إلغاء الدعم ينعكس غلياناً في الشارع الجزائري

إلغاء الدعم ينعكس غلياناً في شارع الجزائر وسط تضارب حكومي

21 فبراير 2018
المحتجون يترقبون موجة غلاء جديدة (بلال بن سليم/ Getty)
+ الخط -

ثار جدل واسع في الجزائر حول توجهات حكومية لإلغاء الدعم في الوقت الذي تزايد فيه قلق الشارع الذي يعيش على وقع إضرابات هزت قطاعي الصحة والتربية بسبب تصاعد الأزمات المعيشية، وما فاقم المخاوف تضارب تصريحات المسؤولين عن هذا الملف.

ولم يقتصر الأمر على تقاذف الكرة بين الوزراء الجزائريين حول إلغاء الدعم، بل تحول الملف إلى مادة سياسية دسمة للأحزاب وأعضاء البرلمان قبيل نحو سنة من الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان 2019.

وإلى ذلك، يقول عضو لجنة المالية في البرلمان الجزائري عن حركة مجتمع السلم (التيار الإسلامي)، أحمد شريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائريين أمام خطابين، الأول تقني (تكنوقراطي) يعتمد على معطيات وأرقام، كما هو الحال مع خطاب وزيري المالية راوية والتجارة بن مرادي، والثاني سياسي يعطي أهمية للتطورات السياسية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر، وهنا نقصد خطاب رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذي يسير ملف الدعم بطريقة سياسية أكثر منها تقنية".





وأضاف شريفي أن "الجزائر تتجه لا محالة إلى رفع الدعم، والدليل هو رفع أسعار الوقود ثلاث مرات في السنوات الثلاث الماضية، كما تعتزم الحكومة مراجعة أسعار الخبز التي ظلت مستقرة منذ 1996، وبالتالي لا نتكلم اليوم عن وجود نية أو لا، لأن الحكومة بدأت ترفع يدها عن الدعم".

وفي ظرف أقل من شهر أطلق وزراء في حكومة أويحيى عدة تصريحات متقاطعة، ما جعل الرأي العام يتخوف من تنازل الدولة الجزائرية عن "طابعها الاجتماعي" في وقت تمر القدرة الشرائية للمواطن الجزائرية بامتحان صعب مع تدهور قيمة الدينار وغلاء المعيشة.

وفي 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، قال وزير التجارة محمد بن مرادي في تصريحات صحافية، إن "الحكومة ستتجه إلى رفع الدعم عن المواد واسعة الاستهلاك، كالقمح والحليب والخبز"، وأضاف بن مرادي أن "خزينة الدولة الجزائرية لم تعد تتحمل الميزانية الكبيرة التي يثقلها الدعم سنويا، خاصة مع انهيار عائدات النفط".

بعد ذلك وفي 10 فبراير/ شباط الحالي، قال وزير المالية الجزائري عبد الرحمان راوية في اجتماع صندوق النقد الدولي مع الدول العربية في دبي، إن "الجزائر سترفع الدعم عن الوقود بدءا من السنة القادمة"، وذلك تعقيبا على مداخلة لرئيسة الصندوق كريستين لاغارد التي دعت فيها الدول العربية إلى الإسراع في مراجعة سياسات الدعم والأجور.

وبعدها خرج أويحيى عن صمته، السبت الماضي، لينفي توجه حكومته إلى رفع الدعم عن أسعار الخبز والحليب والوقود، إلا أن تصريحات رئيس الحكومة لم تكن كافية لتهدئة الشارع الجزائري الذي يعيش هذه الأيام على وقع الإضرابات التي هزت قطاعي الصحة والتربية، ومن المنتظر أن تنتقل العدوى إلى قطاعات أخرى في ظل تعنت الحكومة الجزائرية في فتح باب الحوار مع النقابات العمالية.

من جانبه، قال نائب برلماني عن حزب العمال (التيار اليساري)، رمضان تاعزيبت، لـ"العربي الجديد"، إننا "نعيش اليوم قطبية في تسيير الجزائر، أي أن هناك طرفاً يقرر وآخر يلغي ما يقرره الأول، وهذا ما شهدناه مثلا مع خصخصة الشركات العمومية، فرئيس الحكومة قرر تبني هذا الخيار، وبعد أيام أوقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هذا التوجه بتعليمات مباشرة منه، وبالتالي نحن نتساءل: هل رفع الدعم هو (خيار دولة) أم (خيار رجال) يريدون قيادة البلاد إلى الهاوية؟".

وتابع النائب البرلماني: "ننادي رئيس البلاد بالتدخل العاجل لتوقيف هذه المحاولة الفاشلة للالتفاف على المكاسب الاجتماعية التي حققها الجزائريون بعد نضالٍ طويل".

ورغم مرور البلاد بأزمة مالية صعبة وضعت الحكومة في قانون الموازنة العامة للسنة الحالية، مخصصات مالية بنحو 1.76 تريليون دينار جزائري (15 مليار دولار) للتحويلات الاجتماعية والدعم المقدم للأسر والعائلات، وبالتالي تكون الحكومة قد حافظت على الإنفاق الاجتماعي في مستويات مرتفعة رغم الأزمة التي تعيشها البلاد منذ 2014 وتراجع الإيرادات بنحو النصف، بسبب مخاوف من غليان الجبهة الاجتماعية في السنة الأخيرة من العهدة الرئاسية الرابعة لبوتفليقة.

ووفق دراسة أعدها وزير المالية الجزائري السابق عبد اللطيف بن اشنهو، فإن كلفة دعم الطاقة والمياه سنويا تقدر بحوالي 21 مليار دولار، أي أكثر من الرقم المصرح به رسميا، حصة الوقود مثل السولار والبنزين منها حوالي 7 مليارات دولار، مقابل 6 مليارات دولار للكهرباء و5 مليارات دولار للغاز، تضاف إلى ذلك 3 مليارات دولار موجهة لدعم أسعار المياه.
وكشف بن اشنهو في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الفاتورة تمثل 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى خبراء أن السلطة الحاكمة هي في موقع لا تحسد عليه، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وكثرة الحديث عن توجه بوتفليقة إلى الترشح لعهدة رئاسية جديدة، بالرغم من تواصل غيابه عن المشهد منذ 2012، بسبب حالته الصحية.

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي: "لا أتحدث عن الحكومة، لأنها مجرد مطبقة للأوامر الفوقية، ولكن أتحدث عن النظام الجزائري الذي وجد نفسه اليوم في ممر ضيق، فمن جهة عائدات النفط تواصل تراجعها، ومن جهة أخرى صندوق النقد الدولي يضغط لرفع الدعم، والأهم من ذلك الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها الجزائر لا تسمح بـ(المرور بالقوة) لرفع الدعم قبيل سنة من الانتخابات الرئاسية".

وأضاف الخبير الجزائري أن "النظام الجزائري أو على الأقل الدائرة الضيقة التي تسير البلاد، تريد تعبيد الطريق لمرشح النظام، سواء كان الرئيس الحالي أو أي اسم آخر، ولا يمكن أن تفتح ملف مراجعة سياسة الدعم وتطويه في خلال هذه الفترة الوجيزة".

ومنذ بداية أزمة تراجع أسعار النفط العالمية، منتصف سنة 2014، عملت الحكومة على الانتقال من سياسة "الدعم العام" للأسعار والخدمات، كالصحة والتعليم، إلى "الدعم الموجه" والذي يعتمد على صب الأموال مباشرة في جيوب الطبقة الهشة.

إلا أن هذا الخيار يبقى صعبا في الوقت الراهن، حسب الخبراء، بسبب غياب المعطيات، واستحالة تحمل جيوب الجزائريين لأسعار المواد واسعة الاستهلاك في حال تحريرها.

ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التوجه نحو الدعم الموجه يحتاج أولا إلى إحصاء الجزائريين وتصنيفهم إلى طبقات، ثم يتم استحداث آلية لصب الأموال مباشرة في جيوب الطبقة المحتاجة للدعم، وهنا نطرح سؤالا مهما: هل ستراجع الأجور في وقت تعيش فيه البلاد أزمة مالية صعبة؟".