ترامب يوظف متاعب المزارعين لإرضاء للناخب الأميركي

ترامب يوظف متاعب المزارعين لإرضاء للناخب الأميركي

11 مايو 2020
ترامب يؤكد الاقتصاد سينتعش بعد جائحة كورونا (Getty)
+ الخط -


في مبادرة اعتبر البعض أنها تستهدف إرضاء الناخب الأميركي، أعلن الرئيس دونالد ترامب توجه حكومته نحو شراء ما تبلغ قيمته مليارات الدولارات من منتجات المزارعين، اعتباراً من اليوم الاثنين، وتوجيه ما يتم شراؤه إلى برنامج "صندوق طعام من المزارعين إلى الأسر"، الذي يستهدف مساعدة الفئات الأكثر احتياجاً من الأميركيين.

وبعد أن تسببت أوامر الإغلاق الكبير، ضمن الجهود المبذولة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، في تعطل سلاسل التوريد لأغلب السلع الغذائية والمنتجات الزراعية، كما لغيرها من المنتجات الأخرى، وتراكم كميات كبيرة منها لدى منتجيها، غرد ترامب يوم السبت على حسابه على تويتر قائلاً إن "الحكومة الفيدرالية ستبدأ برنامجاً لشراء ما قيمته 3 مليارات دولار من المنتجات الزراعية".

وجاءت المبادرة التي أعلنها ترامب بعد تعرضه لضغوط كبيرة من اتحاد المزارعين، الذي يحمي مصالح أكثر من مليوني مزارع، يمثلون مع أسرهم قاعدة انتخابية هامة للرئيس الأميركي المقدم على انتخابات التجديد في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، حيث لجأ بعض المزارعين لحرق محاصيلهم وسكب ألبانهم والتخلص من المواد الغذائية سريعة التلف التي ينتجونها لمنع انهيار أسعارها.

واستغلت إدارة الرئيس الأميركي الأزمة وأعلنت تقديمها برنامجاً ضخماً، تصل كلفته إلى 19 مليار دولاراً، لمساعدة المزارعين المتضررين من جائحة الفيروس، يشمل إضافةً إلى قيمة ما سيتم شراؤه من المزارعين، 16 مليار دولار، يتم تقديمها للمزارعين لتعويضهم عنتراجع مبيعاتهم خلال الفترة الماضية.
وأعلنت وزارة الزراعة الأميركية أنها ستتعاقد مع موزعين من الولايات، ممن تعرضت أعمالهم للتوقف خلال الفترة الماضية، بفعل إغلاق أغلب الفنادق والمطاعم والمقاهي، لتوصيل المنتجات التي ستشتريها على دفعات شهرية بمئات الملايين من الدولارات إلى المؤسسات غير الربحية، التي ستقوم بدورها بتخزينها وتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجاً.

وأثنى زيبي دوفال، رئيس اتحاد المزارعين الأميركيين، على المبادرة التي أعلنها ترامب، وقال في بيانٍ له "نشكر وزارة الزراعة الأميركية على تصرفها السريع ومرونتها في إيجاد طريقة لنقل الطعام من المزارع إلى موائد العشاء لمن هم في أمس الحاجة إليها".

وأكد دوفال أن المبادرة "ستنقذ الجياع وتساعد في الوقت نفسه على توفير الدخل للمزارعين ومربي الماشية الذين تعرضوا لاختفاء بعض أسواق منتجاتهم خلال الجائحة".

ومع تجاوز عدد العاطلين في الولايات المتحدة 33 مليون مواطن، يمثلون ما يقرب من 18% من القوى العاملة، وما يقرب من 28% من العاملين في القطاع الخاص، فقد الملايين من الشعب الأميركي قدرتهم على توفير الغذاء لأسرهم، ولم تنجح إعانات البطالة التي تم صرفها، على ضخامة مبالغها الإجمالية، في تعويضهم عن الدخول المفقودة.

وتواصلت المبادرات الخيرية، الحكومية والفردية، الهادفة لإطعام ملايين المواطنين، في أغلب الولايات الأميركية، خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن وصل معدل البطالة المعلن، حتى منتصف شهر إبريل / نيسان الماضي، إلى 14.7%.
وقال شهود عيان إن عشرات الأميركيين، من مختلف الأجناس، يبحثون عن الطعام في سلات القمامة، على بعد أمتار من البيت الأبيض في واشنطن العاصمة.

وعلى نحوٍ متصل في مختلف الولايات الأميركية، وقف الملايين ممن فقدوا وظائفهم في طوابير، امتدت لأميال، للحصول على وجبات مجانية أو بعض العصائر.

وفي الوقت الذي كانت تدور فيه مناقشات على أعلى المستويات السياسية لاتخاذ قرار بإغلاق المدارس قبل ما يقرب من شهرين، كانت المشكلة الكبرى لمتخذي القرار هي كيفية تعويض ملايين الأطفال من طلبة المدارس عن الوجبة الساخنة التي كانت تصرف لهم في مدارسهم، كونها الوجبة الساخنة الوحيدة التي كان يتحصل عليها بعضهم في أيام الدراسة. 

وبعد أن أغلقت المدارس أبوابها، منعاً لانتشار الوباء بين التلاميذ، قامت حكومات الولايات بتسيير ناقلات تحمل وجبات ساخنة، ليتم توزيعها على التلاميذ، وتلقى أولياء أمور طلبة المدارس الحكومية مكالمات هاتفية يومية لإرشادهم عن أماكن ومواعيد توزيع الوجبات الساخنة على أبنائهم. 

ورغم إعانات البطالة والشيكات التي أرسلها ترامب لكل دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، تتعرض الكثير من الأسر لأزمة مادية غير معهودة، حتى أن دراسة حديثة صادرة عن "مشروع هاميلتون"، التابع لمعهد بروكنجز بواشنطن، أكدت وصول معدلات "عدم الأمن الغذائي" في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة في العصر الحديث. 

وأوضحت الدراسة أن "أكثر من 17% من الأطفال تحت 12 عاماً في الولايات المتحدة لا يجدون الطعام الكافي بسبب أزمة الوباء، التي تسببت في فقدان آبائهم القدرة على شراء الطعام لهم".

ولتوضيح مدى الضرر الواقع على الأسر الأميركية من الجائحة، تكفي الإشارة إلى أن تلك النسبة كانت في حدود 5% في أسوأ ظروف الأزمة المالية العالمية، التي تسببت في الركود الكبير، في عامي 2008 - 2009، ولم تتجاوز 4% قبل عام ونصف فقط من اندلاع أزمة الوباء الحالية.

ويستعد ملايين الأميركيين خلال الأيام الأخيرة لمواجهة نقص متوقع فيما يتاح في الأسواق من اللحوم، بعد تسبب الجائحة في إغلاق بعض أكبر مصانع تصنيعها في البلاد، الأمر الذي حدا بالرئيس ترامب لتوقيع أمر تنفيذي بالإبقاء على مصانع اللحوم مفتوحة، حتى في حالة إصابة العاملين فيها بالفيروس.

وتسبب غياب آلاف العاملين في تلك المصانع، قبل إصدار ترامب أمره التنفيذي، في اضطرار الكثير من المزارعين لقتل ما يملكون من خنازير ودجاج وماشية، الأمر الذي مثل تهديداً كبيراً للثروة الحيوانية في الولايات المتحدة، وتسبب في ظهور أزمات لدى أكبر الموزعين.

والأسبوع الماضي، وضع عملاق التجزئة الأميركي كوستكو حداً لما يمكن لكل مواطن شراؤه من اللحوم خلال كل زيارة لمحال الشركة المنتشرة في أغلب الولايات الأميركية.

وتواجه المنتجات الزراعية في أميركا أزمة أسواق وتناقضات سعرية بسبب جائحة كورونا، إذ ترتفع أسعار المنتجات الغذائية من جبن وألبان ولحوم في المتاجر، بينما تتراجع أسعار المواشي والدجاج ومنتجاتها في المزارع. 

وكانت الولايات المتحدة تامل في زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية والغذائية إلى الصين خلال العام الجاري والعام المقبل 2021، وذلك بناء على المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي وقع بين بكين وواشنطن في يناير/ كانون الثاني.

ووافقت الصين حسب بنود الاتفاق على زيادة وارداتها من المنتجات الزراعية الأميركية إلى 24 مليار دولار، ولكنها في الواقع لم تستورد خلال الربع الأول من العام الجاري سوى بـ 5 مليارات دولار.

وبدأت الصين في فبراير/ شباط الماضي رفع قيود الاستيراد التي تطبقها على بعض المنتجات الزراعية في الولايات المتحدة، حسب وزارة الزراعة الأميركية. وشملت تلك المنتجات التي رفعت عنها القيود، الدواجن ورقائق البطاطس والأعلاف الحيوانية.
وتعهدت الصين في الاتفاق الأولي شراء بضائع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، بموجب الاتفاق الذي يتضمن أيضا بنودا تتعلق بحماية الملكية الفكرية استجابة لمطالب أميركية.

لكن محللين ينظرون إلى أن الاتفاق يشكل هدنة مؤقتة ولكنه لن يحد النزاع التجاري المستفحل بين البلدين، خاصة أن تعقيدات جديدة دخلت على خط العلاقات التجارية بين أميركا والصين بسبب جائحة كورونا وسط حدة الاتهامات المتبادلة بينهما بشأن المسؤولية عن تفشي الفيروس التاجي.

المساهمون