من سيفوز بذهب ليبيا الأسود؟

من سيفوز بذهب ليبيا الأسود؟

22 يونيو 2020
النفط والغاز يغريان دولاً عدة بالتدخل في ليبيا (GEETY)
+ الخط -
واحد من أبرز الأسباب التي تدفع دول عدة نحو التدخل في الشأن الداخلي الليبي هو الحصول على حصة من كعكة الطاقة الضخمة التي تمتلكها البلاد، إذ تعوم على بحار من النفط الخام والغاز الطبيعي، تتساوى في ذلك دوافع روسيا وتركيا والإمارات وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول العربية والأوروبية.

لا ننكر أن هناك أسباباً أخرى جيوسياسية وأمنية وربما توسعية وراء تدخل بعض الدول في الشأن الليبي، من بين الأسباب مثلا حماية أمنها القومي وحدودها الغربية كما هو الحال مع مصر، أو اجتثاث الإسلام السياسي ووأد أي تجربة ديمقراطية في المنطقة، كما هو الحال مع الإمارات التي من بين أسباب تدخلها أيضا مناكفة تركيا في منطقة حوض البحر المتوسط.

أو أن يكون التدخل لأسباب تتعلق بمحاولة توسيع رقعة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، والهيمنة على مقدرات واحدة من أغنى دول جنوب شرق المتوسط، والفوز بكعكة الإعمار وإبرام صفقات لشركاتها بمليارات الدولارات كما هو الحال مع روسيا.

لكن تظل كعكة النفط والغاز هي السبب الأكثر قوة وراء تدخل قوى إقليمية ودولية في الشأن الليبي، ومحاولة السطو على ثروات ومقدرات الشعب الليبي التي أضاع جزءاً كبيراً منها واحد من أبرز الديكتاتوريين العرب، وهو معمر القذافي، الذي حكم البلاد بالحديد والنار لمدة 42 عاما، ضيع خلالها مليارات الدولارات على زعامات فارغة، ومحاولة تقليد تجربة جمال عبد الناصر في التحرر الوطني، وحلم القذافي في أن يكون ملك ملوك أفريقيا.

ليبيا تعوم على بحار من آبار النفط، ومياهها الإقليمية تعوم على واحد من أكبر حقول إنتاج الغاز في منطقة البحر المتوسط كما تقول بعض الدراسات، ويبلغ احتياطي ليبيا من الغاز حوالي 54.6 تريليون قدم مكعبة، ما يضعها في المرتبة 21 عالميا من احتياطات الغاز.

وتحتل ليبيا المركز الخامس عربيًا في احتياطي النفط الخام المؤكد، الذي يصل إلى 48.5 مليار برميل، وهو ما يعادل 3.76% من الاحتياطي العالمي، حسب بيانات منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك". كما تحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة لبلدٍ في العالم.

واحتياطيات النفط في ليبيا هي الأكبر في قارة أفريقيا. وحتى في حال عدم اكتشاف آبار وحقول نفط جديدة فإن الاحتياطات النفطية من المؤكد أن تستمر لمدة 77 سنة إذا ما تواصل الإنتاج بالمعدل الطبيعي البالغ 1.2 مليون برميل يوميا يرتفع إلى 1.5 مليون في وقت الذروة وكما كان يحدث قبل العام 2011.

كما منحها قربها من الدول الأوروبية وأسواق النفط العالمية ووقوعها على ساحل البحر المتوسط عدة مزايا في تسويق نفطها وبيعه بسهولة، إضافة إلى مزايا أخرى منها قلة تكاليف إنتاج واستخراج النفط والتي تصل إلى دولار واحد للبرميل في بعض الحقول مقارنة بنحو 40 دولارا في دول أخرى، وربما أكثر كما هو الحال مع النفط الصخري الأميركي.

وتحتوي الأراضي الليبية على أحواض وحقول وموانئ نفطية ضخمة درت دخلا يتجاوز 22.5 مليار دولار في عام 2019 لبلد لا يزيد عدد سكانه على ستة ملايين نسمة، وهو ما يمكن أن يحول المواطن الليبي إلى واحد من الأعلى دخلا، ليس في المنطقة فقط، بل وفي العالم بشرط استقرار البلاد وتوجيه هذه الأموال لتمويل مشروعات إعادة الإعمار والبنية التحتية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية ورفع المستوى المعيشي بدلا من تمويل حرب أهلية تدور رحاها منذ عام 2011.
لكل هذه الاعتبارات وغيرها يعد النفط الليبي مطمعا للعديد من دول العالم، خاصة الدول الاستعمارية السابقة، لكن كل هذه الدول تتجاهل حقيقة وهي أن هذا النفط والغاز وغيره من الثروات الكامنة في التراب الليبي هي ملك للشعب الليبي الذي يملك وحده حرية التصرف به، وتحديد أسلوب إدارة الفوائض المالية الناتجة عن بيعه.

المهم أن تضع الحرب أوزارها أولاً، وقبلها تتوقف هذه الدول عن إشعال بارودها واشعال تلك الحرب الأهلية التي تأكل الجميع، وتترك للشعب الليبي حرية التصرف في ثروات بلاده، وقبلها حرية تحديد مستقبل بلده السياسي.

المساهمون