إجراءات سعودية لحماية الشركات الصغيرة من الإفلاس

إجراءات سعودية لحماية الشركات الصغيرة من الإفلاس

08 مايو 2016
جانب من مؤتمر يورومني في الرياض الأسبوع الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
تترقب الأوساط الاقتصادية إصدار المملكة العربية السعودية نظاماً جديداً يساعد في حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة من الإفلاس، ولا سيما في ظل هيمنة الكيانات الكبيرة على التسهيلات في مختلف المجالات.
وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي الكيانات التي يقل نشاطها السنوي عن 3.5 ملايين دولار، نحو 93% من إجمالي عدد الشركات العاملة في السعودية، ما دفع القائمين على السياسات الاقتصادية في البلاد إلى البحث عن إجراءات للحفاظ على وجود هذه الشركات التي بدت الأكثر تأثراً بأزمة تراجع أسعار النفط.
وأعلن توفيق الربيعة، وزير التجارة السعودي، خلال مشاركته في مؤتمر "يورومني 2016"، الذي استضافته العاصمة الرياض يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، أن وزارته تعتزم رفع "نظام الإفلاس الجديد" للجهات العليا للموافقة عليه خلال الأسابيع السبعة المقبلة، وذلك ضمن إصدار إجراءات تنظيمية لعدة مجالات.
ولم يكشف وزير التجارة السعودي عن أبرز ملامح نظام الإفلاس الجديد، لكن مصادر في الوزارة قالت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن النظام الجديد سيكون بالغ الأهمية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص. ويهدف نظام الإفلاس الجديد، وفق المصادر، إلى وضع حد لسلسلة الشركات، التي يتم إشهار إفلاسها بضغط من دائنيها، الأمر الذي يتسبب في انهيارها سريعا، وإنشاء بيئة نظامية تساهم في توسعة قاعدة الكيانات الاستثمارية الخاصة من حيث العدد والحجم، وذلك من خلال الحفاظ على القيمة الاقتصادية التي تضيفها هذه الكيانات إلى الاقتصاد الكلي.
وأضافت المصادر أن نظام الإفلاس الجديد سيتضمن عددا من الإجراءات السريعة لمعالجة أوضاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إذا اضطربت أوضاعها المالية، بما يعطي المجال لرواد الأعمال في الحصول على فرصة جديدة، إضافة إلى بعض الأحكام التفصيلية التي تساعد على تحفيز القطاع الخاص على تمويل هذه المنشآت.
وتملك الشركات العملاقة، القدرة المالية التي تؤهلها للصمود، وتستطيع الحصول على المزيد من القروض، بيد أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا تملك هذه الأدوات، وتخرج من السوق بوتيرة متسارعة منذ خمس سنوات، تحت ضغط هيمنة الشركات الكبيرة.

وأدت موجة الإفلاس وضعف عمليات التمويل إلى توقف نحو 120 ألف شركة في الأعوام الثلاثة الماضية من أصل مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة مسجلة في السعودية، بينما يبلغ إجمالي عدد الشركات العاملة في البلاد بمختلف أحجامها 2.2 مليون شركة.
وقال علي الجفري، الخبير المالي، إن إضافة المزيد من القوانين، التي تهدف للإبقاء على الشركات، أمر مهم لعجلة الاقتصاد، مضيفا أن "الأزمات الاقتصادية العالمية تسببت في تعثر الكثير من المشاريع، كما أن ضغط انخفاض أسعار النفط وتقليص الإنفاق الحكومي تسبب في تعثر المزيد من الشركات".
وأشار الجفري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنه كان من المهم أن يتم تعديل نظام الحماية من الإفلاس، لكي لا يتم القضاء على كل المنشآت التي تتعثر. وقال "الحكم بالإفلاس على التاجر، لا يعني تدميره فقط، بل تسريح موظفيه، وترك الدائنين يصفون كل ما يملك، لكن من المهم أن يُترك للشركة المجال لكي تقف من جديد، فقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمثل عصب الاقتصاد السعودي".
وتابع أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل عصب الاقتصاد السعودي، ولو تُركت هذه الشركات لسيطرة الدائنين الذين يهتمون بالدرجة الأولى بالحصول على أموالهم فقط، لدُمر الاقتصاد تماما، فهذه الشركات تساهم بنحو 28% من الناتج المحلي.


وينص النظام المعمول به حاليا على أنه إذا تعذر إجراء الصُلح الودي، كان للتاجر (فردا كان أو شركة)، أن يُقدم إلى ديوان المظالم طلباً يدعو فيه دائنيه لتسوية واقية من الإفلاس، ويجب عليه أن يُبيّن في طَلبه أسباب اضطراب أوضاعه المالية وشروط التسوية التي يقترحها ووسائل تنفيذها إن وجدت.
ولا يُسمح للتاجر مع الإفلاس بالاحتفاظ بأي ملكية، إن لم يسدد كامل دينه، كما يمنع من السفر حتى إنهاء مديونياته، إلا بأمر من القاضي المشرف على التصفية.
وتنظر المحاكم التجارية المختصة حالياً في 3360 قضية إفلاس، تم رفعها خلال الأشهر الماضية من العام الحالي، غالبيها لمنشآت صغيرة، وهي أكثر من عدد القضايا التي نظرتها المحاكم في العام الماضي 2015، والتي قُدرت بنحو 2800 قضية، ويُقدر إجمالي مبالغ تلك القضايا بنحو 12 مليار ريال سعودي (3.2 مليارات دولار) بعضها مرتبط بقضايا احتيال أو اختلاس، وبعضها الآخر إعسار فعلي.

وأشار عبدالله الوهيبي، المستشار القانوني المختص في المحاكم التجارية، إلى أهمية تعديل نظام متكامل للإفلاس، موضحا أن "النظام الجديد يهدف إلى التخفيف من قسوة إجراءات الإفلاس والتي تنص على إيقاف التاجر أو وضعه تحت مراقبة الشرطة بمجرد تقديمه لدفاتره التي توضح إفلاسه".
وقال الوهيبي لـ"العربي الجديد": "على الرغم من قسوة هذه الأنظمة، إلا أنها لم تكن كافية لرد حقوق الدائنين، لهذا أثبتت فشلها، ولا بد من الوصول لشروط وقواعد جديدة، تعطي التاجر المفلس الفرصة لرد الديون، لا البقاء في السجن لسنوات طويلة". وأضاف: "ينص النظام الحالي على أن الشركاء الذين خرجوا من الشركة بعد توقفها عن سداد ديونها قد يدخلون في ضمان الديون على الشركة المفلسة، هذا أمر جيد، ولكن يجب أن يتم تحديد علاقتهم بالقضية بشكل أكثر دقة، فقد يخرج الشريك والديون لا تتجاوز 100 ألف دولار، ثم يفاجأ بأنها في ظل الإدارة الجديدة ارتفعت للمليون دولار، فكيف يُحمل تبعية الـ900 ألف دولار التي لا علاقة له بها".
وقال راشد اليحيى، أحد رواد المشاريع الصغيرة، إن هناك معوقات كثيرة تقف دون بقاء هذه الشركات، أهمها ضعف عمليات التمويل من قبل المصارف التي تتشدد بطلب الضمانات ومحدودية الخيارات المتاحة للمؤسسات الصغيرة في ظل عدم امتلاك الكثير منها إلى أصول تقوم برهنها للاستفادة من خدمات التمويل المناسبة.
وأضاف اليحيى، في تصريحات خاصة، "لم نطلع بشكل دقيق على النظام الجديد للإفلاس، ولكن نأمل أن يعالج الأخطاء بالنظام الحالي، والذي يمنح المصارف والدائنين الفرصة لإشهار إفلاس الشركة وتقاسم موجوداتها، على الرغم من وجود فرصة للتاجر لتسديد ديونه، فالمصارف في الغالب ترفض إعادة جدولة الديون، وهي لا تتجاوز المليون دولار، فيما ترضى بجدولة ديون بالمليارات للشركات العملاقة، أتمنى أن يعالج النظام الجديد ذلك".