وزيرة القروض.. رجاء اصمتي ولو لدقائق

وزيرة القروض.. رجاء اصمتي ولو لدقائق

01 يناير 2017
سحر نصر تتفاخر بالحصول على قروض خارجية (فرانس برس)
+ الخط -



عندما تتصفح محرك البحث الشهير غوغل google لتبحث عن أنشطة ومهام وزيرة التعاون الدولي في مصر، سحر نصر، فإن أول ما يظهر لك ليس هو التعريف بمنصبها الرسمي في الحكومة المصرية، ولكن باقتران اسمها بكلمات كلها سلبية، من عينة مصر تقترض، القروض الخارجية، الاقتراض الدولي، المنح والمساعدات، صندوق النقد والبنك الدوليين، المؤسسات المالية، علاج عجز الموازنة.

وعندما تطالع الأخبار المنشورة عن السيدة، نجد أنها تنتقل في تصريحاتها الصحافية والبيانات المنشورة لها على موقع وزارة التعاون الدولي، من الحديث عن قرض خارجي لآخر، وكأنها تفاضل بين أنواع الثياب التي تشتريها من أفخم محال الموضة في باريس، ولندن ونيويورك، وتتنقل بين القروض كما لو كانت تتنقل بين أحذيتها الفاخرة القادمة من المحال الإيطالية الشهيرة، وقبل أن تمر دقائق على توقيع قرض من مؤسسة مالية ما حتى تجد أن السيدة تحدثك عن قرض جديد يتم التفاوض معه مع مؤسسة أخرى.

وقبل أن يجف حبر توقيعها على اتفاق يقضي بحصول مصر على الدفعة الثانية من قرض بقيمة مليار دولار من البنك الدولي، تسارع الوزيرة بالإعلان عن سعي مصر للحصول على الدفعة الثالثة من قرض البنك الدولي، والبالغة قيمتها مليار دولار أيضا وذلك قبل نهاية العام الجاري 2017، وربما تكشف غداً عن دخولها في مفاوضات مع البنك للحصول على قرض جديد عقب الانتهاء من سحب القرض الحالي، البالغة قيمته ثمانية مليارات دولار.

وفي الوقت الذي لم تودع فيه صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات بعد خبر تصريحات سحر نصر حول حصول مصر على الشريحة الثانية من قرض البنك الأفريقي للتنمية البالغة قيمتها 500 مليون دولار، نجد أن الوزيرة تتحدث عن شرائح أخرى جديدة تضاف للقروض التي حصلت عليها البلاد من المؤسسة الأفريقية.

ومن صندوق النقد الدولي إلى بنك التنمية الإسلامي، تأخذك سحر نصر في جولة يومية بين أروقة المؤسستين الدوليتين لتسرد لك نوعية القروض التي حصلت عليها مصر في الفترة الأخيرة ومزاياها وأهميتهما للاقتصاد القومي بل وللأجيال القادمة، وكيف أن كبار المسؤولين بالبنكين جاملا الحكومة بمنحها قروضا بفترة سداد أطول.

وبالطبع، تنسى الوزيرة هنا أو تتجاهل تذكيرنا بالشروط القاسية المصاحبة لتوقيع مثل هذه القروض، وسعر الفائدة المستحق على القرض، ذلك لأن مثل هذه الأمور لا تهم جموع المصريين من وجهة نظرها، فهي أمور فنية لا يفهمها سوى الاقتصاديين.

ومن البنك الآسيوي للتنمية، إلى بنك الاستثمار الأوروبي ثم البنك الألماني للتنمية وبنك التعمير الأوروبي، تبحر بك سحر نصر لتحدثك عن مزايا وسهولة الاقتراض طويل الأجل من هذه المؤسسات الدولية.





وقبل أن يجف الحبر الموجود على أوراق قرض تخرج علينا سحر نصر وزيرة التعاون الدولي، لتكشف عن أن هناك مفاوضات متقدمة مع ألمانيا والولايات المتحدة حول قروض جديدة تسعى مصر للحصول عليها.

ولا تفوت الفرصة هنا في تزويدنا بمعلومات ثرية من عينة أن هناك صورة مغلوطة لدى البعض بالخارج، بأن حكومة مصر تنافس القطاع الخاص وترغب في السيطرة الاقتصادية، وأن الحكومة تعمل على تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة.

وقبل أن تفرك عينيك مستغرباً كل هذه القروض، إذ بالوزيرة تكشف لك عن دخول حكومتها في مفاوضات مع صناديق عربية للحصول على قروض جديدة، قيمتها 1.5 مليار دولار، توجه لتنمية سيناء، كما تكشف أيضاً عن الدخول في مفاوضات مع الصندوق الكويتي للتنمية للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار يوجه لتنمية شرق بورسعيد وتحلية المياه هناك.

وقبل أن تخبط على رأسك وبقوة غير مصدق ما تسمع من سيل أخبار وتقارير تتحدث عن ماسورة الاقتراض الخارجي، إذا بالوزيرة تكشف لك عن مفاوضات متقدمة مع الصين للحصول على قروض بقيمة 2.76 مليار دولار، أو أن مصر تستعد لاقتراض 3 مليارات دولار جديدة عبر طرح سندات دولية خلال هذا الشهر، أو أن الحكومة تتحرك بشكل أسرع للحصول على الدفعة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته الاجمالية 12 مليار دولار.

وبحديثها عن القرض الأخير نلحظ أن الوزيرة هنا قفزت من الحديث عن الدفعة الأولى التي حصلت عليها الحكومة الشهر الماضي من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.75 مليار دولار، كما قفزت على الشريحة الثانية التي من المقرر أن تحصل عليها البلاد في إبريل/ نيسان أو مايو/ أيار القادمين بقيمة 1.25 مليار دولار، وراحت مباشرة للشريحة الثالثة لتتحدث عن تفاصيلها.

ولا تنسى الوزيرة أن تتحدث في الفضائيات ووسائل الاعلام عن المزايا العظيمة التي حصدتها مصر من اقتراض نحو 6 مليارات دولار من الصين خلال العام الماضي، آخرها شريحة بقيمة 2.76 مليار دولار منحها البنك المركزي الصيني للبنك المركزي المصري في إطار اتفاقية تبادل العملات.

ومن حين لآخر، تستعرض الوزيرة عضلاتها ومعلوماتها الغزيرة على الشعب المصري بتأكيدها نجاح حكومتها في الحصول على كل هذا الكم من القروض خلال فترة وجيزة، رغم أنها تعلم أنه لولا دعم مجموعة السبع الصناعية الكبرى، بقيادة أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، ومساندة بعض الدول الخليجية، ما حصلت البلاد على كل هذه القروض خلال هذه الفترة.

باختصار الوزيرة سحر نصر تتحدث عن القروض، وكأنها تتحدث عن أحدث الموديلات في عالم الموضة والأزياء، وتتغنى بالمؤسسات المقرضة وكأنها تقدم هذه القروض لمصر مجاناً وعلى طبق من ذهب، أو أن هذه القروض عبارة عن مساعدات ومنح يتم منحها لمصر ولا ترد.

شخصياً لم أر خلال عملي الصحافي، وزيرة تتفاخر كل يوم بحصول بلادها على قروض خارجية مثلما تفعل سحر نصر، ولم أعثر في خرائط الحكومات وأدبيات التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، على مثل تلك الوزيرة التي تزهو فخراً بهذه المؤسسات التي عملت بها لسنوات، وراحت تصورها لنا على أنها تهيم عشقا بمصر وشعبها، ولذا تسارع بإقراض مصر بلا قيد أو شرط وربما بلا اتفاقات مكتوبة أصلاً، بل وتطلق الوزيرة تصريحات مستفزة من عينة أن القروض شهادة ثقة للاقتصاد المصري، أو أن القروض الخارجية استثمار للأجيال القادمة وليست عبئا عليها.

حد يفهّم هذه السيدة أن لها وظيفة أخرى غير الترويج للمؤسسات المالية الدولية داخل مصر، وإقناع حكومتها أن الاقتراض الخارجي أفضل وأسهل مليون مرة من زيادة الإنتاج والاهتمام بقطاعات اقتصادية مدرة للنقد الأجنبي، مثل الصادرات وتحويلات العاملين بالخارج والسياحة والاستثمارات الأجنبية.

المساهمون