البطالة في الجزائر واقع ينخر في الاستقرار الأمني

البطالة في الجزائر واقع ينخر في الاستقرار الأمني

16 يونيو 2018
الجزائر تدرك الحجم الرهيب الذي آلت إليه البطالة(فرانس برس)
+ الخط -
تعتبر البطالة من المشاكل التي يُحسب لها ألف حساب لما لها من عواقب وخيمة قد تصل إلى الصراع والدمار كما هو الحال بالنسبة لبعض دول الربيع العربي التي علت فيها أصوات العاطلين عن العمل.

والجزائر تدرك تماما الحجم الرهيب الذي آلت إليه البطالة، خصوصا مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط والذي كانت له تداعيات كبيرة وخطرة على سوق العمل برُمَّته، وتشير التحذيرات من تزايد البطالة إلى أنه لا مفر للاقتصاد الجزائري من هذا الكابوس الذي سيؤدي إلى تدهور ملموس وسينخر الاستقرار الأمني للبلاد، ولا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الميؤوس منه.

تفيد إحصائيات منظمة العمل الدولية بأن معدل البطالة كنسبة مئوية من القوة العاملة في الجزائر بلغ 10% في 2017، وتقدر البطالة بين الذكور بـ 8.4% والإناث 17.4%، كما ارتفع حجم القوى العاملة إلى 12.1 مليون شخص مقابل 11.9 مليون في 2016.
وتعزى الزيادة بشكل رئيسي إلى الزيادة في نسبة السكان الباحثين عن فرص عمل، كما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل البطالة في الجزائر سيصل إلى 11.16% في 2018 و12.91% في 2020.

وأكدت دراسة صادرة عن المديرية العامة للخزينة الفرنسية أن معدلات البطالة بين الجزائريين ستتجه نحو الارتفاع بدءاً من 2018، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد والتي ستنعكس سلبا على النشاط الذي بدوره سيزيد وضع البطالة سوءاً.

وقد بدأت البطالة بالتفشي وسط الشباب، ولا سيما الإناث منهم، فقد بلغ معدل البطالة للفئة العمرية (15-24 سنة) حسب تقديرات منظمة العمل الدولية 23.87% في 2017، وقدر المعدل بين الذكور لنفس الفئة العمرية بـ 20.71% مقابل 39.05% بين الإناث في 2017.

والنمو الاقتصادي الذي ستحققه الجزائر في السنوات المقبلة سيكون كفيلا بمفاقمة أزمة البطالة في البلاد، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو بلغ 1.98% في 2017 ويصل إلى 1.84% في 2020 و0.66% في 2022، وهذه الأرقام من شانها أن تنمّي مخاوف لدى ملايين الشباب العاطلين عن العمل وتزعزع استقرار البلاد وأمنها.

ومن أهم أسباب انتشار البطالة في الجزائر نجد الاتكال على ما يوفره القطاع العام من فرص عمل، وهو الذي يعتبر المشغّل الرئيسي لليد العاملة، وهذا نتيجة طبيعية للطبيعة الريعية للاقتصاد والذي ظل لسنوات طويلة يتغذّى على عائدات النفط والغاز، لذلك تمثلت أهم الانعكاسات الخطرة لأزمة النفط التي بدأت منتصف 2014 في إغراق أغلب المؤشرات الاقتصادية الكلية بما فيها البطالة في المنطقة الحمراء.

منذ بداية ثورات الربيع العربي في يناير 2011 وبالتزامن مع الاحتياطات الكبيرة المجمعة خلال فترات ازدهار أسعار النفط، بدأت الحكومة تنفيذ مخطط كبير لتعزيز الأوضاع الاجتماعية لمواطنيها من خلال الإبقاء على سياسة دعم السلع الأساسيّة، صرف زيادات في الأجور، خلق واستحداث المزيد من فرص العمل، رفع أجور عمال عقود ما قبل التشغيل وإدماج العديد منهم في وظائف دائمة، قيام الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب (أونساج) بمنح قروض للشباب المقاول من أجل إنجاز مشاريعهم.

والسؤال: هل كانت هذه المشاريع جزء من رؤية شاملة للتنمية في الجزائر؟ أم كانت مجرد مُسكِّن مؤقت وإجراء ترقيعي لإعادة توزيع عائدات النفط لتهدئة الاحتقان الاجتماعي، حيث منحت تلك القروض بدون الإصرار على ضرورة امتلاك الراغبين بالحصول عليها على المؤهلات والخبرات اللازمة لإدارة تلك المشاريع.

وركز أغلب الأشخاص الذين حصلوا على تلك القروض على خدمات النقل وعلى مشاريع أخرى غير مجدية اقتصاديا وليست لها القدرة على تطوير الاقتصاد الوطني.

ورغم الامتيازات الكبيرة التي منحتها الحكومة للشباب من خلال تلك القروض، إلا أن العديد من المستفيدين تخلوا عن مشاريعهم، وهناك مستفيدون آخرون ما زالوا في نزاع مع البنوك بسبب عدم سداد الأقساط، وعندما تهاوت أسعار النفط جمدت الحكومة تمويل قائمة كبيرة من المشاريع، بالإضافة إلى تجميد التوظيف في القطاع العام، وهكذا وصلت الحكومة إلى مفترق طرق يصعب فيه الجمع بين السياسات الهادفة إلى تفادي الغليان الشعبي الذي قد يفجر ثورة تضاف إلى ﺛﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ والسياسات الهادفة إلى تقليل حدة أزمة انخفاض أسعار النفط.

وعن الفساد الذي ينهش جسد الوظيفة العمومية، فقد بين استطلاع الباروميتر (مقياس الرأي العام العربي) الصادر في 15 إبريل 2017 أن 6 جزائريين من أصل 10، أي بنسبة 58%، أكدوا شيوع استخدام الواسطة والمحسوبية في الحصول على وظيفة.

كما يعزى ارتفاع معدلات البطالة إلى ضعف القطاع الخاص والوضعية الصعبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني بدورها من عدة صعوبات كغياب مصادر التمويل، تخلف النظام المالي، ثقل الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات الإدارية.

كما تتحمل الجامعة أيضا جزء من مسؤولية الإخلال بالتوازن ما بين العرض المتزايد والطلب المتناقص في سوق العمل، فقد أفادت دراسة صادرة عن المديرية العامة للخزينة الفرنسية أن المنظومة الجامعية الجزائرية بحاجة ماسة لإصلاحات جذرية لان مخرجاتها لا تنسجم إطلاقا مع احتياجات سوق العمل، حيث أشارت تلك الدراسة إلى أن التحاق 65% من الجامعيين بكليات العلوم الاجتماعية والإنسانية أمر يفوق إمكانات سوق العمل ولا يلبي الاحتياجات الحالية للاقتصاد الذي يتطلب من الجامعيين التخصص في شعب وفروع أخرى.

وهكذا أدت الاستثمارات الكبيرة في التعليم العالي، والتي تلتهم كميات ضخمة من ميزانية الدولة، وفي غياب خطط استراتيجية إلى اتساع الفجوة بين رأس المال البشري ومتطلبات سوق العمل، مما يقود بالتالي إلى تفشي البطالة بين خريجي الجامعات. كما أن هذه الأخيرة ترجع أيضا إلى قلة التدريب الذي جعل من الخرجين أقل تكيفا مع احتياجات سوق العمل، وحتما سيتضاعف عدد العاطلين عن العمل إن لم تطبق الحكومة إصلاحات واسعة النطاق تمكّن من خلق التناسق بين سوق العمل وقطاع التعليم العالي الذي من المفترض أن يتماشى مع خطط التنمية الشاملة للبلاد. 

غالبا ما يلجأ الأشخاص الذي فشلوا في الحصول على وظيفة في سوق العمل الرسمي المنظم إلى السوق غير الرسمي والذي يوفر وظائف غير دائمة دون إبرام عقود وبدون تغطية الضمان الاجتماعي، نظرا لانتعاش هذا السوق الموازي في الجزائر والذي يضيع على الاقتصاد الوطني فرصاً كبيرة للنمو والازدهار.

تعتبر البطالة كذلك من أهم الأسباب التي تدفع بالشباب اليائس إلى اختيار الهجرة غير الشرعية لأوروبا أو ما يعرف محليا بالحرقة، هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر والتي تنبعث منها رائحة الموت، إذ ينجح القليل في الانتقال إلى الضفة الشمالية الأخرى حيث العشب أكثر خضرة، بينما يلقى الكثير من المهاجرين غير الشرعيين حتفهم في قوارب الموت، وهكذا فإن الجزائر تهدر ثروتها الحقيقية المتمثلة في الموارد البشرية الشابة.

أزمة البطالة في الجزائر باتت واقعاً حقيقياً تتطلب حلا جذرياً لا شكلياً، لذلك يُعدّ التنويع الاقتصادي التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومة والتي يجب عليها أن توجه دفة الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على القطاع العام وريع النفط، وذلك إن كانت ترغب بالحصول على مصدر لتوفير فرص العمل بشكل مستقل عن تقلبات أسعار النفط.