المستهلكون ضحية "البيع المشروط" للسلع في الجزائر

المستهلكون ضحية "البيع المشروط" للسلع في الجزائر

31 ديسمبر 2017
ارتفاع الأسعار يضعف القدرة الشرائية (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

 

انتشرت في الأسواق الجزائرية ظاهرة "البيع المشروط" من قبل التجار، الذين يربطون بيع السلع المدعمة للمستهلكين بسلع أخرى غير رائجة أو تقترب صلاحيتها من الانتهاء، الأمر الذي أثار موجة سخط في أوساط الطبقات الفقيرة التي تحصل على السلع المدعومة، لا سيما الحليب والخبز.

ويقول مواطنون إنهم باتوا مجبرين على شراء سلع لا يحتاجونها في الغالب، من أجل الحصول على السلع المدعومة التي يتحكم التجار في صرفها للمستحقين للدعم، مشيرين إلى أنه سبق أن شهدت الدولة النفطية هذه الظاهرة في سنوات ماضية، لكنها اندثرت مع تحسّن الأوضاع الاقتصادية منذ عام 2002، في أعقاب موجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً.

وتزامنت هذه العودة القوية إلى "البيع المشروط"، مع وجود ندرة في بعض المواد الغذائية الأساسية، كالحليب والخبز، حيث أصبح التجار يستغلون الاصطفاف الطويل أمام محلاتهم، لبيع بعض السلع الأخرى مع أكياس الحليب أو الخبز.

يقول المواطن عمر صايجي، من العاصمة الجزائر، إنه "فوجئ عند ذهابه لشراء الحليب المدعم بصاحب المحل يبلغه أنه يتعيّن عليه شراء سلع معينة أخرى حتى يبيعه الحليب".

ويضيف صايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "اضطر إلى شراء عبوة قهوة ذات وزن 250 غراما بـ250 دينارا (2.2 دولار)، من أجل شراء كيسي حليب مدعوم بـ50 ديناراً فقط".

ويعاني الجزائريون، منذ قرابة ثلاث سنوات، من ارتفاع أسعار السلع، حيث تعدّى معدل التضخم عتبة 6%، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ما أثر سلبا على القدرة الشرائية للكثير من المواطنين، خاصة في ظل التراجع الحاد لقيمة الدينار الذي خسر قرابة 35% من قيمته منذ عام 2015.

ويقول عبد القادر بلعباس لـ "العربي الجديد"، إنه "اضطر إلى شراء عجائن لم يتبق على انتهاء صلاحيتها سوى أسبوع واحد، مقابل شراء 4 أكياس من الحليب المدعم".

ويبلغ سعر كيس الحليب المدعم سعة لترٍ واحد 25 دينارا (0.22 دولار)، في حين يبلغ سعره الحقيقي 35 ديناراً، ويبلغ سعر كيس الخبز 8.5 دنانير (0.1 دولار)، في وقت يبلغ سعره الحقيقي قرابة 16 دينارا، أما سعر الطحين فيقارب 90 دينارا (0.91 دولار)، وتدعمه الحكومة بقرابة 40 دينارا في الكيلوغرام الواحد.

وفي مقابل شكوى المستهلكين، يقول تجار إنهم باتوا مضطرين إلى اللجوء إلى "البيع المشروط"، في وقت يرون فيه سلعهم تتكدس بسبب تغير السلوك الاستهلاكي للجزائريين من جراء تراجع القدرة الشرائية للكثير من العائلات.

ويشير تجار التجزئة إلى أنهم أيضا يخضعون للبيع المشروط من قبل تجار الجملة، الذين يفرضون سلعا معينة، كشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية الثانوية كالشكولاته والأجبان المستوردة، مقابل شراء بعض الحبوب الجافة والطحين، وإلا فلن يجدوا سلعا يضعونها فوق رفوف محلاتهم.

ويقول محمد جوهري، تاجر من الضاحية الغربية في الجزائر العاصمة، لـ "العربي الجديد"، إن " تجار الجملة أصبحوا يُلزمون تجار التجزئة بشراء سلع لا تدخل في قائمة ما يحتاجونه، وهذا يحدث معي أسبوعيا، إذ أضطر إلى شراء سلع مثل حلوى الأطفال المستوردة أو الشكولاته المستوردة، مقابل شراء كيس من العدس ذي وزن 50 كيلوغراما، أو كيس من الفاصوليا البيضاء، مع العلم أن ما يفرضه علينا تجار الجملة نصنفه في خانة السلع مرتفعة الثمن التي تكون ثقيلة في البيع".

ويخشى الجزائريون المزيد من ارتفاع الأسعار، رغم ارتفاع ميزانية الدعم، حيث تضمّن مشروع قانون الموازنة العامة للسنة القادمة زيادات تمس عدة سلع وخدمات.

وتبلغ ميزانية الدعم التي خصصتها الحكومة للعام الحالي نحو 13 مليار دولار، وترتفع إلى نحو 16 مليار دولار خلال العام المقبل 2018، تُوجه لدعم أسعار المواد واسعة الاستهلاك كالحليب والخبز والوقود والكهرباء والماء.

كما يذهب جزء من ميزانية الدعم مباشرة لدعم الخدمات كالصحة والتعليم بقرابة 5 مليارات دولار، والسكن للفئات الهشة (الفقيرة) بقرابة ملياري دولار.

وأمام انتشار ظاهرة البيع المشروط وسط التجار، يرى فاعلون في القطاع التجاري وخبراء اقتصاد، أنه لابد من تدخّل الدولة وأجهزتها لضبط الأسواق، التي أصبحت تخضع لمنطق المضاربة والاحتكار وجشع بعض التجار.

ويقول صالح صويلح، رئيس الاتحاد العام للتجار والحرفيين، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنه "حان الوقت لكي تتدخل الدولة ووزارة التجارة، عبر مضاعفة عدد دوريات الرقابة على الأسواق"، مضيفا أن "المستهلك يجب أن تكون لديه ثقافة الإبلاغ عن التجاوزات".

ويتابع أن "الاتحاد يتحرّى عن التجار الذين يمارسون البيع المشروط، وقد تم ضبط بعض التجار الذين سيتعرضون إلى غرامات مالية في البداية، قبل أن تُتخذ بحقهم عقوبات أخرى"، مشيرا إلى وجود فراغ في القانون الجزائري فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا البيع المشروط، رغم أنه غير أخلاقي.

وإذا كانت أصابع الاتهام تُوجه نحو التجار الذين فرضوا منطقهم على المستهلكين، إلا أن المستهلك الجزائري يتحمل جزءا من المسؤولية، بالتزامه الصمت ووقوعه رهينة لسلوكه الاستهلاكي، وفق رأي جمعية حماية المستهلك.

ويرى مصطفى زبدي، رئيس الجمعية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما زاد في استفحال ظاهرة البيع المشروط مؤخرا هو انعدام ثقافة التبليغ لدى المواطنين الذين يكتفون بالتذمر فقط"، مضيفا: "على المواطنين الوقوف في وجه التجار، من خلال الاتصال بالجمعية أو مديريات التجارة الأقرب منهم، وذلك لكبح هذه الظاهرة".

ويقول زين الدين موهوب، الخبير في علم النفس الاستهلاكي، إن "عودة ظاهرة البيع المشروط تبقى أمراً غير مفهوم، فالمستهلك عادة ما يفقد وعيه بمجرد دخوله المحلات التجارية، ويخضع لنمط استهلاكي غير متزن يجعله لا يتوقف أمام أي حاجز من أجل تلبية احتياجاته".

ويضيف موهوب أن "البيع المشروط ظهر في الجزائر إبان الاقتصاد الاشتراكي، ليختفي ويعود مجدداً، إلا أن في الماضي كانت هذه الظاهرة مفهومة بحكم أن الاقتصاد كان محتكرا من طرف القطاع العام، أما اليوم فالعرض أكبر من الطلب، ولا أفهم كيف يترك المواطن نفسه رهينة لجشع التجار، رغم أنه بإمكانه استبدال الحليب المدعم بحليب آخر مؤقتا، أو مقاطعة هذه السلع التي تتم بها مقايضة السلع".

ويشير إلى أن "قلة السلع المدعومة والاحتكار وقلة الحيلة، هي ثالوث يعجّل بسقوط الزبون في شرك الباعة، فالمستهلك عندما يرى أن الندرة أصابت سلعة ما يستهلكها يومياً، يضطرب ويصبح رهينة شرائها مهما كان الثمن".