الليرة السورية تهبط لأدنى مستوى منذ 2017... إليك الأسباب

الليرة السورية تهبط لأدنى مستوى منذ 2017... إليك الأسباب

29 مارس 2019
هبوط الليرة يؤثر على معيشة السوريين(جوزف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال الليرة السورية تتخبط بالأزمة السياسية والحرب وكذا السياسة النقدية المتجاهلة لأثر سعر الصرف على ارتفاع التضخم. ومع كل هبوط، ترتفع شكاوى السوريين من الأسعار المشتعلة في الأسواق في مقابل ضعف القدرة الشرائية وثبات الأجور، المطّعمة بارتفاع حاد في مستويات الفقر والبطالة.

وكسر الدولار الخميس الماضي، لأول مرة منذ أبريل/ نيسان 2017، حاجز 550 ليرة، لتهوي الأخيرة مقابل العملة الأميركية إلى 551 ليرة مبيعا و549 ليرة شراء، وظلت هذه الأسعار ثابتة عند هذا المستوى المرتفع، حتى اليوم الجمعة.

وخسرت الليرة السورية نحو 15 في المائة من قيمتها خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. إذ لم يزد سعر صرف الدولار نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، عن 463 ليرة، قبل أن تبدأ سلسلة التهاوي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 لتودع الليرة العام الماضي بخسائر أوصلت سعر الدولار إلى نحو 501 ليرة.

وسجلت الليرة أدنى سعر لها على الإطلاق في مايو/ أيار 2016، عند 645 ليرة للدولار الواحد، في حين كان ثاني أدنى سعر في مسارها الهبوطي في العام 2017 حين سجلت 559 ليرة أمام الدولار، ارتفاعاً من 45 ليرة في 2011.

السياسات النقدية

وتتباين آراء الخبراء، حول أسباب تهاوي سعر صرف العملة السورية، ففي حين يرجعه
البعض إلى عوامل سياسية، تتعلق باستمرار التوتر وتوقع عمليات عسكرية بشمالي غرب سورية، واستمرار الحصار وزيادة العقوبات الخارجية على نظام بشار الأسد، يؤكد آخرون أن الأسباب نقدية تتعلق بسياسة المصرف المركزي وتثبيته لسعر الدولار عند 434 ليرة منذ نحو عامين، ورفعه أخيراً سعر الفائدة على الودائع الدولارية إلى 3.8 في المائة.

ويقول المحلل المالي نوار يعقوب لـ "العربي الجديد" لم تتغير الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى تراجع سعر صرف الليرة.

حيث تم تبديد الاحتياطي النقدي، ليتآكل من نحو 18 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 700 مليون اليوم، وما يزال الاقتصاد مشلولا والصادرات محدودة، بل والعاملان المستجدان على الاقتصاد السوري، هما عودة بعض الإنتاج الصناعي والسماح لبعض شركات القطاع الخاص باستيراد النفط.

وهذان العاملان زادا من تراجع عرض القطع الأجنبي في السوق السورية، وخاصة استيراد المواد الأولية للصناعة، بعدما انسحب البنك المركزي من عمليات تمويل المستوردات، ما يدفع الصناعيين والتجار لشراء العملة الأجنبية من السوق السوداء.

ويضيف المحلل السوري أن تخبط قرارات المصرف المركزي في دمشق له انعكاساته أيضاً، سواء فيما يتعلق باستمرار تثبيت السعر الرسمي البعيد كثيراً عن أسعار السوق، ورفع أسعار الفائدة وخاصة على الدولار، ما ساهم بزيادة الطلب على العملات الأجنبية.

ويضاف إلى ذلك تم الطلب ممن اشترى العملات الأجنبية منذ خمسة أعوام لمراجعة البنك المركزي من أجل تقديم إجازات استيراد وتقديم بيانات تُوضح كيف تمّ استخدام هذه المبالغ، مما اضطرّ غالبية التجار والمستوردين لشراء الدولار من السوق السوداء بكميات كبيرة من أجل حصولهم على إجازات الاستيراد.

ويلفت يعقوب إلى أن هذا الواقع خلق تخوفاً من زيادة تكاليف الإنتاج، وهو ما سيحصل فعلاً، إذ من المرتقب ازدياد التضخم وتراجع القدرة الشرائية إثر تحوّل رأس المال السائل إلى منتجات مخزنة، ما سيوصل إلى مزيد من الركود الاقتصادي.

العقوبات والاستيراد

وتأتي العقوبات الأميركية والأوروبية، برأي مراقبين، عاملاً إضافياً، ساهم بتدهور سعر الليرة. إذ وسع الاتحاد الأوروبي، قائمة العقوبات على سورية، لتشمل 11 شخصاً و5 منظمات أضيفت الشهر الماضي، إلى القائمة الأوروبية السوداء.

وسبق العقوبات الأوروبية، تقديم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، النائب الديمقراطي إليوت إنغيل، تشريعاً تحت عنوان "لا مساعدات لنظام بشار الأسد" في سورية.

وسبقه في كانون الثاني/ يناير الماضي، إقرار مجلس النواب الأميركي بالإجماع مشروع "قانون قيصر"، الذي فوض من خلاله الخارجية الأميركية بتوفير الدعم للهيئات التي تعمل على جمع وحفظ الأدلة؛ بهدف محاكمة من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في سورية، كما فرض عقوبات جديدة على نظام الأسد.

وتؤثر العقوبات الأوروبية والأميركية، التي وصلت إلى قطاعي الطاقة والصناعة، على الاستيراد، بسبب امتناع الشركات الأجنبية عن التعامل مع النظام السوري بعقود ائتمانية والتسديد غير المباشر بمهل زمنية، ما يضطر حكومة النظام للدفع النقدي المباشر، الأمر الذي ساهم في تراجع معروض العملات الأجنبية في السوق السورية.

ويشرح الاقتصادي السوري حسين جميل، أنه إضافة لكل ما سبق من أسباب، ثمة مضاربات نشطت في السوق السورية أخيراً، من جراء تفاوت أسعار العملات الأجنبية بين المصرف المركزي والسوق السوداء حيث يزيد سعر الصرف عن مئة ليرة للدولار الواحد، ما يحقق أرباحاً رأسمالية كبيرة، وخاصة وسط التشدد الأمني وإغلاق سبع شركات صرافة كبرى في دمشق.
ويرى جميل في تصريحه لـ "العربي الجديد" أن لتراجع الحوالات الخارجية إلى سورية، بنحو 4.5 ملايين دولار يومياً، بعد السيطرة على ريف دمشق الغربي ودرعا، دوراً مهما مما تعانيه الليرة.

استمرار الانحدار

وحول توقعاته للمشهد النقدي في سورية، يؤكد جميل أنه "على الأرجح سيستمر تهاوي سعر
صرف الليرة لتوازي أسعار عام 2016، أي أكثر من 600 ليرة للدولار، كما من المتوقع أن يستمر تخوف السوريين من اكتناز الليرة، فيحولونها للدولار، سواء لإيداعها بنسبة فائدة مرتفعة، أو بتوجههم إلى المعادن النفيسة.

واقع أوصل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا بدمشق اليوم إلى نحو 20 ألف ليرة وهو أعلى سعر له على الإطلاق".

ويلفت إلى أن غياب التبرير الحكومي والتصريحات الرسمية، زاد من مخاوف الناس، خاصة بعد ما قيل عن انتعاش مرتقب بسبب إعادة الإعمار وفتح معبر نصيب مع الأردن.

ويقدر باحثون حجم الكتلة النقدية المطروحة بالليرة السورية اليوم، بنحو 650 مليار ليرة، بعد طباعة أوراق نقدية من فئة 500 ومن ثم 1000 وبعدها 2000 ليرة في روسيا الاتحادية، وذلك بعد اندلاع الثورة وفرض عقوبات أوروبية على النظام السوري، طاولت طباعة الأوراق النقدية.

وبلغت كتلة النقود بالعملة السورية عام 2018 قرابة ثلاثة أضعاف كتلة النقود التي كانت متوافرة في عام 2010، في حين تراجع النشاط الاقتصادي الإنتاجي المعبر عنه بالناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تفوق 60 في المائة.
مسار التدهور

وبدأ تهاوي سعر الليرة، مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حينها لم يزد سعر صرف الدولار عن 45 ليرة. ولكن أخذت الليرة مع نهاية كل عام تستنزف من قيمتها، لتسجل نهاية عام 2012 نحو 97 ليرة للدولار.

وانطلقت التراجعات الكبيرة منذ عام 2013، حين وصل سعر صرف الدولار في مارس/ آذار إلى نحو 120 ليرة وتجاوز سعر الدولار 300 ليرة بنهاية العام ذاته.

وتعافت الليرة قليلاً عام 2014، فتراوح سعر الصرف بين 170 ليرة منتصف العام و220 ليرة نهاية 2014، لتعاود حركة التراجع في عام 2015، ليصل سعر صرفها إلى 380 ليرة للدولار الواحد. وبلغت الليرة أسوأ سعر لها على الإطلاق، عام 2016 وقت هوت إلى ما دون 645 ليرة للدولار الواحد.

ثم عاد سعر الليرة إلى التحسن منذ عام 2017، بالمقارنة مع السعر الذي تم تسجيله في العام الذي سبقه، منخفضاً عن الـ 600 ليرة، ولكنه سجل ثاني أعلى سعر على الإطلاق في إبريل/ نيسان 2017 عند 559 ليرة، ثم تراجع إلى 460 ليرة في نهاية العام.

وفي العام 2018 عاد السعر للتذبذب، ليحوم حول 500 ليرة في نهايته. واستكملت الليرة رحلتها الصعودية منذ مطلع العام الحالي وصولاً إلى 551 ليرة أمام الدولار حالياً.

المساهمون