كيف سيبدو عالم المال والتجارة بعد نهاية كوفيد19؟

عالم المال بعد "كوفيد19"...الدفع نقداً أول الضحايا وتزايد نفوذ الدولار والبطافات

17 ابريل 2020
المخاوف الصحية تقلص استخدامات النقود (Getty)
+ الخط -


ربما يصبح "الكاش" أو النقود بأنواعها الورقية والقطع المعدنية أول ضحايا "كوفيد 19" الذي يتمدد في العالم حالياً وتقترب عدد الإصابات به من مليوني إصابة ولكنه لن يكون الضحية الوحيدة. إذ إن تداول النقود يعد من مخاطر تفشي الفيروس بسبب لمسها بالأيدي.

وبالتالي يتزايد حالياً استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني سواء الائتمان أو الخصم في تسديد الحسابات ودفع الفواتير في المتاجر ويختفي تدريجياً استخدام النقد في أوروبا وأميركا والعديد من دول آسيا. 

وتقوم العديد من البنوك المركزية حالياً بعمليات تعقيم الأوراق النقدية التي ترد إليها والاحتفاظ بها لمدة قبل إطلاقها مرة أخرى للتداول.

ويقوم بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بعمليات تعقيم كل الأوراق النقدية التي ترد إليه من آسيا، كما ينفذ بنك الشعب "المركزي الصيني" عمليات تعقيم عبر الأشعة الحمراء وبدرجة حرارة عالية للأوراق النقدية والاحتفاظ بها لفترة تراوح بين أسبوع إلى أسبوعين، وتمارس نفس الشيء معظم البنوك في أوروبا وآسيا.

ومثل هذه العمليات مكلفة للبنوك المركزية وربما تكتفي عنها بالتخلي عن طباعة النقود الورقية، وتستخدم "الحجج الصحية" في ذلك وستكون مقبولة ومبررة لدى الحكومات.

ويلاحظ أن بعض المتاجر في أميركا تمتنع حالياً عن قبول الكاش، أو تمتنع عن لمسه بالأيدي.
ويرى محللون أن الفيروس كوفيد 19 ربما سيكمل عناصر الحرب على النقود الورقية التي بدأتها الحكومات خلال الأعوام الأخيرة.
وكان البنك المركزي الأوروبي قد أوقف في بداية يناير الماضي تداول ورقة 500 يورو الأوروبية التي تستخدم على نطاق واسع بحجة أنها تستخدم كخزين للثروة غير الشرعية وسط عصابات غسيل الأموال والمهربين ومافيا الجريمة المنظمة.

ويرى الخبير الأميركي جون دبليو وايتهيد، في تحليل هذا الأسبوع، إن الحرب على الأوراق النقدية بدأت منذ مدة من قبل بعض الحكومات بسبب محاربة الجريمة المنظمة، ومحاصرة من يستخدمون النقد لتفادي دفع الضرائب في أوروبا، ولكنه يشير إلى أن الحكومات ربما تستخدم الفيروس "كوفيد 19" وما يمثله اللمس من تهديد صحي للقضاء كلية على الكاش.

ويرى وايتهيد في تحليله، أن التداول الإليكتروني وعبر البطاقات الممغنطة سيتيح للحكومات الرقابة الكاملة على المواطنين، وبالتالي فرض سيطرتها الرقابية لإكمال مشروع القضاء على الحريات العامة، مستفيدة في ذلك من إجراءات حظر التجوال والعزل الصحي .

وفي ذات الشأن يرى محللون، أن ما يدور في دهاليز مخططي السياسة النقدية والمالية في أوروبا وأميركا منذ مدة هو حظر استخدام الأوراق النقدية من الفئات الكبيرة، وهذا الفيروس ربما يكمل حلقة القضاء على استخدام النقود.

وكان وزير الخزانة الأميركية الأسبق والرئيس الحالي لجامعة هارفارد، لاري سمرز، قد نصح الإدارة الأميركية بإخراج الأورق النقدية من فئتي مائة دولار و50 دولاراً من التداول، وهما الفئتان الأكثر تداولاً واستخداماً من قبل عصابات المافيا والجريمة المنظمة والمخدرات في إخفاء ثرواتهم وذلك إلى جانب ورقة 500 يورو و500 فرنك سويسري.
وتعد الورقة المالية الأميركية فئة 100 دولار الأكثر شعبية في العالم، حيث يتم التداول في أوراق تصل قيمتها 10 مليار دولار، حسب موقع زيرو هيدج المصرفي.

وفي ذات الصدد، طرح اقتصاديون في حلقة نقاش حول محاربة الفساد في منتدى دافوس العالمي، من بينهم الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز، موضوع القضاء على الكاش وتحول الاقتصادات العالمية إلى "العملة الرقمية" كحل للعديد من الجرائم الاقتصادية التي يعاني منها العالم حالياً.

واشترك في حلقة النقاش بالمنتدى كل من الاقتصادي مارك بييث المسؤول بمعهد بازل السويسري للحوكمة، والاقتصادي ورجل الأعمال مارغري كراوس. ودارت النقاشات حول الفوائد الجمة التي ستجنيها الاقتصادات العالمية من إلغاء العملات الورقية.

وربما لن يكون الكاش وحدة ضحية الفيروس كورونا المستجد حينما تنتهي معركة القضاء عليه ولكن سيكون هنالك ضحايا كثر، حيث يرى البروفسور الأميركي جوزيف ستيغلتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، أن العولمة ربما ستكون كذلك من ضحايا هذا الفيروس اللعين. 

ويقول ستيغلتز في تعليقات لنشرة " فورين بوليسي" الأميركية، " في عددها الصادر يوم الثلاثاء، من الواضح أن الساسة من أنصار الحركات الشعبوية وبعض الشركات ستعمد بعد نهاية هذا الفيروس إلى الحد من سياسة الحدود المفتوحة بدعوى حماية المواطن من المخاطر الصحية. 


ويرى محللون أن السياحة والخدمات الفندقية التي تعتمد في انتعاشها على سهولة السفر ومنح التأشيرات ستكون من بين ضحايا الفيروس حينما ينجلي غبار معركة القضاء عليه.

من جانبه يرى الخبير آدم بوصون الزميل بمعهد بيترسون للدراسات الاقتصادية بواشنطن، في نفس التحليل لنشرة " فورين بوليسي"، أن عالم المال والاقتصاد سيشهد بعد فيروس كورونا المستجد تغييرات جذرية ويلخصها في أربع نقاط رئيسية، وهي:

أولا: القطاعات الاقتصادية ستخرج منهكة وربما تعيش فترة من الركود العميق بسبب تضاؤل التدفقات المالية والعائد على الاستثمار وركود القوة الشرائية. وهذان العاملان ربما يمددان فترة بقاء الاقتصادات في الركود.

ويرى أن المستثمرين سيتفادون المخاطرة بوضع أموال جديدة في الشركات والاقتصادات الناشئة وسيكون أصحاب الثروات أكثر حرصاً على أموالهم مما كان عليه الأمر قبل هذا الفيروس. ولكن في مقابل توقعاته هذه يرى محللون أن نهاية الفيروس ربما ستطلق عمليات شراء نشطة في أسواق المال، خاصة للأسهم الرخيصة التي شهدت عمليات انهيار خلال الشهور الحالية.

أما النقطة الثانية في تحليل بوصون، فهي أن العالم سيخرج أكثر انقساماً من حيث توزيع الثروة، حيث ستزيد الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة والاقتصادات الناشئة.
ثالثاً: سيخرج النظام المالي والعالم أكثر اعتماداً على الدولار في التجارة والتمويل. ويرى أن ذلك سيحدث بسبب هجرة رأس المال المتواصلة من الاقتصادات الناشئة إلى مراكز المال في الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ويلاحظ أن مصرف الاحتياط الفيدرالي يقوم حالياً بدور "بنك البنوك" في مد البنوك المركزية في أوروبا وآسيا بالسيولة الدولارية عبر "الصفقات التبادلية"، حيث ضخ عبر هذه العمليات نحو 124 مليار دولار للبنوك المركزية في كندا وأوروبا واليابان حتى نهاية الشهر الماضي.

ويرى الخبير بوصون أن سيطرة الدولار على التمويل والتجارة سترفع من جاذبية الولايات المتحدة لأصحاب الثروات.

وفي ذات الشأن، لاحظ مصرف التسويات الدولية في تقرير في بداية الشهر الجاري ارتفاعاً ملحوظاً في حصة الدولار في التسويات المالية والتجارية، حيث بلغت حصته 88% مقارنة بباقي العملات الحرة الأخرى. 

رابعاً: يرى الخبير بوصون أن "القومية الاقتصادية" ستسيطر على الحكومات وأن عملية الإغلاق ربما تستغل من قبل بعض الساسة في الفترة المقبلة. 

لكن في مقابل هذه الرؤى التي يشوبها التشاؤم يشير الخبير الاقتصادي الأميركي إدوارد بارساد، إلى أن التعاون العالمي في مجالات المال سيستمر وأن دور البنوك المركزية النشط الذي لعبته منذ بداية إغلاق الاقتصادات وتعطل الإنتاج سيتواصل في الفترة التي تلي السيطرة على "كوفيد 19"، وبالتالي سيتمكن النظام المالي العالمي من البقاء. 

ويشير في تحليله بنشرة " فورن بوليسي" إلى أن البنوك المركزية ستواصل لعب دورها الحيوي في إسناد الاقتصادات العالمية والتأكيد على عودة الدورة الاقتصادية إلى طبيعتها.

المساهمون