الأزمة الاقتصادية تسرق فرحة المصريين بـ"شم النسيم"

الأزمة الاقتصادية تسرق فرحة المصريين بـ"شم النسيم"

16 ابريل 2017
غلاء الأسماك في مصر (Getty)
+ الخط -
طقس تاريخي، بعضهم يرجعه للعهد الفرعوني، وأقلية تضفي عليه صبغة دينية، لكن، بكل الأحوال، لا تخلو موائد المصريين في أبريل/ نيسان سنوياً، على الخصوص يوم "شم النسيم"، من أسماك الرنجة المملحة، والبوري المعتق "الفسيخ" والمملحة، والبيض الملون.

لكن كثيراً من المصريين سيضطرون إلى التخلي عن جزء من وجبتهم التقليدية تلك، والتي ستلتهم الأزمة الاقتصادية منها هذا العام حصة لا بأس بها.

ويتزامن "شم النسيم" مع احتفال المسيحيين المصريين بذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشيلم القدس، وانتهاء أيام الصوم الكبير التي تمتد لـ55 يوماً، لكن "العيد" أقدم هنا، إذ اعتاد المصريون الاحتفال بشم النسيم منذ ما يقرب من خمسة آلاف عام، كما تقول جداريات فرعونية، وكانوا يحيون اليوم بتقديم الرجال زهرة "اللوتس" إلى نسائهم.

روائح الأسماك هنا أكثر انتشاراً تملأ أنوف المارة في أبريل/ نيسان أكثر من غيره من الأشهر، وتبدو شوارع العاصمة "القاهرة" أكثر استعداداً لاستقبال "شم النسيم". المحتشدون أمام المحال التي تبيع صنوف الغذاء الطقسية لهذه الفترة، يتبادلون التهاني، لكن حركة البيع تشهد تراجعاً نسبياً هذا العام.

وتسببت الأوضاع الاقتصادية في تراجع نسبة المبيعات المرتبطة بشم النسيم هذا العام، إلا أنها لم تنقطع، فكما تقول هدى محمد، (ربة منزل تعيش بمنطقة الدقي غرب القاهرة): "لا يمكن الاستغناء عن هذه العادة التاريخية".

"لا بد أن تحتوي السفرة الفسيخ والرنجة والبصل" هكذا تؤكد السيدة ارتباط أسرتها بمأكولات الربيع، إلا أنها تشير إلى تراجع الكميات التي اعتادت على شرائها سنوياً.

في العام الماضي، اشترت السيدة ثلاثة كيلوغرامات من أسماك الرنجة، واثنين من الفسيخ، لأسرتها المكونة من ستة أفراد، وكانت التكلفة تصل لـ 250 جنيهاً، (13 دولاراً)، لكن هذا المبلغ لن يكفي لشراء نصف الكمية حالياً.

وتلفت هدى إلى موضع آخر طاولته نيران الأسعار، فهي ستقضي شم النسيم هذا العام بمنزلها بعدما ارتفعت أسعار رسوم دخول الحدائق والمتنزهات العامة، وكانت تعتاد الذهاب وأسرتها إلى حديقة الجزيرة المطلة على نهر النيل بقلب العاصمة.

وتقول: "كانت تكلفة الخروج إلى الحدائق يوم شم النسيم تقترب من 100 جنيه للأسرة (نحو ستة دولارات)، لكن هذه المرة ثلاثة أضعاف هذا المبلغ لن تكفي".

ويبلغ متوسط الدخل السنوي للأسرة في مصر 44.2 ألف جنيه (2450 دولاراً) في عام 2015، حسب إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) صدرت في يوليو/ تموز الماضي.

انقلاب ربيعي وآخر سعري

قديماً حدّد المصريون أعياد الربيع بالتزامن مع ظاهرة فلكية كانوا يسمّونها بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذى يتساوى فيه الليل مع النهار، ويقع في 25 من شهر برمهات، أحد الأشهر القبطية القديمة، ويتزامن مع أواخر مارس/ آذار، ومطلع أبريل/ نيسان، لكن الانقلاب هذه المرة كان في "الأسعار أيضاً"، كما يقول محمود السيد (35 عامًا)، موظف بشركة قطاع خاص مصرية.

محمود يشير إلى أن أسعار المنتجات المرتبطة بشم النسيم ارتفعت بشكل جنوني، فزادت أسعار بعض السلع 30 جنيهاً في الكيلو الواحد (دولار و50 سنتاً تقريباً).

ويضيف: "العام الماضي، اشتريت كيلو الرنجة بـ 25 جنيهًا، أو 30، لكن هذا العام وصل لـ 50 جنيهًا، وزادت أسعار الفسيخ الضعف أيضاً"، وهو ما أثر على الكميات التي كان ينوي شراءها.

لا تتوقف طقوس المصريين عند أكل السمك المملح، فيحرص محمود السيد على إحضار البيض لأطفاله لتلوينه في يوم شم النسيم كطقس تقليدي واسع الانتشار، لكن البيض هو الآخر لم ينج من الاحتراق بنار الأسعار وارتفع سعر الطبق الذي يحوي 30 بيضة إلى 36 جنيهًا بعدما كان ثمنه 18 جنيهًا في العام الماضي (دولار واحد).

لكن محمد لبيب، صاحب محل لبيع الفسيخ والرنجة، يرجع زيادة الأسعار إلى قلة بعض الأسماك، خصوصاً البوري، والذي يصنع منه الفسيخ، وتسبب تصديره في ارتفاع سعر الفسيخ من 80 جنيهاً العام الماضي إلى 120 جنيهاً هذا العام. ويكشف أن الزيادة تقريباً نحو 40%، لكل المنتجات المرتبطة بأعياد الربيع.

ويؤكد كذلك أن سعر أسماك الرنجة ارتفع أيضاً لأنها تستورد من الخارج، وتسبب قرار تحرير سعر صرف الجنيه (المصري أمام العملات الأجنبية الذي اتخذته الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خريف 2016)، في رفع سعرها.

ويشير إلى أن أسعار "الفسيخ والملوحة والسردين" ارتفعت أيضاً ووصل الأول إلى ما بين 120 و140 جنيهًا، والرنجة 50 جنيهًا، والسردين 60 جنيهًا، والملوحة تراوح ما بين 100 و150 جنيهًا.

ولم تختلف التفسيرات الرسمية لارتفاع الأسعار عما قاله الزبائن والتجار، فيقول طارق فهمي، عضو الغرفة التجارية لصناعة الأسماك، إن تراجع المعروض من السمك تسبب في ارتفاع الأسعار، وتأثر السوق المصري بارتفاع الدولار خلال الفترة الأخيرة.

ويؤكد أن جميع أنواع السمك تأثرت فارتفعت أسعار أسماك البوري، وهي التي يصنع منها الفسيخ لـ 60 جنيهًا قبل تجهيزه، وهو ما تسبب في وصول الكيلو منه إلى 120 جنيهًا، ومن المتوقع زيادة السعر.

(الأناضول)

المساهمون