إجراءات دعم الاحتياطي التونسي تعزز مخاوف المضاربة على العملات

إجراءات دعم الاحتياطي التونسي يعزز المخاوف من المضاربات على العملات الأجنبية

18 سبتمبر 2017
محاولات حكومية لدعم الاحتياطي (Getty)
+ الخط -

تتجه تونس إلى السماح لمواطنيها بفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة، في محاولة لجذب الأموال الأجنبية المتداولة خارج المصارف، ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية جديدة أعلن عنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام البرلمان في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري. 

وثمة قلق من أن تشهد البلاد ارتفاعاً في وتيرة المضاربة على العملات الأجنبية، وفق خبراء اقتصاد، ما يدعو إلى اتخاذ إجراءات للحد من هذه الممارسات، مع ضمان حقوق المودعين أيضا، بما يسمح بالحصول على أموالهم من دون عقبات.

ومن المنتظر أن تحيل الحكومة خلال الأيام المقبلة مشروع قانون جديد للصرف إلى البرلمان، تسعى من خلاله إلى تحرير سوق الصرف والعفو التدريجي عن الجرائم المتعلقة به، بهدف تسهيل عمليات الاستثمار وإدماج جزء هام من السوق الموازية ضمن الدورة الاقتصادية الرسمية.

ووصف خبراء ومسؤولون حكوميون، قرار تغيير قانون الصرف بالخطوة المهمة لإنعاش الاقتصاد، معتبرين أن هذا القرار تأخر كثيرا ما فوت على البلاد فرصة رفع أرصدتها من النقد الأجنبي وتجنب نقص الدولار.

وقال نادر حداد، الخبير الاقتصادي، إن مشروع القانون الذي ستتقدم به الحكومة للبرلمان سيوفر الغطاء القانوني للمواطنين المتعاملين بالعملة الصعبة لإيداع أموالهم بالنقد الأجنبي لدى المصارف التونسية، مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيمكن من ضخ العملة في البنوك التي تعاني من شح السيولة.

لكن الحداد أشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى ضرورة أن يكون هذا القانون متبوعا بسلسلة من القوانين الأخرى للتصدي لمخاطر المضاربة بالعملة، وذلك عبر تحديد سقف السحب بالنقد الأجنبي.

وشهد سعر صرف الدينار التونسي تذبذبا كبيرا أمام العملتين الرئيستين الدولار واليورو، منذ يناير/كانون الثاني 2011.

ووصل سعر صرف العملة المحلية 2.4 مقابل الدولار، بحسب السعر المتداول في البنوك، مقابل 2.6 في السوق السوداء، بينما بلغ 1.26 مقابل الدولار 1.81 لليورو مطلع 2011.
ودفعت تصريحات إذاعية نسبت لوزيرة المالية المقالة لمياء الزريبي في إبريل/نيسان 2017، قالت فيها إن البنك المركزي سينفذ تنازلا تدريجيا في تحكمه بأسعار الصرف (تعويم جزئي)، إلى هبوط أكبر في أسعار صرف الدينار مقابل الدولار.

وتشهد تونس تراجعا في احتياطي النقد الأجنبي، بالإضافة إلى صعوبات في توفير أقساط الديون الخارجية المستحقة، ما يدفع الحكومة إلى مزيد من الاقتراض للإيفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين.

وارتفع حجم الدين الخارجي إلى 28.7 مليار دولار في 2016، مقابل 13.4 مليار دولار في 2010، وفق البيانات الرسمية.

وأظهرت بيانات رسمية، صادرة عن البنك المركزي، أن تفاقم العجز أدى إلى مزيد من تآكل احتياطي العملة الصعبة، الذي تراجع إلى 11.597 مليار دينار (4.8 مليارات دولار) في 15 أغسطس/ آب الماضي، ليغطي بذلك ما لا يزيد على واردات 90 يوما، بعد أن كان يغطي واردات 118 يوما قبل عام.

وتهدف الحكومة إلى احتواء السوق السوداء، التي تزايد نشاطها بشكل واضح. وفي الشهر الماضي رأى وزير التجارة الأسبق محسن حسن، أن الضرورة الاقتصادية تقتضي أن تتخذ الحكومة قرارا بالعفو عن جرائم الصرف وتمكين الأشخاص من فتح حسابات بالعملة الصعبة.

وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن فتح المجال أمام التونسيين لفتح أرصدة بالعملة الصعبة سيؤدي إلى القضاء التدريجي على السوق السوداء للعملة، مؤكدا أن حجم التداول خارج الأطر الرسمية للعملة شهد توسعا غير مسبوق في السنوات الأخيرة في ظرف تحتاج فيه البلاد إلى دعم أرصدتها من النقد الأجنبي.

وأضاف: "تقليص سوق الصرف الموازية سيساعد الحكومة في حربها ضدّ الفساد والتهريب، الوقت حان لإجراء مراجعات شاملة للقوانين المالية وقانون الصرف".

ويحمل المستثمرون منظومة الصرف المحلية جزء من المسؤولية في تغوّل القطاع الموازي، وإقصاء المؤسسات التونسية من ميزات منظومة الصرف الحر.

وطالبت كونفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت الدولية" (تجمع لرجال الأعمال) في بيان لها مؤخرا، الحكومة بمراجعة قانون الصرف والتجارة الخارجية والجاري العمل به منذ عام 1976، وجعله أكثر ملائمة لواقع عمل الشركات التونسية بالخارج وتجنيبها طرقا غير مشروعة لتحويل عائداتها إلى تونس.

وأوضحت "كوناكت" أن هذا المطلب يأتي استجابة للإشكاليات التي تواجهها الشركات التونسية العاملة بالخارج والمتعلقة بإجراءات الصرف وتحويل عائداتها من العملة الصعبة.

وقال مصدر مسؤول في رئاسة الحكومة، إن قانون الصرف الجديد سيسعى إلى توفير الضمانات الكافية للمودعين ويسهل عمليات التحويل من وإلى تونس، مشيرا إلى أن الهدف من مراجعة القانون هو تسهيل الأمور وليس تعقيدها.

وأضاف المسؤول لـ "العربي الجديد"، أن لجنة من الخبراء متعددي الاختصاصات يشتغلون على هذا المشروع مع الاستعانة بتجارب دولية ، لضمان صياغة نص يقارب التشريعات العالمية المعمول بها في هذا المجال وفق تأكيده.

وأشار إلى أن مسارات تحرير العملة ستسير بالتوازي مع السماح بفتح حسابات بالعملة الأجنبية، مشددا على أن كل مرحلة في اتجاه تحرير الدينار تحتاج إلى أرضية قانونية لحماية العملة المحلية من مخاطر الانهيار.

لكن مراد الحطاب، الخبير المالي، رأى أن السلطات التونسية مدعوة إلى أن تكون أكثر واقعية قبل اتخاذ هذه الخطوة، مشيرا إلى أن البلد الذي لا يتجاوز معدل الأجور فيه 657 دينارا لا يحتاج مواطنوه إلى حسابات جارية بالعملة الصعبة بقدر ما يحتاجون إلى ضخ استثمارات قادرة على خلق الثروة ورفع نسب النمو.

وتستهدف حكومة الشاهد ضمن إصلاحاتها المالية، النزول بنسبة عجز الموازنة إلى 3% في 2020، مقارنة مع 6% متوقعة هذا العام، إلى جانب تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 5% في الفترة ذاتها مقابل 2.5% هذا العام.

وتسعى تونس إلى استيعاب السوق الموازية في مختلف المجالات. وفي غياب الاستثمارات الكبرى، باتت البلاد تعول على المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتحسين وضعها الاقتصادي، وتقليص نسبة البطالة التي تصل إلى 15.5%، وفق أحدث بيانات لمعهد الإحصاء.

وتمثل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وفق بيانات لمنظمة رجال الأعمال (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) نحو 90% من الشركات في البلاد، كما توفر قرابة 56% من اليد العاملة في القطاع الخاص، فيما تستعد الدولة إلى إجراء تغييرات على مخطط التنمية الجديد تقوم على الشراكة بين القطاع العام والخاص، وفق تقرير حكومي.

المساهمون