عندما تتفاخر حكومة بالقروض الخارجية

عندما تتفاخر حكومة بالقروض الخارجية

05 ديسمبر 2017
الحكومة تتوسع في الاقتراض رغم تصريحاتها بتحسن موارد النقد(Getty)
+ الخط -

بدأ الأمر وكأنه سباق بين كبار المسؤولين في مصر حول التوسع في الاقتراض الخارجي، أو كأن الحديث عن القروض الجديدة نوع من الفخر والتباهي، فلم تمر ساعات على إعلان طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، عن سداد 4 مليارات دولار من ديون مصر الخارجية المستحقة للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد من إجمالي 5.2 مليارات دولار مستحقة للبنك، حتى سارع وزير المالية عمرو الجارحي للإعلان عن اقتراض مصر 6 مليارات دولار ديونا جديدة، منها 4 مليارات دولار سيتم اقتراضها الشهر المقبل عبر طرح سندات دولية، ومليارا دولار سيتم الحصول عليهما من صندوق النقد الدولي في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، علماً بأن القرض الأخير يمثل قيمة الدفعة الثالثة من قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار.

ومن المتوقع أن تتواصل ماكينة الاقتراض الخارجي في العام القادم عكس توقعات رسمية بخفض وتيرة هذا النوع من الاقتراض عالي المخاطر، فهناك 14 مليار دولار قيمة الديون المستحق سدادها على مصر خلال العام القادم 2018، وهي عبارة عن أقساط ديون وفوائد مترتبة عليها، كما لا ننسى أن الحكومة أجلت سداد نحو 9 مليارات دولار في العام 2017 لسنوات مقبلة، منها ديون مستحقة للسعودية والإمارات والصين ومستثمرين دوليين وغيرها.

وهناك جزء من الديون المؤجل سدادها في 2017 تستحق السداد قبل نهاية 2018 منها مثلا 2.76 مليار دولار مستحقة للصين، ومليارا دولار مستحقة لمستثمرين من حائزي السندات الدولية، وهو ما يشكل ضغطا على البلاد.

كما لا ننسى أن الحكومة اقترضت 7 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري 2017، منها 4 مليارات دولار في شهر يناير/كانون الثاني و3 مليارات دولار أخرى في شهر مايو/أيار، وأن جزءاً من هذه الديون مستحق السداد في النصف الأول من العام 2018 .

والملفت هنا أن سياسة التوسع الحكومي في الاقتراض الخارجي مستمرة، وقد تسير بوتيرة أسرع مما سبق في الفترة الماضية رغم إيحاءات الحكومة المتواصلة بعكس ذلك، فالحكومة تعلن من وقت لآخر عن حدوث 3 تطورات مهمة من المفروض أن تنعكس إيجابا على حصيلة البلاد الدولارية وزيادة قدرتها على سداد الديون الخارجية في مواعيدها، وهذه التطورات هي:

الأول: حديث الحكومة المتواصل عن زيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات السياحة والصادرات والاستثمارات الخارجية وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس، والإعلان المستمر عن زيادة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ليتجاوز 36 مليار دولار بنهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

الثاني: تفاخر الحكومة دوما بجذبها استثمارات أجنبية في مجال أدوات الدين العامة (أذون الخزانة أو السندات) وبقيمة 20 مليار دولار، منذ تعويم الجنيه مقابل الدولار، وهو رقم قياسي لعب دورا مهما في إحداث قفزة في الاحتياطي الأجنبي، وتخفيف الضغط على الدولار وتلبية احتياجات السوق، مع العلم بأن هذه أموال ساخنة سبق  أن حذرت منها عدة مرات، لكن المسؤولين قالوا إنهم يراهنون على تحويلها من أموال ساخنة لاستثمارات مباشرة توجه حصيلتها لمشروعات إنتاجية، وهذا أمر صعب نظرا لطبيعة هذه الأموال سريعة التحرك والباحثة عن الربح السريع والعالي.

الثالث: التراجع الملحوظ في الميزان التجاري للبلاد، وهو ما خفف الضغط على الدولار من قبل المستوردين، وحسب بيانات رسمية فقد تراجع عجز الميزان التجاري إلى 20.1 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017، وبنسبة تراجع 37 % مقارنة بـ32.3 مليار دولار خلال الفترة الموازية من العام الماضي.

وهذا التحسن لم يأت بسبب حدوث قفزة في الصادرات، بل جاء لتراجع فاتورة الواردات لأسباب عدة، منها وضع قيود على الواردات السلعية وعدم توفير النقد الأجنبي في بعض الأوقات خاصة التي سبقت أو صاحبت تعويم الجنيه، والركود الذي أصاب الأسواق لزيادة معدل التضخم، ورفع الجمارك على السلع المستوردة أكثر من مرة، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن.

هذه المؤشرات الثلاثة لم تقلل من وتيرة التوسع في الاقتراض الخارجي، ولذا فإن الدين الخارجي للبلاد والبالغ حاليا نحو 80 مليار دولار مرشح للزيادة ليتجاوز 100 مليار دولار خلال عامين وربما أكثر من ذلك، وهنا لا يجب أن نقلل من خطورة توسع الحكومة في هذا النوع من الاقتراض، والمواطن هو من يتحمل فاتورة تكلفة سداد هذه الديون في النهاية من مدخراته المحدودة والمتآكلة، يتحملها في صورة ضرائب جديدة، وزيادات متواصلة في الأسعار، وخفض الدعم عن السلع الرئيسية ومنها الوقود والكهرباء والمياه.

كما أنه بدلاً من أن توجه الحكومة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي لتمويل الواردات، سواء السلعية أو مستلزمات الإنتاج، وتعظيم الاحتياطي الأجنبي، وتأسيس مشروعات تحد من البطالة، والتوسع في تقديم خدمات للمواطن، مثل التعليم والصحة، تقوم في المقابل بتوجيه هذه الأموال لسداد أقساط الديون الخارجية، وبالتالي يذهب خير مصر وثرواتها للدائنين الخارجيين لا للمواطن.

والنتيجة النهائية حدوث ضغط مستمر على عملة البلاد المحلية، وربما اللجوء مجددا لتخفيض قيمتها أمام الدولار، على غرار ما جرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وهو ما يعني دخول المواطن في دائرة جهنمية من ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وركود الأسواق وإفلاس الشركات.