لبنان: أهلاً وسهلاً باللاجئين

لبنان: أهلاً وسهلاً باللاجئين

28 أكتوبر 2019
دحض الثوار مزاعم بأن السوريين استنزفوا الطاقات والموارد(العربي الجديد)
+ الخط -
بدّلت الثورة اللبنانية المندلعة منذ أسبوعين، من مفاهيم وقناعات حاول "النظام اللبناني" تكريسها عن اللاجئين السوريين، ربما أقلها أنهم السبب بانهيار الاقتصاد وتهالك البنى التحتية وتراجع دخل اللبنانيين وزيادة فقرهم.

بيد أن "الثوار" كشفوا عبر الهتافات والأدلة ترحيبهم بالسوريين وأن موجة الكراهية التي تصاعدت بلمسات وزير الخارجية جبران باسيل أخيراً، هي من إعداد وإخراج الحكومة، في حين أن عموم الشعب اللبناني يرحب باللاجئين السوريين، بل ويبدون الأسف لعدم قدرتهم على مساعدة "إخوتهم السوريين" من الظلم وتشويه الصورة.

وذهب بعض اللبنانيين لتفنيد "الموجب والسالب" بلجوء مليون ونصف المليون سوري إلى لبنان منذ بدأ نظام بشار الأسد بملاحقة السوريين المؤيدين للثورة عام 2011، معترفين بما قدمه السوريون للاقتصاد، على صعيد الصناعة والزراعة والعقارات، ودور إيداعاتهم المصرفية التي تنوف عن 20 مليار دولار، حتى ببقاء العملة اللبنانية قابلة للاستقرار حتى اليوم.

ودحض الثوار مزاعم وزراء بحكومة سعد الدين الحريري بأن السوريين استنزفوا الطاقات والموارد، دونما أن يشير الوزراء وبعض النواب إلى المساعدات الدولية التي حصدها لبنان جراء إيواء السوريين أو ما صنعه اللاجئون، رغم القرارات المعيقة و"العنصرية" التي منعت السوريين بلبنان من العمل كأرباب عمل، والإساءة لهم عبر اقتصار عملهم على "البناء والنظافة" وإغلاق محالهم وشركاتهم الصغيرة بذريعة عدم الحصول على أذون عمل.


يقول العارفون إن مجموع الاستثمارات السورية بلبنان يزيد على 24 مليار دولار، في حين تقول تصريحات الحكومة اللبنانية إن حجم الودائع السورية في مصارفها يراوح بين 18 و30 مليار دولار من أصل 158.20 مليار دولار حجم الودائع في البنوك اللبنانية، أي ما يساوي 15-18% من إجمالي الودائع.

وتتوزع استثمارات السوريين بلبنان على القطاعات المالية والصناعية والعقارية، فتبلغ كتلة الأموال السورية المستثمرة بسندات حكومية بفائدة 5.5% لمدة 5 سنوات، نحو 12 مليار دولار. كما بلغت استثمارات السوريين على الصعيد الصناعي والسياحي تقريباً 12 مليار دولار أيضاً.

ومن يعرف المنظومة المصرفية الحكومية بسورية، قبل دخول القطاع الخاص المصرفي لدمشق عام 2004، يعرف أن معظم التجار السوريون كانوا يعتمدون على المصارف اللبنانية في فتح اعتماداتهم التجارية للاستيراد.

ويعرف من يريد المعرفة أن النظام البعثي الطارد للاستثمار دفع عشرات الشركات والمستثمرين للجوء إلى لبنان، حتى قبل الثورة السورية، في حين زادت المشروعات والاستثمارات السورية بعد عام 2011 بلبنان، لتدخل معامل المشروبات الروحية والغذائية والبلاستيك والصناعات المنزلية.

كل ذلك طبعاً عدا عما يضخه السوريون شهرياً عبر دفع إيجارات، تراوح بين 50 و60 ألف دولار سنوياً للمنزل الواحد أو بما نشطوه بمطار رفيق الحريري ببيروت، إن بسبب عدم قدرتهم على دخول سورية أو سفرهم من مطاراتها، أو لزيادة زيارة السوريين إلى لبنان للقاء ذويهم اللاجئين هناك.

قصارى القول: ربما من السابق لأوانه الآن البحث في الأضرار التي لحقت بالسوريين جراء إجراءات الحكومة اللبنانية أو بسبب التعطيل الذي يلف قطاعاتها اليوم، وبمقدمتها المصارف وشلل الأسواق.

بيد أن اللافت بالأمر هو النهج الحكومي بكلتا الدولتين الشقيقتين الجارتين، ففي حين يزعم رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير، أن عدد الاستثمارات السورية في لبنان قليل جداً، وأن السوق اللبنانية متخمة بالمشاريع التجارية الصغيرة وغير القانونية التي يشغلها عدد كبير من النازحين السوريين، بل ومشاريع السوريين تزيد من خراب الاقتصاد اللبناني، بحسب تعبيره.

يرد بالمقابل رئيس غرفة تجارة ريف دمشق وسيم القطان، بالدعوة لعودة الأموال السورية، وبأن المشاكل في لبنان ستتسبب برفض المصارف اللبنانية منح الأموال السورية لرجال الأعمال في الوقت الحالي لتسيير اقتصادهم بأموال السوريين.


ومما جاء برد ممثل قطاع الأعمال السوري، متعمداً التضليل والكذب خلال دعوته الاستثمارات والمال السوري للعودة من لبنان، أنه ورغم الحرب لم تسجل في سورية حالة ضياع قرش واحد على مودع في المصارف السورية، كما أنّ الاستثمارات ظلت مُصانة.

وما فات رئيس غرفة تجارة دمشق أن التضخم النقدي الأعلى بالعالم ربما أفقد المودعين بالمصارف السورية جلّ أموالهم، كما أتت طائرات الأسد وبراميله على 70% من الاستثمارات بين تهديم بالكامل وبين سرقات وتوقف ودفع إتاوات.

نهاية القول: تعدى وعي الشارعين السوري واللبناني جميع أحقاد مسؤولي الدولتين وفسادهم، وربما برد الشارع اللبناني وتبرئته السوريين مما حملتهم الحكومة، كان مماثلاً لفتح بيوت السوريين لإخوتهم اللبنانيين خلال حروبهم جميعها، وآخرها ما افتعله حزب الله عام 2006.

وأما أن يستمر مسؤولو "العهد اللبناني" بتحميل اللاجئين السوريين تبعات فشلهم وانهيار اقتصادهم وتدهور معيشة اللبنانيين، فيكفينا فقط التذكير بأن انعدام الاستقرار المؤسسي والسياسي والأمني في لبنان، منذ ما قبل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لم يكن للسوريين الذين لجأوا هاربين من الموت لشقيق جار بعد عام 2011 أي علاقة بها.

وأن طفرة النمو التي حدثت بعد حرب تموز/يوليو 2006، جاءت بسبب المال الخليجي وإعادة الإعمار، وليس جراء سياسات الحكومة اللبنانية الرشيدة.