الجزائر: إلغاء القيود البنكية على المغتربين والأجانب

انفراجة مصرفية في الجزائر...إلغاء القيود البنكية على المغتربين والأجانب

09 يوليو 2018
احتياطي النقد الأجنبي يخسر نصف قيمته خلال أربعة أعوام(Getty)
+ الخط -
قررت الحكومة الجزائرية التوجه إلى خارج حدود البلاد بحثا عن رؤوس الأموال لتمويل مشاريعها، في ظل تآكل احتياطي النقد الأجنبي وتراجع مداخيل النفط منذ ما يقرب من أربعة أعوام.
وكأول خطوة، قررت الحكومة إزالة أهم عائق في طريق تدفق الأموال من الخارج، وهو شرط تسلم الأموال بالعملة المحلية الدينار، الذي أقر عام 1984، وفق ما أكده مصدر مسؤول في بنك الجزائر المركزي في تصريح خاص لـ"العربي الجديد".

وقال المسؤول إن محافظ المركزي محمد لوكال، وجه خلال اجتماع الأسبوع الماضي، مع مسؤولي البنوك المعتمدة، بتشجيع الجزائريين والأجانب المقيمين في البلاد وخارجها على فتح حسابات بالعملة الصعبة، ومنحهم حرية التصرف في أرصدتهم في حدود المبلغ الموضوع في الحسابات، بما في ذلك سحب الأموال المودعة بالعملات الأجنبية.
وكانت البنوك العمومية والخاصة المعتمدة ترفض فتح حسابات بالعملات الأجنبية وتتحجج بمنع قانون "القرض والنقد" الإفراط في فتح الأرصدة، كما ترفض البنوك منح الأموال المحولة إلى الأرصدة من الخارج بالعملة الصعبة، وتلزم المستفيد بالتوقيع على تصريح بتحويل الأموال المحولة إلى الدينار، وهو ما جعل الجزائريين وحتى الأجانب يرفضون تحويل الأموال إلى البلاد عبر المسار البنكي.

وينتظر أن يؤدي إزالة القيود البنكية على تحويلات المغتربين والحسابات بالعملة الجنبية، إلى تدفق الأموال نحو البلاد حسب الخبير الاقتصادي فرحات علي، الذي قال إن "المستثمرين الأجانب وحتى المصدرين الجزائريين سيكونون أكبر المستفيدين لأنهم سيستطيعون تحويل الأموال من وإلى الجزائر بالعملة الصعبة عكس الماضي.
وأشار فرحات في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الأجانب أصحاب الاستثمارات كانوا يضطرون إلى تحويل نصف أرباحهم فقط إلى الخارج بينما بإمكانهم تحويل أرباحهم دون قيود في المستقبل مع تطبيق الخطوة الحكومية الجديدة، كما سيستطيع المصدرون سحب أموالهم بالعملة الصعبة ما سيشجعهم أكثر على التصدير.

وتوقع أن ترتفع تحويلات الجزائريين المقيمين في المهجر، بعدما كانوا يرسلون الأموال بطرق غير رسمية خوفا من خسارة نصف المبلغ إذا اعتبرنا أن الفرق بين سعر الصرف الرسمي وبين السوق الموازية (السوداء) يصل إلى 45%.
ولا توجد أرقام رسمية حول حجم التحويلات المالية السنوية للجزائريين المقيمين في الخارج، حيث لا تعلن الحكومة البيانات الخاصة بهم، ولكنّ تقريرا للبنك الدولي بشأن تحويلات الجاليات المقيمة في الخارج من دول منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نشر في شهر إبريل/نيسان الماضي، أظهر أن تحويلات الجالية الجزائرية في المهجر لم تتجاوز ملياري دولار خلال عام 2016، وهو نفس الرقم المسجل في 2014 و2015، وهو ما يمثل 2% من الناتج الإجمالي الداخلي.

وجاءت الجزائر، حسب البنك الدولي، متأخرة عن كثير من الدول العربية، التي تصدّرتها مصر بأكثر من 16 مليار دولار، يليها لبنان بنحو 7.3 مليارات دولار، وتونس بـ8.1 مليارات دولار، والمغرب بحوالي 7 مليارات دولار، والأردن بـ 3 مليارات دولار.
ويربط خبراء اقتصاد والمتتبعون لشأن الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج ضعف التدفق المالي للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم بعدة عوامل، منها الاقتصادية بالدرجة الأولى، ومنها السياسية المتعلقة بنظرة الحكومة لهذه الفئة وما تحمله لها من مشاريع لاستقطاب أموالها.

وقال بشير فطومي، عضو الاتحاد العام للجزائريين في المهجر (جمعية غير حكومية تنشط في أوروبا)، إن بدائية النظام المصرفي هي سبب عزوف الجزائريين عن تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، وهو ما جعل البلاد تخسر مليارات الدولارات سنوياً، رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها.
وأضاف فطومي في حديث لـ "العربي الجديد" : " لكي يرسل أي جزائري مهاجر أموالا لعائلته أو لأي شخص في الجزائر عليه أن يرسل له أولا دليلا يثبت مصدر تلك الأموال لكي يقدمها المرسل له للمصرف الذي يحوز فيه حسابا، ثم بعد ذلك يقوم المصرف بتحويل المبلغ إلى الدينار، أي أنه يمنع أن يسحب المبلغ المُرسل بالعملة الصعبة، حسب قانون النقد الجزائري، وهذا في الحقيقة تعد على الحريات".

وتابع " خلال سنوات السبعينيات كان الجزائريون المقيمون في فرنسا يرسلون وحدهم ما من الفرنك الفرنسي القديم ما يعادل مليار دولار آنذاك، لأن النظام المصرفي كان أكثر مرونة من اليوم".
ولم تتوقف الحكومة الجزائرية عند هذه الخطوة، بل قررت السماح للجزائريين المقيمين في الخارج بالاكتتاب لشراء شقق في البرامج السكنية الحكومية التي كانت مخصصة للجزائريين في الداخل، حيث تلقت القنصليات الجزائرية في أوروبا تعليمات بالترويج للبرامج السكنية، ومن المنتظر أن يقوم وزير السكن عبد الوحيد تمار بجولة على دول الخليج ثم دول أوروبية لملاقاة الجالية وتشجيعها لشراء شقق في الجزائر عن طريق التقسيط.

ولنفس الغرض سيسمح بنك الجزائر لجزائريي الخارج بفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة في الجزائر ابتداء من أغسطس/آب القادم، وذلك لدفع الأقساط على أن يبلغ سعر الشقة قرابة 100 ألف دولار.


ويحاول البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تخفيف الضغط على المالية العامة للبلاد منذ عام 2014، عندما بدأت أسعار النفط الخام بالهبوط وتسببت في انخفاض إيرادات الطاقة بحوالي 50%. 
وتمثل إيرادات النفط والغاز 95% من إجمالي الصادرات و60% من ميزانية الدولة في البلد الواقع في شمال أفريقيا، والبالغ عدد سكانه 41 مليون نسمة.

وهوى احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلى 95 مليار دولار بنهاية مايو/أيار الماضي، وفق تصريحات لرئيس الوزراء أحمد أويحي في يونيو/حزيران الماضي، لتفقد الجزائر قرابة نصف احتياطها من العملة الصعبة منذ بداية أزمة تهاوي عائدات النفط، فيما واصل الدينار تراجعه خاسرا نحو 35% من قيمته في غضون عامين.
كان وزير المالية، عبد الرحمن راوية، قد أعلن في مقابلة مع الإذاعة الجزائرية الحكومية، مطلع يوليو/تموز الجاري، عزم بلاده فتح الباب أمام الاستدانة الخارجية، وذلك بشكل استثناني للمشاريع الكبرى المربحة.

ولجأت الجزائر إلى الاستدانة الخارجية، في سنوات التسعينيات، تحت إشراف صندوق النقد الدولي، وقدرت أطراف غير رسمية المبالغ بـ 32 مليار دولار، وترتب عنها إجراءات تقشفية تسببت في غلق آلاف المؤسسات، وتسريح عشرات الآلاف من العمال. لكن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قرر لاحقا سداد هذا الدين.


المساهمون