حرب على غذاء المصريين... استيراد الأرز يفاقم ديون الفلاحين

حرب على غذاء المصريين... استيراد الأرز يرفع الأسعار ويفاقم ديون الفلاحين

28 اغسطس 2018
تزايد معاناة الفلاحين من القرارات الحكومية (فرانس برس)
+ الخط -

تواصلت تداعيات قرار الحكومة المصرية بفتح الباب أمام استيراد الأرز من أجل تلبية الطلب المحلي عقب تقليص مساحة زراعته بمقدار الثلث بسبب شح المياه، إذ تسبب القرار في العديد من المخاطر على الاقتصاد الذي يعاني من أزمة مالية خانقة وطاول المواطنين في ظل ارتفاع سعر أحد أهم السلع التي يعتمد عليها في غذائه. 

وتشن الحكومة حربًا على زراعة الأرز بحجة أنه يهدر مياه الري، واتهمت وزارة الموارد المائية، في بيان رسمي، محصول الأرز باستهلاك 9 آلاف متر مكعب من المياه للفدان، وقالت إن هذه الكمية تكفي لزراعة 3 أفدنة من المحاصيل الأخرى، وأن الأرز يستهلك 15 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وهي تعادل 27% من مياه النيل.

وحسب تقارير رسمية، يعد الأرز الغذاء الرئيس لـ80% من المصريين، وهو بديل رغيف الخبز، وتكتفي مصر منه ذاتيًا بل وكانت تقوم بتصدير الفائض قبل القرار الأخير. وأكد أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) الصادر هذا الشهر، ارتفاع أسعار الأرز 0.2% خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، كما ارتفعت أسعار مجموعة الخبز بنسبة 3.3%.
الاستيراد بدلاً من الزراعة

يقول وزير الزراعة، عز الدين أبو ستيت، في تصريحات له أخيراً، إن استيراد الأرز يحقق مكاسب كثيرة لمصر، وأن تصدير المحصول كان عبئا على مواردنا المائية.

ومن جانبه، يرى مستشار وزير الزراعة، وهو رئيس اللجنة التنسيقية للنهوض بمحصول الأرز، سعد نصار، أن الأرز يستهلك أكثر من ثلث كمية المياه المخصصة للزراعة، وأن تصديره هو تصدير للمياه، حسب تصريحاته الشهر الماضي.

في المقابل، يرى خبراء زراعة ومتخصصون بمركز البحوث الزراعية أن محصول الأرز بريء من تهم الحكومة بإهدار مياه الري، إذ يقول رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق، ونائب رئيس اللجنة الدولية للأرز، عبد العظيم طنطاوي، إن 75% من مساحات الأرز التي تُزرع في شمال الدلتا تُروى بمياه صرف زراعي وصحي تتم معالجتها من مصارف كوتشنر وحادوث والرهاوي وبحر البقر، ولا توجد مياه من النيل تصل إلى تلك المناطق حتى يستهلكها الأرز.

كما أن خبراء مركز البحوث الزراعية استنبطوا أصنافا حديثة من الأرز، بحسب طنطاوي، تستهلك من 5000 إلى 6000 متر مكعب للفدان، وقد تم إلغاء الأصناف القديمة التي تستهلك 9000 متر منذ 2001.

وعن قرار مجلس الوزراء بتخفيض مساحة الأرز، قال طنطاوي إنه غير مدروس، لأنه سوف يتسبب في عجز باحتياجات البلاد من الأرز يقدر بنحو مليون طن أرز أبيض.
وكان وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، قد أعلن عن تخفيض المساحة المزروعة بالأرز من 1.1 مليون فدان العام الماضي، إلى 724 ألف فدان هذا العام.

واستحدثت الحكومة تعديلات على قانون الزراعة، تقضي بمعاقبة المزارعين المصريين بالحبس حتى 6 أشهر، وبالغرامة المالية حتى 20 ألف جنيه (الدولار = 17.85 جنيها)، لمن يزرع الأرز في مناطق غير مصرح بها، بعدما كانت تقتصر العقوبة على غرامة مالية لا تزيد على خمسين جنيهًا.

إرهاق الاقتصاد

يشكك الخبير المصري في السياسات الزراعية والغذائية بالحكومة الفيدرالية الكندية، عبد السميع فلفل، في صحة قرار الحكومة المصرية الخاص باستيراد الأرز، وقال فلفل لـ"العربي الجديد"، إن القرار قد يبدو إيجابيا في ظاهره، لا سيما أنه يهدف إلى سد العجز المتوقع في إنتاج الأرز المصري، ولكن تترتب على القرار عدة سلبيات ومخاطر، أبرزها أن الاستيراد سوف يزيد عجز الموازنة، ما يشكل عبئاً اقتصادياً على ميزانية دعم السلع التموينية، وكذلك على المستهلك المصري الذي يعاني من أزمات معيشية عديدة.

ويشير إلى أن معظم الأراضي التي حرمت من زراعة الأرز هي أراض عالية الملوحة، ولا تزرع فيها المحاصيل الصيفية البديلة بشكل جيد، وبالتالي من المتوقع أن يتسبب القرار الحالي في بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، مع تدهور جودة وقيمة هذه الأراضي.

الحكومة تهدر المياه

ويقول نقيب الفلاحين ونائب رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان السابق، عبد الرحمن شكري، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تحارب زراعة الأرز وفي الوقت نفسه تتجاهل إهدار المياه المستخدمة في ري آلاف الأفدنة المزروعة بالبرسيم الحجازي في مزارع القوات المسلحة في صحراء الفرافرة والواحات (غرب)، وتصدير الإنتاج للإمارات، ولا تتهم الحكومة والجيش بإهدار المياه.

ويتابع: كذلك تتجاهل الحكومة إهدار المياه في ري ملاعب الغولف وحمامات السباحة في التجمعات السكنية المنتشرة في الساحل الشمالي، وطريق إسكندرية الصحراوي، والسويس، بالرغم من استهلاك الفدان الواحد من ملاعب الغولف 15 ألف متر مكعب من المياه سنويا، بحسب إحصائيات وزارة الري، وهي كمية تكفي لزراعة 3 أفدنة من الأرز، ويوجد 40 ملعب غولف في مصر على مساحة 40 ألف فدان، وهناك مطالب برلمانية لوزارة الري بالكشف عن كمية هذه المياه وعدم التستر على جريمة إهدارها، ولكنها تكتفي بمحاربة زراعة الأرز.
ويقول شكري إن رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، أحمد زكي عابدين، أعلن عن نقل 1.5 مليون متر مكعب يوميا من مياه النيل عند حلوان إلى العاصمة الإدارية الجديدة، لري 40 ألف فدان من أشجار الزينة، بمعدل أكثر من نصف مليار متر مكعب في العام، وهي تكفي لزراعة 130 ألف فدان من أصناف الأرز الموفرة للمياه، وتنتج 750 ألف طن من الأرز، وتغني المصريين عن استيراد الأرز تماما.

وعن تأثير الاستيراد على الفلاحين، يعتبر نقيب الفلاحين أن استيراد الأرز يخرب بيوت الفلاحين، ويحرم العمالة الزراعية من فرص العمل الموسمية التي تفتح بيوتهم أثناء موسم شتل الأرز، وموسم الحصاد. كما يحرم أكثر من 60 ألفا من العمالة الدائمة في شركات المضارب العامة والخاصة من العمل ويشرد أسرهم. ويرى شكري أن تخفيض مساحة الأرز يزيد فقر ومعاناة الفلاحين، ويراكم ديونهم.

تخريب الزراعة

يرى الباحث في علوم الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية، ناجي العزوني، أن تقليص مساحة الأرز سيضر بالأراضي الزراعية مرتفعة الأملاح. ففي محافظة الفيوم، ولأن أراضيها منخفضة، تترسب فيها الأملاح، ويزرع الفلاحون الأرز ليس فقط للربح الاقتصادي، ولكن لغسل الأرض من الأملاح، وبالتالي تحسين خصوبة التربة، ودون ذلك لن تصلح الأرض لزراعة محاصيل أخرى.

كما أن زراعة الأرز في أراضي شمال الدلتا في المساحات المجاورة للبحر الأبيض المتوسط والمتأثرة بالملوحة مهم، لأن تجمع مياه الري أسفل هذه الأراضي يمنع مياه البحر من التسرب تحتها وتمليحها. ويطالب العزوني بتطبيق الدورة الزراعية التي توفر 25% من مياه الري، وزراعة 1.5 مليون فدان أرز.

دلالات

المساهمون