تعاملات مشبوهة... عقارات الجزائر ميدان خصب لغسل الأموال

تعاملات مشبوهة... عقارات الجزائر ميدان خصب لغسل الأموال

11 اغسطس 2018
70% من تعاملات العقارات تتم في السوق السوداء(Getty)
+ الخط -
تحول سوق العقارات في الجزائر  إلى ميدان خصب لغسل رؤوس الأموال الناشئة من أعمال مشبوهة، واستغل البعض تداول أكثر من 70% من العقارات في السوق السوداء بعيداً عن عيون الدولة لإخفاء الأموال المشبوهة. 

وكشفت عدة قضايا، خلال الفترة الأخيرة، عن ضلوع رجال أعمال كبار في هذا الملف وأبرزها قضية كمال الجزار أكبر مستوردي  اللحوم في الجزائر، المتهم باستيراد ممنوعات في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وما تكشف من امتلاكه عقارات ضخمة وفاخرة، ما يدل على اعتماد أصحاب الأموال المشبوهة على العقارات لتحويل النقود إلى ممتلكات "لا غبار" عليها.

ورغم محاولات الحكومة الجزائرية فرض التعاملات الرسمية للعقارية وعقوبات على المتعدين على القانون، إلا أن الواقع يثبت أن السواد الأعظم من الوكالات العقارية ومكاتب "السماسرة" يفضلون التعامل خارج القنوات الرسمية.

سوق سوداء
وحسب الناطق باسم الفدرالية الجزائرية للوكالات العقارية نور الدين مناصرة فإن " 70 % من تعاملات العقارات تتم في السوق السوداء وبالأموال نقدا أي خارج القنوات القانونية والبنكية".

وأضاف نفس المتحدث في حديث مع "العربي الجديد" أن "الجميع مشترك، فصاحب العقار يجد مشتريا مستعدا للدفع مهما كان الثمن وصاحب الوكالة العقارية يزداد هامش ربحه كلما يرتفع ثمن العقار وبالتالي يقعون في شرك الإغراء المقدم من طرف صاحب رأس المال".

ويكشف مناصرة أن "عملية تبييض (غسل) الأموال تمر عبر عدة مراحل أولها "التوطين" بهدف اختيار مكان خفي لوضع الأموال المشبوهة، ثم تأتي مرحلة "التمويه" وذلك بمحاولة طمس العلاقة بين الأموال المشبوهة والعقارات المستحوذ عليها، وثالثا تأتي عملية "التقييم" أي أن صاحب المال يقوم بتقييم العقار بطريقة مضخمة وبالتالي يصبح له ممتلكات يستحوذ عليها بشكل رسمي".

ويرى الناطق باسم الفدرالية الجزائرية للوكالات العقارية أن "القانون الجزائري فيه عدة ثغرات، أولها عدم وضع سقف للتعاملات التي يجب التصريح بها لدى مصلحة المراقبة المالية التابعة لوزارة المالية، حيث يكتفي القانون المختص الصادر في 5 فبراير/ شباط 2005 بأنه "في حالة الاشتباه بوجود غموض أو شك لدى صاحب الوكالة العقارية، يمكنه التقرب (الشكوى) لدى مصلحة المراقبة المالية"، ويلاحظ أنه في سنة 2017 لا يوجد أي بلاغات من طرف الوكالات العقارية، مقابل قرابة 200 بلاغ من طرف البنوك، حسب مناصرة.

لافتات للبيع
ولا يكاد يخلو شارع من شوارع العاصمة الجزائرية المشهورة من بنايات أو فيلات فارغة، تجد عليها لافتات كُتب عليها "للإيجار" أو "للبيع"، بعضها وضعت منذ سنتين ولم يتم بيعها أو إيجارها عمدا من طرف مالكيها، لغرض التمويه وإبعاد الأنظار.

تجولت "العربي الجديد" في السوق لمحاولة فهم المعادلة التي حولته إلى ميدان لغسل الأموال، والتقت صاحب وكالة عقارية في حي "سيدي يحيى" أغلى الأحياء في الجزائر بأكملها، والمشهور بالشقق والفيلات الفاخرة ومركز التقاء أصحاب الأموال في البلاد.

وقال أمين.ج لـ"العربي الجديد" إن "الطلب على شراء الفيلات والشقق الفاخرة ارتفع في السنوات الأخيرة، حيث يطلب أصحاب الأموال شراء عقارات دون التفاوض على السعر شرط أن تتم العملية عبر ممرين، الأول من خلال الطرق الرسمية أي عن طريق التوجه نحو الموثّق القانوني شرط أن يتفق البائع والمشتري وصاحب الوكالة العقارية على كتابة العقود بـ 40 % من قيمة العقار الحقيقية وذلك لإبعاد الشبهات وخفض الرسوم الضريبية المفروضة على بيع العقار والمقدرة بـ 5 % يدفعها البائع، فمثلا تكون قيمة العقار المتفق عليها 150 مليون دينار (1.2 مليون دولار) ويتم التعاقد على أنه بـ300 ألف دولار فقط".

أما الطريقة الثانية حسب أصحاب الوكالات العقارية فتكون "خارج الإطار الرسمي، حيث يتفق الطرفان على قيمة العقار محل البيع، وبموجب الاتفاق يقوم البائع بنقل الملكية للمشتري كـ "هبة" أو "تسديد للدين"، وبذلك يكون المشتري قد حول مبالغ كبيرة إلى عقارات".

شركات للترقية
لجأ الكثير من أصحاب الأموال في الجزائر إلى الاستثمار في قطاع العقارات من خلال فتح شركات للترقية العقارية، بعدما تحول هذا النشاط إلى ملاذ للكثير من أصحاب الأموال المشبوهة.

ومن أبرز الشركات التي شغلت الرأي العام في الجزائر، شركة "KMNN" المملوكة من طرف كمال شيخي أو حسب اسم الشهرة "كمال الجزار" محتكر استيراد اللحوم الحمراء في الجزائر والموجود رهن الحبس الاحتياطي عقب اكتشاف 7 قناطير من "الكوكايين" في إحدى الشحنات التي استوردها شهر يونيو/ حزيران الماضي.

وتحوز الشركة التي تم الحجز عليها من طرف القضاء الجزائري عدة عمارات وفيلات فاخرة في الأحياء الراقية بالجزائر العاصمة وفي محافظة وهران (غرب)، حيث كانت بمثابة "غسالة" للأموال التي جمعها الجزار بطرق غير شرعية.

وحسب الخبير الاقتصادي المختص في سوق العقارات رياض بوفلاح فإن "تبييض الأموال عن طريق شركات الترقية العقارية يعتبر آمنا وسريعا مقارنة بإقامة استثمارات في قطاعات أخرى تتطلب مراقبة ضريبية وبنكية على الأرصدة".

ويكشف الخبير الجزائري في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "أصحاب الأموال المشبوهة باتوا يفتحون شركات مختصة في بناء وبيع العقارات، يكون هدفها الأول شراء عقارات بأسعار معقولة ثم يقومون بتهديمها وإعادة بناء عقارات وعمارات من عدة طوابق وتقيّم تلك العقارات بأضعاف أسعارها لتبييض أكبر قدر ممكن من الأموال".

مخاوف من فقاعة
وأمام استفحال هذه الظاهرة، يتخوف ناشطون في السوق في الجزائر، من انفجار فقاعة عقارية، نتيجة التوسع الشرائي للعقارات بأسعار مضخمة، كوسيلة للاستثمار ولاكتناز الأموال، ومُحقق للأرباح في أوقات زمنية قصيرة.

وتُعرف الفقاعة العقارية بارتفاع معدلات البيع بصورة تفوق حجم الشراء، ويزداد الموقف حدة عند اعتماد شريحة من مقتني الوحدات على القروض البنكية أو التمويل العقاري في شراء هذه الوحدات بغرض الاستثمار أو السكن الثاني، حيث سيضطرون إلى البيع السريع بأسعار أكثر انخفاضاً لتفادي تعرضهم لأزمة مالية.

وحسب الخبير في الشؤون العقارية كريم سدات فإن "تبييض الأموال عن طريق شراء العقارات أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات، حيث أصبح أصحاب الفيلات وقطع الأراضي في بعض الأحياء المستهدفة من طرف أصحاب الأموال المشبوهة، يرفعون سعر المتر المربع أحيانا إلى الضعف، خاصة وأن المشتري لا يفاوض على السعر في أغلب الأوقات".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "هذا التضخيم سيقود مع مرور الوقت إلى ركود السوق ما يقود مباشرة نحو فقاعة عقارية، لأن الأسعار لن تحتمل الصمود أمام الأسعار الحقيقية".

المساهمون