الاقتصاد الأميركي يدخل منطقة المياه الأكثر تقلباً

الاقتصاد الأميركي يدخل منطقة المياه الأكثر تقلباً

01 مارس 2018
التوجه نحو رفع أسعار الفائدة يربك مستثمري الأسهم (Getty)
+ الخط -
رغم التوقعات السائدة بتسجيل الاقتصاد الأميركي معدلات نمو مرتفعة خلال العام الجاري 2018، إلا أن نبرة القلق تسيطر على كبار البنوك العالمية من تكرار موجة الهبوط الحادة التي شهدتها الأسهم الأميركية في عدة جلسات خلال فبراير/ شباط الماضي.

ونصح بنك "يو بي أس" العالمي في رسالته الشهرية إلى عملائه، والتي صدرت بتاريخ الأول من مارس/ آذار الجاري، بالتحصن ببعض أدوات الاستثمار التي تجنبهم الخسائر حال حدوث تراجعات حادة في الأسهم ، مشيراً إلى أن "الاقتصاد الأميركي يدخل الآن منطقة المياه الأكثر تقلباً".

وأربك توجه مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لزيادة أسعار الفائدة، سوق الأسهم الأميركية، وسط قلق من خروج المزيد من المستثمرين من البورصة باتجاه سوق السندات، ما يزيد من تقلبات الأسهم في الولايات المتحدة والأسواق العالمية خلال الفترة المقبلة.

وأكد رئيس المجلس جيروم باول، يوم الثلاثاء الماضي، في خطابه الأول أمام الكونغرس منذ أن رشحه الرئيس دونالد ترامب، أنه سيتم مواصلة رفع معدلات الفائدة تدريجاً.

ورغم توقع بنك "يو بي أس" أن يحقق اقتصاد الولايات المتحدة خلال 2018، أعلى معدل نمو له منذ عام 2011، وأن تشهد أسواق الأسهم العالمية ارتفاعاً بأكثر من 10%، إلا أنه اختار لرسالته لعملائه التي اطلعت عليها "العربي الجديد" عنوان "دخول المياه الأكثر تقلباً"، ناصحاً إياهم باتخاذ مواقف حمائية، عن طريق شراء بعض المشتقات، التي توفر الحماية لحاملي الأسهم عند حدوث انخفاضات كبيرة في الأسعار.

وأشار البنك، إلى ما نصح به عملاءه الكبار في أوائل فبراير/ شباط الماضي، وقت تعرض الأسواق الأميركية لاضطرابات عنيفة، من ضرورة العمل على انتهاز الفرص الموجودة في الأسواق، والتي ظهرت مع الانخفاضات الأخيرة في أسعار الأسهم، كونها انخفاضات مؤقتة، تعبر عن موجة تصحيحية، أكثر منها انعكاساً لضعفٍ في الأسواق. 


وقال إن المستثمرين الذين احتفظوا بهدوئهم الشهر الماضي، وأبقوا على استثماراتهم، وقاموا بعملية إعادة توازن لتلك الاستثمارات خلال عملية التصحيح الأخيرة، هم في طريقهم الآن لجني ثمار ذلك، بعد شهرٍ ألقى الضوء على الكثير من الصعوبات، والتكاليف المحتملة، التي تتعرض لها الأسواق.

وأشار البنك إلى أن الأسواق شهدت بالفعل الشهر الماضي أسوأ أسبوع لها منذ عام 2016، إلا أن الأسبوع التالي له كان الأفضل منذ عام 2015، "ونحن الآن أقل من أعلى مستويات شهدتها الأسهم الأميركية في تاريخها بحوالى 5% فقط".

وأكد مارك هايفيلي، مسؤول الاستثمار العالمي بإدارة الثروات في البنك، والذي أشرف على إعداد التقرير، أن الأسواق عادت إلى هدوئها، وأن مؤشر التقلبات Volatility Index، الذي يُطلق عليه مؤشر الخوف، قد عاد إلى متوسطه على المدى الطويل (20 سنة)، وأن الأسواق حالياً أكثر مرونة، والأهم من ذلك، أن الحالة الاقتصادية لا تزال دون تغيير وإيجابية على نطاق واسع.

ورأى أن النمو ما زال قوياً، وأن مؤشرات شراء المديرين للخدمات هذا الشهر في أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات في كل من الولايات المتحدة والصين.

وأوضح أن أرباح الشركات ارتفعت بحوالى 15% في الربع الرابع من العام المنقضي، وهي أسرع وتيرة منذ عام 2011، متوقعاً "ألا تسبب الموجة البيعية الأخيرة في سوق الأسهم ضرراً للاقتصاد الحقيقي".

وكانت بيانات عن الاقتصاد الأميركي، ظهرت في 28 يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، وأظهرت تحسناً أكثر من المتوقع في الأجور، قد أدت إلى تزايد المخاوف من قيام بنك الاحتياط الفيدرالي بتسريع وتيرة رفع معدلات الفائدة، أو زيادة عدد مراتها، مما أدى إلى تدهور الأمور بصورة كبيرة في سوق الأسهم الأميركية، وتبعتها أغلب الأسهم العالمية.

وشهدت صناديق الاستثمار في الأسهم أكبر خروج للمستثمرين شهدته في تاريخها في أسبوع، حيث خرج منها أكثر من 30 مليار دولارٍ، فيما اعتبر أكبر انخفاض من القمة إلى القاع منذ عام 2015، كما ارتفعت التقلبات في السوق إلى أعلى مستوياتها في عامين. 


ولفت هايفيلي إلى أن "المستثمرين الذين استبقوا الأسواق، وبادروا بالبيع قبل الموجة التصحيحية بثلاثة أسابيع أو أكثر، ثم اشتروا متأخرين، بعد التأكد من أن الأسواق قد بلغت أقل مستوى لها بأسبوع أو أكثر، هم الآن في وضع أسوأ من الذين لم يفعلوا شيئاً خلال الشهر الماضي".

وتعليقاً على التقرير، قال مايك رايان، مسؤول الاستثمار بالأميركتين، بإدارة الثروات في البنك، والذي نصح عملاءه حول العالم وقت الموجة التصحيحية بالاحتفاظ بمراكزهم ومحاولة اقتناص الفرص المتاحة في الأسواق، أنهم في البنك يعتقدون أن "الأسوأ قد انتهى بالفعل"، لكنه أضاف "إلا أننا لا نتوقع العودة إلى الهدوء غير الطبيعي الذي شهدته الأسواق قبل الموجة التصحيحية".

وأشار رايان إلى أن العلاقة بين سوق الأسهم وسوق السندات، والتي كانت تمثل ملاذاً آمناً للمستثمرين عند حدوث انخفاضات كبيرة في سوق الأسهم، قد لا تستمر في سلوكها المعتاد، الأمر الذي "قد يسبب تحديات أكبر لإدارة المخاطر".

وأكد أنهم بالفعل يتوقعون أقوى معدلات نمو منذ عام 2011، إلا أن هذا النمو قد يجد بعض المشكلات بسبب احتمالات ارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي معدلات الفائدة، إضافة إلى ما تسببه الإعفاءات الضريبية الأخيرة (في إشارة إلى إصلاحات الرئيس دونالد ترامب الضريبية)، وزيادة الإنفاق الحكومي (العسكري والمتعلق بالبنية التحتية)، مع تخطيط البنك الفدرالي لتخفيض ميزانيته، من زيادة احتياج الحكومة الأميركية للاقتراض.

النقطة نفسها أكدها هايفيلي في تقريره، حيث قال إن الاقتصاد الأميركي يدخل الآن منطقة المياه الأكثر تقلباً، حيث يمكن لمخاوف ارتفاع معدلات التضخم والفائدة أن تنافس آمال النمو، بل وتَفُوقها.

وأضاف "فإذا كنا نرى فرصاً في الأسواق الحالية، فإننا ننصح بالاستعداد للظروف الجديدة، عن طريق اتخاذ بعض المواقف المضادة للدورات حمايةً لاستثماراتنا".

ونصح هايفيلي بشراء عقود خيارات البيع Put Options على أسهم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، لتوفير الحماية في حالة حدوث انخفاضات كبيرة في أسعار الأسهم.

وأكد أنه في حالة حدوث ارتفاع محدود في معدل التضخم، ورفع تدريجي لمعدلات الفائدة (بمقدار ربع بالمائة في كل ربع سنة خلال 2018)، مع استمرار أسعار الأسهم في الارتفاع، فإن هذه السياسات الحمائية لن تكون مربحة، "لكننا نعتقد أنه من الحكمة التضحية ببعض المكاسب المتوقعة، من أجل توفير الاستقرار للمحافظ المالية، إذا استمرت مخاوف رفع معدلات الفائدة في التأثير على الأسواق".

وتعطي عقود خيارات البيع الأميركية لحاملها، حق بيع كمية معينة من السهم، بسعر محدد مسبقاً، في أي وقت قبل تاريخ محدد، وهو ما يعني أن المستثمر يكون من حقه بيع السهم، لكنه ليس مجبراً على ذلك، وبالتالي فهي توفر الحماية لحامل السهم عند انخفاض الأسعار، وبدون أي التزام عند ارتفاعها.

لكن غالبية علماء الاقتصاد الإسلامي حرّمت التعامل في مثل تلك العقود، كونها تسمح بالمضاربة على أضعاف ما يتم دفعه بالفعل فيها.

كان بنك "غولدمان ساكس"، أكبر مصرف استثماري أميركي، قد حذر في تقرير له بنهاية فبراير/ شباط الماضي، من فقدان الأسهم الأميركية ربع قيمتها السوقية بنهاية العام الجاري، بسبب جاذبية عائدات السندات طويلة الأجل وزيادة سعر الفائدة على الدولار.

وقال البنك إن بلوغ عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات 4.5% بنهاية 2018، سيؤثر سلباً على اقتصاد الولايات المتحدة لكن أثره الأكبر سيظهر في سوق الأسهم الأميركية والبورصات.

وأكد محللو غولدمان ساكس في مذكرة لهم، أن السيناريو الأساسي المتوقع هو بلوغ عائدات هذه السندات 3.25% بحلول نهاية العام، لكن ارتفاعها إلى 4.5% سيؤثر بشكل بالغ على الأسهم.