منتجو الحليب والأجبان بالضفة الغربية ضحايا جدد لتداعيات كورونا

منتجو الحليب والأجبان بالضفة الغربية ضحايا جدد لتداعيات كورونا

18 ابريل 2020
الحكومة وعدت بشراء كميات كبيرة من الحليب (فرانس برس)
+ الخط -
يكشف إتلاف مزارعين فلسطينيين من مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، لأطنان من الحليب، أخيرا، صعوبات جمة تواجه قطاع "مزارع الأبقار وإنتاج الحليب والألبان"، بسبب ضعف التسويق، وعدم استيعاب المصانع لإنتاج المزارع، الأمر الذي برز بعد إعلان حالة الطوارئ والحجر المنزلي الإلزامي في فلسطين، لمنع تفشي وباء كورونا الجديد.

وعادة ما يسوّق أصحاب مزارع الحليب في الضفة الغربية منتجاتهم لمصانع إنتاج الألبان، ومحلات الحلويات، والعاملين في مجال تصنيع الأجبان، وهذه القطاعات كانت تستوعب كامل إنتاج الحليب، ولكن في ظل حالة الطوارئ، خفضت المصانع قدرتها الإنتاجية، كما أن محلات الحلويات مغلقة.

ويعتبر قطاع إنتاج الحليب من الروافد الأساسية للاقتصاد الفلسطيني، حيث تشير إحصاءات وزارة الزراعة الفلسطينية إلى أن عدد مربي الأغنام يبلغ حوالي 47 ألفا، وعدد مربي الأبقار 1200، بالإضافة لآلاف الأيدي العاملة في هذا المجال. ويمتلك المزارعون نحو 900 ألف رأس من الغنم والماعز تنتج قرابة 170 ألف طن من الحليب سنويا يذهب نصفها لرضاعة المواليد وما يتبقى يستخدم للاستهلاك المحلي وصناعة الألبان والأجبان، كما يحوزون 25 ألف رأس لبقر حلوب تنتج 165 ألفا من الحليب سنويا والتي تذهب لتصنيع الجبن واللبن الرائب.

خسائر فادحة

لا يفلح المزارع ماهر الأخرس الذي يملك مزرعة بها نحو ألف رأس من الأبقار في بلدة سيلة الظهر بين نابلس وجنين شمال الضفة، إلا بتسويق ربع كميته إنتاجه من الحليب البالغة 20 طنا يوميا بكلفة تناهز 17 ألف دولار، كما لا يوجد لديه خزانات لحفظ الكميات المتبقية، وفي اليوم التالي يتكرر المشهد.

يقول الأخرس لـ"العربي الجديد" "إننا لم نعتد هذه الظروف من قبل، ما كنّا ننتجه نبيع معظمه لمصانع الألبان ومنتجي الأجبان، لكن الفائض اليوم بات فوق القدرة على الاحتفاظ به، هذا حليب ليس للتخزين، بل للتصنيع، والأهم لا يوجد مصنع لديه طاقة تخزينية تستوعب مئات الأطنان الزائدة".

الأخرس كغيره من مربي الأبقار ومنتجي الحليب، جهزوا أنفسهم قبل أشهر قليلة لزيادة إنتاجهم نظرا لما درجت عليه العادة في شهري شعبان ورمضان من استهلاك مضاعف لمنتجاتهم. يقول: "هذا موسم يتزايد فيه الإقبال على تناول الحلويات، خاصة في رمضان، لذا فالسوق تستوعب كل كميات الحليب والأجبان، بل قد نضطر أحيانا للاستيراد، لذلك هيأنا أنفسنا لنزيد من إنتاج الحليب، لكن ما حصل هو العكس تماما، لقد أصبحت خسائرنا فادحة".

الصورة مشابهة تماما لدى المزارع محمد الحج من قرى نابلس، فخسارته تقدر بالملايين، حيث يقول "العربي الجديد" إن "الكلفة التشغيلية لمزرعتي تزيد عن ثلاثمائة ألف دولار شهريا، نحن مضطرون لأن نجلب الأعلاف يوميا، ونحلب الأبقار ونرعاها صحيا، ونزيل الأوساخ، وغيرها من الأعمال، إضافة لصرف رواتب العاملين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم لأنهم يقومون بكل ما ذكرته، هذا عبء مالي علينا سواء بعنا الحليب أم لا". ويوضح الحج أن "نابلس مدينة الحلويات، كما هو معروف باتت فيها اليوم كل المحلات مغلقة، فالمصنع الذي كنّا نورد إليه الحليب لم يعد يعمل إلا بربع قدرته، البيع بالمفرق لا يجدي أبدا، نحن على شفير الهاوية".

معاناة من انخفاض حجم المبيعات

وتعاني مصانع الألبان في الضفة الغربية من انخفاض حجم المبيعات، نتيجة صعوبة التوزيع وانخفاض الحركة التجارية، كما أنها لا تستوعب كميات الحليب التي كانت تستوعبها سابقا، نظرا لعدم توافر عبوات تخزين الحليب طويل الأمد؛ بسبب تعطل المصانع العالمية، حيث يتم استيراد هذه العبوات من الخارج.

ويعد مصنع الصفا للألبان الوحيد في شمال الضفة الغربية الذي يستوعب حليب المزارعين في المنطقة، لكنه يعاني بسبب عدم وجود سعة في خزاناته، إذ إن قدرته الإنتاجية تتراوح بين 15-25 طنا يوميا، في الظروف العادية، لكن ما يصله هو الضعف تقريبا، وفي ظل قدرة إنتاج لا تصل إلى الربع.


وأوضحت مديرة مصنع الصفا ناريمان أبو عطوان لـ"العربي الجديد"، أن الحل يكمن بالعمل على دمج منتجات المصنع ومنتجات مصانع الألبان الوطنية الأخرى ضمن وحدات الدعم المقدمة للفقراء وذوي الدخل المحدود بما يسهم في توزيع هذه المنتجات ويعزز قدرة المصانع على استقبال إنتاج المزارعين.

مبادرات إغاثية

وفي وقت يطالب فيه المزارعون الحكومة الفلسطينية والمؤسسات المعنية بشراء منتجاتهم بسعر التكلفة، لفت وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري في تصريح صحفي، إلى أنه جرى التوافق مع مجموعة شركات في القطاع الخاص، وجمعيات إغاثية وزراعية لشراء كميات كبيرة من الحليب من أجل التخفيف عن الفلاحين ومربي المواشي، وبيعها للمستهلك بسعر عادل للطرفين.

ونفذت جمعية الإغاثة الزراعية الفلسطينية حملة "إحنا معكم" لتسويق أجبان المزارعين للمستهلك مباشرة، بعد أن تدنت الأسعار من نحو ستة دولارات للكيلوغرام الواحد إلى النصف تقريبا. يقول مدير الإغاثة الزراعية منجد أبو جيش لـ"العربي الجديد" إن "حماية المزارعين ومنتجي الأجبان والألبان تحديدا يسهم في عدم انضمامهم لقائمة البطالة وانهيار هذا القطاع الحيوي، لا سيما أننا في ذروة مرحلة إنتاج الأجبان، لقد عملنا على إحداث توازن في السعر وتقليل الخسائر قدر المستطاع، كما وفرت الحملة سيولة نقدية للمزارع ساعدته على الصمود والبقاء".