تعطّل إنتاج الفوسفات يربك موازنة تونس ويحاصر اقتصادها

تعطّل إنتاج الفوسفات يربك موازنة تونس ويحاصر اقتصادها

19 فبراير 2018
مرافئ التصدير تنتظر عودة إنتاج الفوسفات (فتحي بليد/فرانس برس)
+ الخط -


وسط احتجاجات مستمرة حتى اليوم، يضع وقف إنتاج الفوسفات منذ نحو 3 أسابيع اقتصاد تونس في مواجهة تحديات جديدة بعد أن خسرت البلاد خلال هذه المدة المصدر الأول للعملة الصعبة، ما يهدّد بإرباك الموازنة وخطط الاستثمار التي تعول عليها الدولة لتحقيق نسبة نمو لا تقل عن 3% مع نهاية العام.

ومنذ نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي فجّر الإعلان عن نتائج مناظرة (مسابقة) توظيف في شركة فوسفات قفصة الحكومية موجة من الغضب العارم في منطقة المناجم انتهت بإغلاق المحتجين لكل مواقع الإنتاج وسكة النقل الحديدي، ما تسبب في شلل أحد أهم أذرع الاقتصاد التونسي الذي وشّحته تصنيفات الاتحاد الأوروبي مؤخرا بالسواد.

وسيؤدي وقف إنتاج الفوسفات إلى تغيير كل الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2018، وسيمتد التأثير إلى السنوات القادمة نظرا لانحسار الخيارات التي ستواجه عبرها الحكومة هذه الخسائر حسب محللين.




ويرى الخبير الاقتصادي رضا شكندالي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن استرجاع أسواق الفوسفات التصديرية التي خسرتها تونس يحتاج سنوات من العمل لاسترجاعها، مشيرا إلى أنه بالرغم من تحسن مؤشرات الإنتاج سنة 2017 فإن تونس لم تتمكن من تنمية صادراتها من هذه المادة الحيوية نظرا لهشاشة الوضع الاجتماعي.

وقال شكندالي إن الحكومة قد تضطر لخروج غير مبرمج للاقتراض من السوق العالمية لردم فجوات جديدة في الموازنة فرضتها التطورات في منطقة الحوض المنجمي، مؤكدا أن الخروج سيكون محفوفا بالمخاطر بسبب التصنيفات الأخيرة لتونس على القائمات السوداء للبلدان المتهمة بالتهرب الضريبي وغسل الأموال.

وتوقع الخبير الاقتصادي أن تواجه الحكومة صعوبات كبيرة في التصرف في موارد الموازنة بسبب هشاشة الفرضيات التي بنت عليها ميزانية 2018 والتي كشفت عن عيوبها في وقت مبكر من السنة، بحسب قوله.

واستبعد المتحدث أن تتمكن الحكومة من تحصيل إيرادات جبائية كبيرة، موضحاً في السياق ذاته أن ارتفاع سعر البترول إلى أكثر من 65 دولارا للبرميل الواحد سيعصف أيضا بموازنة البلاد التي بنت الموازنة على فرضية 54 دولاراً للبرميل.

وتوقع اللجوء إلى إقرار موازنة تكميلية في وقت مبكر من السنة وتحويل جزء من النفقات المخصصة للاستثمار لمجالات أخرى، ما يعني تأجيل رفع نسبة النمو إلى سنوات لاحقة بحسب تأكيده.

وتستعد تونس بداية مارس/ آذار المقبل إلى الخروج للسوق العالمية بحثًا عن مليار دولار، فيما ينصح عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي إلى ضرورة تأجيل هذا الخروج إلى حين استقرار الوضع نسبيا لتجنيب البلاد تحمّل نسبة الفائدة العالية لهذا القرض.

وبالرغم من قتامة الوضع الاقتصادي اعتبر محافظ البنك المركزي الجديد مروان العباسي أن الأمر ليس مستحيلا متعهدا أمام البرلمان الخميس الماضي بإجراءات سريعة لتعديل الميزان التجاري. ولا يرى محافظ البنك المركزي بدائل كثيرة لحلحلة الوضع غير استرجاع آلات الإنتاج ومن أهمها الفوسفات.

غير أن تصريحات الناطق الرسمي لشركة فوسفات قفصة علي الهوشاتي لـ "العربي الجديد" أكدت أن إنتاج الشركة هبط إلى 160 ألف طن من الفوسفات في فترة الاحتجاجات مقابل مليون طن كانت مستهدفة.

وقال الهوشاتي إن تونس بصدد فقدان سمعتها في الأسواق العالمية وهي مهددة بخسارة عقود تصدير مهمة أبرمتها في المدة الأخيرة، مشيراً إلى أنها المرة الأولى في تاريخ شركة فوسفات قفصة التي يوقف فيها الإنتاج بكامل المغاسل.

وحسب تقارير رسمية، تعاني تونس من مشكلات اقتصادية مختلفة ارتفعت حدتها العام الماضي، تتمثل في ارتفاع العجز التجاري بنسبة 23% مقارنة مع 2016، وهبوط أسعار صرف الدينار مقابل الدولار واليورو بنسبة بلغت 9%.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي كشفت بيانات معهد الإحصاء الحكومي أن نسبة التضخم ارتفعت إلى 6.9 % مقابل 6.4 % في ديسمبر/ كانون الأول 2017 وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ 20 عاما.

ويقول الخبير المالي حكيم حمودة، الذي نصح بتأجيل خروج تونس للسوق العالمية لاقتراض مليار دولار، أن السلطات النقدية في البلاد مدعوة للتركيز على تحسين المؤشرات الداخلية واسترجاع إنتاج الفوسفات. وأشار حمودة في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن إجراءات استثنائية وعاجلة لترشيد الواردات يمكن أن تعالج الوضع في فترة وجيزة.

وقال إن جزءاً من التضخم الذي تعاني منه البلاد مستورد ويمكن التحكم فيه عبر وقف نزيف التوريد للمواد الكمالية مقابل حفز أكبر قدر ممكن من الصادرات وتنشيط الدبلوماسية الاقتصادية لتفادي تداعيات تصنيف تونس على اللوائح السوداء.

وفي 7 فبراير/ شباط الجاري أدرج البرلمان الأوروبي تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.