أسواق الطاقة النووية في قبضة روسيا

أسواق الطاقة النووية في قبضة روسيا

14 نوفمبر 2014
مهندس روسي يعمل بغرفة تحكم محطة "بوشهر" النووية(فرانس برس)
+ الخط -

في قطاع الطاقة النووية، تحقق روسيا نجاحات لافتة، وتحتل موقعا متميزا حتى في أسواق منافسيها وخصومها الجيوسياسيين، وأولهم الولايات المتحدة الأميركية، وفيما تتحكم الأخيرة بأسعار مصادر الطاقة التقليدية (النفط والغاز) مباشرة أو عبر ضغوط تمارسها على أوبك، فإن روسيا تبدو خارج النفوذ الأميركي في ما يخص تجارة الوقود النووي، بل تبدو أميركا نفسها خاضعة للتفوق الروسي في هذا الشأن. حتى ذهب مراقبون إلى أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، بسبب موقفها في أوكرانيا، حررتها من أخذ الحسابات الأميركية بعين الاعتبار، فها هي توسع نشاطها النووي (الممنوع) في أراضي خصوم البيت الأبيض.

عودة إلى إيران

نشرت وكالة "إيتار تاس" الروسية، الإثنين الماضي، خبرا مفاده أن روسيا وإيران وقعتا في موسكو حزمة وثائق واتفاقات لبناء ثمانية مفاعلات نووية جديدة في إيران. وعلى وجه التحديد، تم إبرام عقد لتجهيز محطة نووية ثانية لتوليد الطاقة الكهربائية في "بوشهر" بمفاعلين ذريين جديدين. ويأخذ العقد بعين الاعتبار إمكانية مضاعفتها إلى أربعة مفاعلات، كما أن الطرفين عازمان على بناء أربعة مفاعلات إضافية في مواقع أخرى، لم يتم تحديدها بعد، كما يقول المصدر.

من جهته، تحدث رئيس شركة "روس آتوم" الروسية للصناعة النووية، سيرغي كيريينكو، عن بناء محطة "بوشهر" الإيرانية، فقال: "لم يفعل أحد في العالم ما فعلناه. فلقد أخذنا محطةً كان الألمان قد بدأوا ببنائها منذ أكثر من ثلاثين عاما. المحطة كانت ببساطة مهجورة. وحين بدأ اختصاصيونا العمل في "بوشهر" كان هناك ثقب في القبة، ناجم عن إصابة مباشرة بصاروخ ولا أحد سوى الاختصاصيين الروس كان يمكن أن يتغلب على هذه المشكلة".

اقتصاد المعرفة

وتشغل روسيا حالياً، واحداً من مراكز الصدارة في العالم بعدد المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية التي تبنيها وتطلقها للعمل في العالم. فهي، وفق موقع الوكالة الذرية الروسية "روس آتوم" الرسمي، تحتل 16% من سوق بناء المحطات النووية العالمية. علما بأن شركة "روس آتوم"، كما تقول وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، تقوم الآن ببناء ستة مفاعلات نووية خارج روسيا، وسبعة أخرى داخل روسيا، كما تجرى الاستعدادات لبناء أولى المحطات النووية في بنغلاديش وفيتنام وتركيا والأردن. ومن النجاحات التي تسجل لمؤسسة الطاقة النووية الروسية، تكنولوجياً واقتصادياً، بناء وإطلاق المفاعلين الأول والثاني في محطة "تيانوان" النووية الصينية لتوليد الطاقة الكهربائية، وكذلك توقيع عقد لبناء مفاعلين آخرين لهذه المحطة.

وكانت الشركة الروسية، قد حققت شيئا مشابها، في الهند، حيث تم الانتهاء من بناء وتجهيز المفاعلين الأول والثاني في محطة "كودانكولام"، ويجري الحديث عن توسيع هذه المحطة ببناء مفاعلين روسيين آخرين كلفة بناء المفاعل الواحد تتراوح بين أربعة و7سبعة مليارات دولار.

اللعبة الروسية

أما من وجهة نظر الاستثمارات بعيدة المدى، التي تقع في صلب نشاط الروس النووي-الاقتصادي، فهناك نقطة جوهرية في بناء المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، ينبغي عدم إغفالها، وهي أن العلاقة مع الجهة صاحبة الطلب لا تنتهي بإطلاق المفاعل وتصفيق المسؤولين أمام الكاميرات. إذ يبدأ الارتباط الفعلي بين الجهة صاحبة الطلب والجهة المنفذة. والروس يجيدون اللعب هنا، ويعرفون كيف يستخلصون منفعتهم ويبعدون منافسيهم.

تتمثل اللعبة الروسية، في أنّ الوقود النووي للمفاعلات التي تبنيها روسيا خارج البلاد فريد من نوعه وخاص، ولا يمكن شراؤه من أي مكان إلا لدى الشركة الصانعة للمفاعل. وهكذا، تربط روسيا زبائنها إلى أمد طويل. علما بأن الوقود النووي الذي يتم الحديث عنه ليس رخيص الثمن، مثله مثل أي منتج تكنولوجي معقد ومتطور.

وهكذا يضمن قطاع الطاقة النووية الروسي لنفسه سوقا مستقرة لعشرات السنوات إلى الأمام. علما بأن الوقود النووي الروسي، يستخدم اليوم في نحو سدس مفاعلات الكرة الأرضية، حسب معلومات حكومية.

ويشار هنا إلى ميزة تسويقية إضافية تتمتع بها الصناعة النووية الروسية، وهي أن روسيا تشغل 45% من سوق خدمات تخصيب اليورانيوم في العالم.

وفي تأكيد على ذلك، يقول سيرغي كيريينكو، رئيس شركة "روس آتوم": نحتل المرتبة الأولى في العالم بحجم تخصيب اليورانيوم، ونشغل المرتبة الأولى بالمطلق في بناء مفاعلات تعمل على النترونات السريعة. وروسيا، إضافة إلى ذلك، هي البلد الوحيد في العالم الذي يملك أسطولا من كاسحات الجليد النووية.

ويضيف رئيس "روس آتوم": "لدينا اليوم عقود مبرمة لبناء 20 مفاعلا في الخارج وتسعة أخرى في روسيا".

أميركا الأولى ولكن

تشتري الولايات المتحدة الأميركية، أيضا، اليورانيوم المخصب من روسيا. فقد أكدت "روس آتوم" أن قيمة العقود الموقعة مع شركات الطاقة الأميركية تبلغ حاليا بحدود 11.5 مليار دولار.

وتشغل الولايات المتحدة الأميركية، المرتبة الأولى في عدد المفاعلات النووية العاملة لديها، إذا يبلغ عددها هناك 104 مفاعلات، وتأتي بعدها فرنسا بـ 59 مفاعلا، ثم بريطانيا بـ 53، تليها روسيا بـ 29 مفاعلا. وحسب تقارير دولية متخصصة، فإن العدد الأكبر من المفاعلات النووية يبنى، حاليا، في الصين، حيث يجري العمل على بناء 28 مفاعلا، تليها روسيا بـ 10 مفاعلات، ثم الهند 6 مفاعلات، ثم الولايات المتحدة 5 مفاعلات، فاليابان والإمارات العربية المتحدة وباكستان وسلوفاكيا وتايوان وأوكرانيا، بمعدل مفاعلين ذريين في كل منها، وبعدها فرنسا والبرازيل وبيلاروسيا والأرجنتين، حيث يبنى مفاعل نووي واحد لتوليد الطاقة الكهربائية، في كل منها.

المساهمون