الليرة تخلخل نظام الأسد

الليرة تخلخل نظام الأسد

16 يناير 2020
فقدت الليرة قدراً كبيراً من قيمتها الشرائية (فرانس برس)
+ الخط -
يدلل تهاوي سعر صرف العملة السورية، يوماً تلو آخر، على أن نظام بشار الأسد غير قادر على إدارة الاقتصاد، بل وعاجز عن كفاية السوريين الذين فاقت نسبة تفقيرهم 90%، بعد أن تهاوت الليرة إلى أدنى سعر صرف بتاريخها، حتى ولو أعادت له الحليفة روسيا، كامل الأراضي لسيطرته وفقدانه ذريعة "المتطرفين والمؤامرة على سيادته".

فبعد تسع سنوات متواصلة من قتل الطاقات البشرية وتهجيرها، وتهديم الاقتصاد، بنى وهياكل، حتى نافت خسائر حرب نظام الأسد على الثورة والسوريين، خسائر الحرب العالمية الثانية، يبدو من الاستحالة، السيطرة على سورية بالذهنية والأدوات السابقة، أو إعادة السوريين إلى حظيرة ما قبل عام 2011، ليحكمهم النظام الوراثي، بالحديد والتخويف، أو حتى بشعارات الممانعة ومواجهة الأطماع الاستعمارية والمؤامرات الكونية.

فالليرة، وعلى اعتبارها من دلالات السيادة، التي فقدها الأسد الابن جميعها، إثر مقايضة كرسي أبيه بأربعة أعلام محتلين ترفرف بسماء سورية، وتحويل الأرض السورية لحروب بالوكالة وتصفية الحسابات، وحاجة سمائها لشرطي مرور ينظم حركة الطيران الدولي الذي يقصف أنى اقتضت مصالح المتصارعين، باتت العملة والمعيشة، الضاغط الأكبر على النظام، وربما تحققان ما عجزت عنه المعارضة والسياسة مجتمعتين.
ولأن الاقتصاد لغة الأرقام وقليلا ما يقبل بالجنوح والتنجيم، تعالوا نقلب بعض صفحات ما فعلته العملة السورية خلال أيام، على صعيد معيشة السوريين وخلخلة نظام بشار الأسد.

خسرت الليرة منذ مطلع العام الجديد، أكثر من 20% من قيمتها، وقت سجل الدولار 1150 ليرة، لتضاف الخسائر إلى نحو 50% لحقت بالعملة العام الفائت، ليأكل غلاء الأسعار والتضخم النقدي أجور السوريين التي لا يزيد وسطها عن 55 ألف ليرة، بواقع معيشي كلفته الدنيا للأسرة السورية 450 ألف ليرة شهرياً.

وترافق الغلاء وتفقير السوريين، مع تراجع عرض السلع الأساسية، وبمقدمتها حوامل الطاقة جميعها، فخرج بعض سوريي الداخل بمظاهرات "بدنا نعيش" بمدينة السويداء جنوبي البلاد.

ووصل الامتعاض والدعوات لمقاطعة شراء البضائع، حتى معاقل النظام بمدن الساحل السوري، غربي سورية. بعد أن فجّر تصريح مستشارة بشار الأسد، بثينة شعبان، صمت السوريين بقولها "الاقتصاد السوري اليوم، أقوى بخمسين مرة من عام 2011".

من المنطق ربما، قبل أن نأتي على قدرة نظام الأسد على ضبط الوضع وتوقيف زحف الانهيار، الإشارة ولو سريعاً، إلى المستجدات التي طرأت على الاقتصاد السوري حتى تهاوت الليرة إلى ما قبل الانهيار بقليل.
لعل المستجد الأهم، هو عودة التظاهرات إلى شوارع وساحات لبنان، ما أفقد الأمل باسترداد الإيداعات السورية هناك، والتي تزيد، وفق تقديرات، عن 35 مليار دولار، كما عطلت انتفاضة اللبنانيين عمليات التجارة التي كانت تتم عبر لبنان وحوالات مصارفها التي لا تمنح المودعين اليوم، أكثر من 300 دولار أسبوعياً، بل وتحولت السوق النقدية السورية رغم بؤسها، إلى ملاذ للتجار السوريين واللبنانيين، ليمولوا عبر دولارها، عقودهم المبرمة وصفقاتهم التجارية.

وأثر فقر إيران واشتداد العقوبات والحصار عليها، على عرض الدولار بالسوق السورية، بعد أن أوقفت، أو قللت للحدود الدنيا، رواتب ورشى النظام والمقاتلين المرتزقة بسورية، لتتعاظم مخاوف السوريين من مصير عملتهم، ويزيدوا الطلب على العملات الرئيسية بهدف الادخار والتحوط.

طبعاً، هذه المستجدات تضاف إلى الأسباب الحقيقية الاقتصادية التي أوصلت الليرة إلى هذا الدرك، سواء شلل الإنتاج وتراجع الصادرات وانعدام السياحة، أو ربما الأهم، تبديد الاحتياطي النقدي الدولاري الذي زاد عن 18 مليار دولار مطلع ثورة السوريين عام 2011، ما أفقد النظام القدرة عن أي تدخل، بل وصل به الحال لتوكيل القطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وطحين خبز السوريين.

والسؤال الذي يتوثب على شفاه السوريين اليوم، هل يستطيع نظام بشار الأسد، أن يقف بإمكاناته شبه المعدومة، بوجه سيل تدهور العملة، أم أن سورية، ستشهد مع زيادة الغلاء والفقر والبطالة، ثورة جياع تغيّر من كامل شروط لعبة الكبار، الذين آثروا بقاء نظام الأسد، ليؤدي كامل الدور الوظيفي وتحويل سورية إلى دولة بائسة وفاشلة.

أرجح الظن أن نظام بشار الأسد، بل وحتى شركاءه، بطهران وموسكو، عاجزون عن استعادة ثقة السوريين بالليرة أو وقف تدهور سعرها، لأن ساعة صفر عقوبات قانون "سيزر" تقترب، ما يجعل منح أي مسكنات لميت، ضرباً من الحماقة والجنون، كما يلغي صفة الجبن، عن إحجام أي رأسمال، من الاستثمار أو ضخ أي أموال باقتصاد مرشح للانهيار.
ليبقى السؤال المفتوحة إجاباته على جميع الاحتمالات، هل سيسقط نظام بشار الأسد من بوابة الاقتصاد؟

غالب الظن أن الدول الكبرى والمحتلة وذات المصالح، لن تسمح بسقوط نظام بشار الأسد، الآن على الأقل، بل في مصلحتهم جميعاً، مزيداً من إضعافه ليقبل صاغراً بشروط بدأت ترشح، هندستها تركيا وروسيا عبر لقاء القادة الأمنيين بموسكو أخيراً، تشير إلى بقاء نظام الأسد بالحكم وإن شكلياً، مع إدخال بعض وجوه المعارضة كحكومة واسعة الصلاحيات، ووعد الأسد بحقه بالترشح العام المقبل للرئاسة لأربع سنوات فقط.

وأما نتائج تلك الاتفاقات، إن صحت طبعاً، على سورية ومعيشة أهلها، فذاك آخر بند بقوائم المصالح والسياسيين.

المساهمون