80 دولاراً عالمياً.

وتعد الزيادة المرتقبة في سعر الوقود، الرابعة منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في يونيو/حزيران 2014، إذ كانت الأولى في يوليو/ تموز من ذلك العام، بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بنسب تراوحت بين 30% و47%، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي بنسب تصل إلى 55%.

وتظهر بنود مشروع الموازنة المقبلة، أنه سيتم خفض إجمالي مخصصات دعم الوقود والكهرباء بنسبة 23.6% لتبلغ نحو 89 مليار جنيه. كما سينخفض دعم الكهرباء إلى النصف تقريبا مسجلا 16 مليار جنيه، ما يعني زيادة أسعار الوقود بنسبة كبيرة خلال الشهور القليلة المقبلة.

ورجح فاعلون في السوق العقارية، التي تعتمد على أكثر من 90 صناعة في مصر، ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بما يصل إلى 25% بحلول يوليو/تموز المقبل في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج برفع أسعار الوقود وزيادة سعر صرف الدولار، ما يقود البلاد لموجة جديدة من ارتفاع معدلات التضخم، التي طالما وعدت الحكومة بانخفاضها، بعد الزيادات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد العام الماضي 2017 وتجاوزت 30%.

المساهمون