"كلمة السر" وراء انتعاش أسواق المال العالمية

"كلمة السر" وراء انتعاش أسواق المال العالمية

24 يناير 2016
بورصة طوكيو قادت الانتعاش (فرانس برس)
+ الخط -



عادت أسواق المال العالمية للانتعاش بقوة في نهاية الأسبوع، لتحقق أكبر ارتفاع لها منذ العام 2012. وحقق مؤشر "إم سي إس إي"، الذي يقيس أداء الأسهم العالمية ارتفاعاً بنسبة 2.6%، وهو معدل من الازدهار لم يشهده منذ ثلاث سنوات.

ويأتي هذا الانتعاش في أعقاب الزلزال العنيف الذي ضرب أسواق المال العالمية والنفط، خلال الثلاثة أسابيع الأولى من العام الجاري، وكاد أن يؤدي إلى كساد عالمي وأزمة سيولة في أسواق المال. وخسرت أسواق المال منذ بداية العام 7.8 ترليونات دولار. كما خسر المستثمرون في سوق المال الأميركية وحدها قرابة 2.4 ترليون دولار خلال الـ20 يوماً الماضية.

ولكن لماذا عادت أسواق المال فجأة للانتعاش وسط هروب المستثمرين بشكل جماعي من السوق خلال الأسابيع الماضية وأصبح الكل يبيع ولا أحد يشتري؟ ويمكن القول إن السبب في تغيير معنويات المستثمرين، هي "كلمة السر" التي أطلقها مسؤولو البنوك المركزية والمال بالدول الرئيسية في ختام المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. حيث اعترفت هذه القيادات المالية والنقدية، أن الاقتصاد العالمي لا يزال ضعيفاً وهشاً، ولا يستطيع العودة للنمو بدون جرعات "التحفيز الكمي" التي أدمنها منذ أزمة المال العالمية في العام 2008.

وتعهدت قيادات اقتصادات العالم الرئيسية في الأسبوع الماضي أنها ستعمل بقوة على تحفيز الاقتصاد بشكل مباشر عبر ضخ الأموال، وشراء السندات وبشكل غير مباشر عبر خفض نسبة الفائدة واستخدام الأدوات الأخرى.

ويلاحظ أن خطوة رفع الفائدة الأميركية التي نفذها بنك الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" في ديسمبر/ كانون الأول ورفع بموجبها الفائدة الأميركية بنسبة 0.25%، كان لها الأثر الأكبر في هروب المستثمرين من الأسواق الناشئة التي فاقت كمية الأموال التي هربت منها خلال العام الماضي أكثر من 700 مليار دولار.

وهذا المبلغ يضاف إلى كمية الأموال التي هربت من السوق الصيني وفاقت قيمتها 800 مليار دولار.

ويلاحظ أن تصريحات "التحفيز المالي والنقدي" التي صدرت في كل من منطقة اليورو واليابان، وتعهدات الصين بعدم الإقدام على خفض قيمة سعر صرف اليوان، إضافة إلى التلميحات الأميركية بعدم الإقدام على رفع سعر الفائدة الأميركية، كان لها أثر السحر في نفسيات المستثمرين الذين تكالبوا أمس على اقتناص الأسهم الرخيصة في الأسواق العالمية، وسط موجة تفاؤل عارمة تجتاح أسواق المال، وإن كانت هنالك بعض المحاذير من الإفراط في التفاؤل. كما ساهم ارتفاع أسعار النفط بسبب موجة الجليد التي اجتاحت بعض أجزاء أميركا في رفع أسعار النفط وبنسبة مدهشة.

اقرأ أيضاً: الأسواق الناشئة مهددة بخسارة 450 مليار دولار في 2016

وهو ما ساهم في رفع أسهم شركات الطاقة التي تشكل نسبة تصل إلى 30% في بعض المؤشرات الأميركية.

عودة التفاؤل

وسط هذا التفاؤل انتعشت الأسهم الأميركية في ختام تعاملات الأسبوع على ارتفاع بلغ حوالي 2.0% لتسجل أول مكسب أسبوعي في العام 2016 مع صعود أسعار النفط، في ظل موجة برد تجتاح الولايات المتحدة وأوروبا.

وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي 210.83 نقطة أو 1.335 إلى 16093.51 نقطة. وصعد المؤشر ناسداك المجمع 119.12 نقطة أو بنسبة 2.6% إلى 4591.18 نقطة.

وفي أوروبا، ارتفعت الأسهم الأوروبية مسجلة أكبر مكسب يومي لها منذ أكتوبر/تشرين الأول، وأول مكسب أسبوعي هذا العام مدعومة بارتفاع أسهم الطاقة. وقفز مؤشر" يوروفرست 300 " لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 3.0% في ختام الأسبوع إلى 1332.38 نقطة.

وبذلك تبلغ مكاسب المؤشر 2.7% خلال الأسبوع ليسجل أول زيادة أسبوعية له في 2016 وأكبر زيادة أسبوعية أيضاً منذ نوفمبر/تشرين الثاني.

كما كسبت الأسهم اليابانية حوالي 0.3%. وعوض المستثمرون معظم خسائرهم في أعقاب تصريحات رئيس المركزي الياباني أن البنك سيعمل على مواصلة تحفيز الاقتصاد.

ووفقا لمحضر الاجتماع الذي نشر يوم الخميس في طوكيو، فإن كثيرين من الأعضاء التسعة بلجنة السياسة النقدية لبنك اليابان اتفقوا أيضاً على أنه يجب ألا يتردد البنك المركزي في مواصلة توسيع برنامجه التحفيزي الضخم، إذا زادت المخاطر الى حد يمكن أن يثني الشركات عن الاستثمار.

النفط والانتعاش الكبير

على صعيد النفط انتعاش أسعار النفط، الذي كسب في ختام الأسبوع 10%، ساهمت موجة الجليد التي ضربت أميركا ورفعت الطلب على زيت التدفئة وتصريحات الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو خالد الفالح في المنتدى الاقتصادي مساء الخميس في رفع معنويات المستثمرين.

وكان الفالح قد قال في لقاء تلفزيوني في دافوس أن السعودية مستعدة للتعاون مع منتجين آخرين لإنقاذ أسعار النفط. وساهمت هذه التصريحات في عودة الوسطاء لشراء النفط وتحريك العقود الآجلة مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: الأسهم الصينية ترعب الأسواق وتخسر 650 مليار دولار

ويلاحظ أن أسعار النفط قفزت من سعر متدن بلغ أقل من 27 دولاراً للبرميل يوم الأربعاء لينتعش إلى 32 دولاراً في ختام التعاملات في سوق " وول ستريت".

انتقاد رفع الفائدة

يرى خبراء على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس أن رفع الفائدة الأميركية كان خطأ كبيراً، في ظل ضعف النمو العالمي. وفي هذا الصدد قال نائب رئيس الوزراء الصيني لي يوان تشاو أن خطوة رفع الفائدة الأميركية كانت السبب في في اضطراب أسواق المال.

ونقل يوم الجمعة عن نائب الرئيس الصيني لي يوان تشاو قوله إن حكومته ليس لديها نية لتخفيض قيمة اليوان.

وأبلغ لي وكالة أنباء بلومبرج في مقابلة على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصاد العالمي في منتجع دافوس السويسري "التقلبات في سوق العملات هي نتيجة لقوى السوق والحكومة الصينية ليس لديها نية أو سياسة لتخفيض قيمة عملتها."

وألقى لي، وهو أيضا عضو بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، باللوم في تقلبات اليوان على قيام مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي في ديسمبر/كانون الأول برفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية.

وفي هذا الصدد يقول آرت كاشن خبير الأسواق في "وول ستريت" الذي يدير منصة التداول لمصرف "يوبي إس" السويسري، إن خفض الفائدة الأميركية لم يكن قراراً سليماً، وإن جزءاً من أزمة اليوان الصيني يعود إلى قرار رفع الفائدة على الدولار.

ويشير في هذا الصدد إلى أن رفع الفائدة الأميركية أدى إلى رفع قيمة سعر صرف الدولار، وبما أن اليوان مرتبط بالدولار، فإن ذلك ساهم في رفع قيمة العملة الصينية مقابل العملات الأخرى، وهو ما أدى تلقائياً إلى قرار بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" خفض قيمة اليوان.

وحسب خبير الأسواق في "وول ستريت" فإن خفض قيمة العملة الصينية أدى إلى مجموعة من الاضطرابات داخل السوق الصيني وفي الأسواق العالمية، حيث أدى داخل الصين إلى قيام الأثرياء بتنفيذ بيع صفقات ضخمة بسوق المال الصيني في محاولة لحماية ثرواتهم المقومة باليوان من الهبوط وتحويل جزء منها إلى الحسابات الدولارية.

ويذكر أن خطوة رفع الفائدة وجدت انتقاداً من كل من مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ووزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سمرز الذي يعمل حالياً في جامعة هارفارد والاقتصادي الحائز على جائزة نوبل رويبيني وبنك التسويات الدولية ومجموعة من خبراء المال في أنحاء العالم.

 


اقرأ أيضاً: مخاوف من تداعيات أزمات المال على أوروبا