أموال الخليج لمصر... مقاولات لا مساعدات

أموال الخليج لمصر... مقاولات لا مساعدات

16 سبتمبر 2018
المساعدات لم تمنع الحكومة من رفع أسعار الوقود(العربي الجديد)
+ الخط -
وقعت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، في السابع من شهر سبتمبر الجاري اتفاقا مع الحكومة المصرية لتمويل شراء منتجات بترولية وسلع تموينية بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
المؤسسة مولت مصر بنحو 8.5 مليارات دولار منذ تأسيسها، ليصل إجمالي التمويلات إلى 11.5 مليار دولار وفق تصريحات رئيس المؤسسة، هاني سنبل، لرويترز.

هذه هي المرة الثانية الذي تُقدم فيها المؤسسة تمويلا ضخما لمصر بعد تقديمها تمويلًا مشابهًا بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل استيراد منتجات بترولية خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عُقد في مارس/آذار 2015، ليصل إجمالي التمويلات إلى 6 مليارات دولار خلال 3 سنوات.

المؤسسة قدمت تمويلات بمبلغ 2.5 مليار دولار بداية من ثورة يناير حتى 2013، وفق تصريح وزير التخطيط والتعاون الدولي في حينه، أشرف العربى، خلال المنتدى الإقليمى الذي نظمه البنك في فبراير/شباط 2014، وذلك من خلال اتفاقيات مع حكومة كمال الجنزوري خلال فترة حكم المجلس العسكري.

وبالرغم من أن مساهمة مصر في رأس مال المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة لا تتجاوز نسبة 2% فقط، فقد بلغت قروض المؤسسة للجنرال عبد الفتاح السيسي ستة مليارات دولار، منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، وهو ما يمثل ضعف ما حصلت عليه مصر من المؤسسة منذ تأسيسها في 2008، ويمثل أيضًا 20% من إجمالي السحوبات التي وفرتها المؤسسة للدول الأعضاء والبالغ عددها 57 دولة، والبالغة 31 مليار دولار.

في المقابل، لم تمنح المؤسسة الإسلامية الرئيس محمد مرسي، ذا التوجه الإسلامي أيضًا، أي اتفاقيات تمويلية جديدة طوال عام حكمه، بالرغم من اجتماع مرسي برئيس المؤسسة في بداية حكمه وطلبه دعمًا لتمويل شراء منتجات بترولية، ولا يخفى على أحد دور المخابرات العامة والدولة العميقة في استخدام أزمة السولار والمنتجات البترولية في تأليب قطاع من الشارع المصري على الرئيس المنتخب. كما لم تنعم المؤسسة التمويلية على دول الربيع العربي بأي تمويل مماثل.
في الأيام الأولى لانقلاب يوليو 2013، دفع العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، 5 مليارات دولار لمصر، منها مليارا دولار للمنتجات البترولية، ومليارا دولار وديعة، بالإضافة إلى مليار دولار نقداً، وكذلك دفعت الكويت بمليار دولار من المنتجات البترولية أيضًا. 

الإمارات دفعت للجنرال بسخاء، وأعلن وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، عقب انقلاب 3 يوليو مباشرة عن توجيه الإمارات "أسطولا من السولار والبنزين"، وصفه بأن، "أوله في دبي وآخره في قناة السويس" وقال إنه "من أجل دعم مصر".

وبالرغم من رفض صندوق النقد الدولي تمكين حكومة محمد مرسي من قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار بعد مفاوضات مضنية، وهو الرئيس المدني المنتخب ديمقراطيًا، وقبلها أوقف قرضًا بقيمة 3.2 مليارات دولار كان على وشك الموافقة عليه لحكومة الجنزوري في فترة حكم المجلس العسكري لولا وصول مرسي إلى الحكم، فقد مرر الصندوق قرضًا بقيمة 12 مليار دولار بسهولة لنظام الجنرال السيسي.

المنح البترولية والقروض المالية لم تقدم حبًا للشعب المصري وكرامة، وإلا لما بخل بها المانحون بعد ثورة يناير وأثناء حكم مرسي، سيما أن المصريين عانوا كثيرًا من شح المنتجات البترولية منذ 2011، ولم تتجاوز المساعدات البترولية التي قدمتها السعودية لمصر خلال السنة التي حكم فيها مرسي قيمة المائتي مليون دولار، وقد طلب مرسي في أول زيارة خارجية له من الملك عبد الله تسهيلات ائتمانية لشراء منتجات بترولية سعودية آجلة الدفع ورُفض الطلب.

ولو قُدمت المنح البترولية والمساعدات المالية دعمًا خالصًا للشعب المصري لصارح زعماء الخليج شعوبهم بحجمها الحقيقي، وأهدافها النبيلة، وقنواتها المشروعة، ولقدموا مبررات أخلاقية لبخلهم بها على المصريين في الفترة التي أعقبت ثورة يناير وخلال حكم مرسي وعلى غيره من شعوب الربيع العربي.

سيما أن جانبا من هذه المساعدات ظل في طي الخفاء، وحجمها مثار لتخمينات خبراء الاقتصاد حتى كشف الجنرال السيسي لأول مرة عن جانب من المساعدات البترولية التي تلقتها مصر من الأشقاء في الخليج منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري وذلك في مؤتمر الشباب السادس الذي انعقد بجامعة القاهرة نهاية يوليو الماضي.


وقال الجنرال في حينه: "أقولها لكم علشان أسجلها معكم ومع الشعب المصري وللتاريخ.. أوعوا تفتكروا لو 3/7 جه، والأشقاء لم يقفوا بجوارنا كنا هننجح؟!.. اتحولت الناقلات من عرض البحر.. ادخل على مصر.. ومدفعناش ولا حاجة.. وقعدنا ما ندفعش حاجة 20 شهر، وكل شهر بـ800 مليون دولار".

وبالرغم من اعتراف الجنرال بأن المنح البترولية كانت مجانية لمدة 20 شهرا منذ انقلاب يوليو 2013، حتى فبراير 2015، لم يشعر المواطن المصري بأي تحسن في معيشته، بل حدث العكس ورفع السيسي أسعار المواد البترولية في 5 يوليو 2014، بنسبة 78% بحجة تخفيف أعباء الموازنة العامة للدولة، ما يؤكد أن أموال الخليج كان لها أهداف أخرى غير دعم الشعب المصري.

ولو كانت المنح المالية والبترولية، الخليجية على وجه الخصوص، دعمًا للشعب المصري ما دخلت البلاد إلا من خلال الجهة الرسمية المنوطة باستقبال المساعدات الأجنبية، وهي البنك المركزي المصري، ولأدرجتها الحكومة بشفافية في الباب الثاني من ايرادات الموازنة العامة للدولة، باب المنح والهبات، وهو ما لم يحدث، إذ أثبت الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهة الرقابية الرسمية، برئاسة المستشار هشام جنينة، عدم تضمين القيمة المالية لمنح البترول الخليجي وغيرها من المنح الموازنة العامة للدولة، ما يعتبر مخالفا لقواعد الشفافية والقانون.

قبيل توليه حكم مصر رسميًا، صرح الجنرال السيسي المرشح لرئاسة الجمهورية في حينه، أنه لا يحمل أي "جمايل" لأحد سواء فى الداخل أو الخارج، وأنه "ما فيش حد ليه عندي حاجة، مافيش عندي فواتير" على حد قوله. لكنه لم يكشف عن حجم هذه المساعدات السخية في وقتها، وبالتالي يصبح نفيه كما يقول المثل الشعبي، كاد المريب أن يقول خذوني.

ستظل المنح والقروض التي دخلت مصر بعد انقلاب يوليو 2013، وما تزال تدخل، مثار تساؤلات حول حجمها الحقيقي، ومشروعية القنوات التي دخلت البلاد من خلالها، ومدى خضوعها للأجهزة الرقابية، وكلفتها السياسية والاقتصادية، وستظل محل اتهام باعتبارها ثمنًا لصفقة أبرمت سلفًا للانقلاب على أول تجربة ديمقراطية يصنعها الشعب المصري بنفسه، سيما أنه لا يوجد في العلاقات الدولية مساعدات أجنبية خالية تمامًا من أهداف سياسية ومصالح اقتصادية.


دلالات