الفوضى تعطل إنتاج النفط وتحرق الأسواق بجنوب السودان

الفوضى تعطل إنتاج النفط وتحرق الأسواق بجنوب السودان

06 أكتوبر 2016
المواطنون يدفعون ثمن تجدد الحرب الداخلية (ألبرت جونزالينت/فرانس برس)
+ الخط -

تعثرت عجلة الاقتصاد في جنوب السودان إلى حد كبير، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد أن دمرت الحرب الدولة الوليدة مرة أخرى، فتوقفت رافعات النفط التي تستخرج للبلاد كل قوتَها من بقعة تزخر بثلاثة أرباع الذهب الأسود الذي تتوفر عليه السودان كاملة.
ومع اتساع دائرة العنف في ولاية الوحدة، الأكثر إنتاجاً للنفط، وانعدام الأمن تماما في ولاية بحر الغزال، لم يعد أحد يقف على حجم الإنتاج الحقيقي في هذه المناطق، لكن شيئا واحدا مؤكدا في هذا الضباب، وهو أن الشعب الذي استقل بدولته قبل أربعة أعوام، لم يعد يستفيد من موارد كهذه.
واندلعت حرب بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2013، قبل أن توقع أطراف النزاع اتفاق سلام في أغسطس/آب 2015، قضى بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما تحقق بالفعل في 28 أبريل/نيسان 2016.
غير أن اتفاق السلام الهش تعرض لانتكاسة عندما عاودت القوات الموالية لرئيس جنوب السودان، سلفاكير مَيارديت، ونائبة السابق ريك مشار الاقتتال بالعاصمة جوبا في 8 يوليو/ تموز الماضي، ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 200 شخص بينهم مدنيون، إضافة إلى تشريد حوالي 36 ألف مواطن.
تلك التطورات أضرت بالعاصمة جوبا، فأغلقت أغلب الأسواق، بعدما نالت حظا وفيرا من التوترات الأمنية.

أزمة مالية

وتقول مصادر إن القليل الذي تحصله السلطات في دولة جنوب السودان من عائدات النفط يذهب نحو قطاع الأمن والإنفاق على السلاح، ما أدى إلى توقف العمل بأغلب مصالح الدولة خلال الأشهر الثلاثة الماضي، كنتيجة حتمية لتوقف صرف الرواتب، ما أفضى إلى إضراب عام بين موظفي أغلب القطاعات، انتهى إلى إغلاق المؤسسات العامة.
ولم تطاول أزمة الرواتب موظفي الدولة وحسب، فقد أكد وزير الإعلام مايكل ماكوي، في تصريحات أخيرة، عدم تسلم أعضاء الحكومة لرواتبهم منذ فترة طويلة، قائلا: "أنا شخصيا لم أتسلم راتبي لأكثر من ستة أشهر بسبب الانهيار الاقتصادي".
وقال مصدر مطلع لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة تبحث إغلاق بعض سفاراتها وقنصلياتها في الخارج بسبب نقص التمويل والاعتمادات المالية اللازمة لتشغيلها تفاديا للحرج الدولي.
ومع تفاقم الأزمة الأمنية، تعطلت قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، فضلا عن فشلها في رعاية وتمويل أغلب القطاعات، لاسيما الزراعي الذي يمثل سلة الغذاء المحلية لشعب يستورد أغلب احتياجاته.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 54% من مواطني الجنوب يعانون مجاعة طاحنة، بينما يعاني 94% منهم شبح نقص الغذاء، مما يعني أن 6% فقط القادرون على الحصول على الطعام.
وشدد وزير المالية بدولة الجنوب ستيفن دياو، الثلاثاء، على أن الوضع الاقتصادي في دولته شديد الهشاشة، ما دعا إلى تشكيل وزارته للجنة مختصة بضبط الإنفاق الحكومي، وعمل خطة وطنية لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار.
وقال دياو لصحيفة "جوبا مونتير": "عائدات النفط عاجزة عن تغطية الميزانية، هذا الوضع يتطلب مراقبة يومية للإنفاق الحكومي"، مشيراً إلى أن اللجنة المقترحة تقييم الميزانية ومدى مطابقتها للواقع.
وأضاف أن الحكومة تسعى لإيجاد قنوات مالية سريعة لضمان تسيير مؤسسات الدولة، فضلا عن مساع لترشيد الإنفاق الحكومي من أجل دعم السوق والحفاظ على سعر صرف ثابت يضمن ضبط الأسعار.


أسواق السلع

وسجلت الأسواق في الدولة الوليدة قفزات كبيرة في أسعار السلع، خاصة تلك الأساسية التي باتت تحلق عند مستويات يعجز معها أغلب السكان عن توفير احتياجاتهم منها.
وحسب متعاملين، فقد بلغ سعر شوال السكر زنة 50 كيلوغراماً، نحو ثلاثة آلاف جنيه جنوبي (نحو 176.5 دولاراً أميركياً)، بدلا من 180 جنيها قبل أحداث يوليو/تموز الماضي، كما ارتفع شوال الدقيق إلى ألفي جنيه مقابل 110 جنيهات، بينما وصل شوال الفحم إلى 300 جنيه من 80 جنيها، وسط مطالب للحكومة بالتدخل لضبط الأسعار.
وأوضح مواطنون أن سعر شوال البصل من الحجم الصغير يكلف أربعة آلاف جنيه من مائتي جنيه، بينما الحجم الكبير ارتفع إلى 10 آلاف مقابل 300 جنيه.
ويقول تجار إن ثمة عوامل أثّرت على أسعار السلع إلى هذه الحد غير التوترات الأمنية، منها انهيار قيمة العملة المحلية في ظل اختفاء النقد الأجنبي اللازم لاستيراد أغلب السلع.
ووصل سعر العملة في السوق الرسمي إلى نحو 17 جنيهاً للدولار، مقابل أكثر من 80 جنيها للدولار في السوق الموازية.
وفي أغسطس/آب الماضي، قال مكتب الإحصاءات في جنوب السودان (حكومي)، إن التضخم ارتفع إلى أكثر من مثليه في يوليو/تموز الماضي، ليصل إلى 661.3%، على أساس سنوي، مع استمرار ترنح الاقتصاد تحت وطأة الصراع الدائر في البلاد. وأرجع المكتب، في بيان، هذه القفزة القوية للتضخم إلى ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية.
وارتفعت الأسعار خلال يوليو/تموز بنسبة 77.7%، على أساس شهري، وفق المكتب نفسه.

انهيار الموازنة

وفي ظل هذه الأوضاع، تعجز الحكومة عن رفد خزائنها بأية إيرادات يمكن توجيهها لصالح الخدمات أو حماية الأسواق أو تدبير رواتب مئات آلاف الموظفين.
وقال خبير الاقتصاد الجنوبي ستيفن لوال، لـ "العربي الجديد"، إن ملف التسليح استفرد بكل الإيرادات، ما أفضى إلى انعدام الخدمات الحكومية، محذرا من اختفاء العملة المحلية لجنوب السودان، ما لم يتم دعمها بالإنتاج والغطاء النقدي الأجنبي.
وكانت حكومة جوبا قد تحدثت في فترة سابقة عن ميزانية قدرها 22 مليار جنيه جنوبي، وعقب ذلك قدمت الصين قرضا بقيمة مليار و900 مليون دولار إلى جوبا، لكن بعد تراخي الصين في القرض لم تفعّل الميزانية، ما أفضى إلى توقف مشاريع تنموية كبرى.
ويقول مراقبون إن الوضع الحالي لا يسمح لحكومة جوبا بتكوين نظام مالي، فهمها الأول هو هاجس الأمن الذي أدى إلى تدهور كافة القطاعات النفطية، الممول الرئيس لخزانة الدولة، مستندين إلى توقف البيانات التي تصدرها الخرطوم بشأن الإيرادات التي تحصلها نظير عبور نفط الجنوب عبر أراضيها، ما يؤكد مزاعم توقف إنتاج النفط في الدولة الوليدة.
وترى الباحثة الاقتصادية إنصاف العوض، أن الفشل في تدبير نفقات، يرجع إلى الانهيار الاقتصادي الذي بدوره يؤكد عجز جوبا عن السيطرة على مقاليد الحكم.
وتعتقد العوض، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الأزمة لن تقف عند حيز الدولة الوليدة، لافتة إلى ضرر كبير يمكن أن يصيب الجارة الشمالية السودان، ظهرت بوادره متمثلة في النازحين "غير المسجلين"، قائلة: "هؤلاء النازحون عادوا إلى قواعدهم السابقة في الخرطوم وهم أكثرية يتمتعون بكافة حقوق المواطنة ويضغطوا على الخدمات التي تعاني الخرطوم أصلا من ضعفها".

المساهمون