العلاقات الأردنية الجديدة

العلاقات الأردنية الجديدة

06 فبراير 2019
اجتماع وزراء الخارجية الأسبوع الفائت (فرانس برس)
+ الخط -

شهد الأردن، خلال الأسبوع الماضي، سلسلة من التطورات والاجتماعات ذات الدلالات الاقتصادية والسياسية المهمة.

وللتذكير، هذه التطورات هي اجتماع وزراء خارجية عرب يمثلون ست دول في منطقة البحر الميت. ويمثل الوزراء دول مصر، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات، والبحرين، بالإضافة إلى الدولة المضيفة المملكة الأردنية الهاشمية. 

وشهد كذلك زيارة إلى معبر الكرامة (طريبيل) لرئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، ومعه وفد وزاري، حيث وقّع على سبع عشرة اتفاقية مع العراق، أبرزها زيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى ثلاثة أضعاف مستواه الحالي، ليصل إلى ملياري دولار سنوياً، واتفاق آخر يزوّد الأردن به بعشرة آلاف برميل من النفط يومياً (حوالي 7% من حاجة الأردن) وبأسعار مخفضة.

واتفق الطرفان على الشبك (الربط) الكهربائي بين البلدين، خصوصا في المناطق القريبة من الأردن (محافظة الأنبار)، واتفاقات أخرى. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يلتقي فيها رئيسا وزراء البلدين، عمر الرزاز وعادل عبد المهدي، خلال شهر، والمرة الثالثة منذ تسلّم عبد المهدي مقاليد رئاسة الوزراء في العراق.

أما الحدث الثالث، فهو انعقاد الاجتماع الثاني للأطراف اليمنية في عمّان، من أجل التباحث في موضوع إنهاء قوائم الأسرى الذين سوف يتبادلون بين الطرفين، وكذلك التفاوض حول وضع الحديدة ومينائها، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار فيها.

والأمر الرابع والمهم، هو سفر الملك عبد الله الثاني، ترافقه الملكة رانيا، والاجتماع في إسطنبول مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وزوجته أمينة أردوغان. وأظهرت الزيارة عمق العلاقة الشخصية والسياسية بين البلدين، وصدر بيان شامل وغير مفصّل عن نتائج الزيارة.

للوهلة الأولى، تبدو هذه الأحداث كلها وكأنها كشكول غير مترابط، وتعطي دلالاتٍ لا تنسجم مع الواقع السياسي في المنطقة، ولا تعكس حقيقة التناقضات والاصطفافات التي فيها، فالأردن وإيران لا يتمتعان حالياً بعلاقةٍ دافئةٍ، على الرغم من أن إيران ما تزال تحتفظ بسفيرها في عمّان، وعمّان لم ترسل سفيراً إلى إيران.

وكذلك، فإن السفير الإيراني يشعر بأن مجالات اتصاله بالمسؤولين الأردنيين محدودة. ولكن إيران لم تستخدم نفوذها، أو ما لديها من تأثير من أجل تغيير عمّان مكانا للقاء الوفد الحوثي مع وفد الحكومة اليمنية فيها. وعلى الرغم من أن بعض النواب العراقيين والمحليين الذين يعتبر جزءٌ منهم محسوباً على إيران قد اعترض على هذا التمدد الأفقي والعمودي في العلاقات الأردنية العراقية، إلا أنها معارضة اسمية وغير فعالة.

ومن ناحية أخرى، فقد أوقف الأردن، منذ شهر ونيف (في 3/12/2018)، العمل باتفاقية التجارة الحرة المعقودة مع تركيا، بحجة أن الاتفاقية غير منصفة للأردن، وضارّة بصناعات أردنية كثيرة غير قادرة على منافسة البضائع التركية الشبيهة، في ظل الإعفاءات الجمركية الممنوحة للسلع التركية. ولذلك، كان الفائض التجاري والخدمي بين البلدين لصالح تركيا.

وقد سعى المفاوضون عاما من أجل الوصول إلى توافق، إلا أنهم لم يتمكّنوا من ذلك. وبموجب اتفاقية التجارة الحرّة، مارس الأردن حقه في إخطار تركيا، قبل ستة أشهر، بأنه سيوقف العمل بالاتفاقية، وأن على الطرفين أن يتوصلا إلى اتفاقٍ على صيغة وترتيبات جديدة.

وقد نشرت تحليلات إعلامية وتصريحات بأن هذه خطوةٌ سياسيةٌ أكثر منها اقتصادية، في ضوء الخلاف التركي السعودي بشأن قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي، وحول علاقات تركيا الحميمة مع دولة قطر.

ولذلك، جاءت زيارة الملك عبد الله الثاني تركيا وفق ترتيباتٍ تظهر مدى الانسجام الشخصي بين الزعيمين، من أجل كسر الجمود في العلاقة. والمهم التركيز هنا على أن تركيا التي تلعب دوراً مهماً في منظمة التعاون الإسلامي تقف مع الأردن بالباع والذراع في الحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف، وهي كذلك داعمة للأردن في الحفاظ على دوره في الأوقاف الإسلامية هنالك.

والنتيجة أن كلاً من تركيا وإيران ترغبان في أن تكون علاقاتهما بالأردن حميمة، لكن الأردن كان يحسب خطواته بأناةٍ تجاه البلدين، خشيةً من ردود فعل السعودية والولايات المتحدة.

لكن يبدو أن ظروف كلا البلدين الأخيرين بدأت تتغير تدريجياً، إلى حد أنهما لا يمانعان أن يلعب الأردن دوراً وسيطاً بين الأطراف المتنازعة في اليمن، وأن يجد الأردن لنفسه مخارج من أزمته الاقتصادية، في ضوء المعطيات الاقتصادية التي تقلل احتمالات زيادة المساعدات الأميركية للأردن (1.3 مليار دولار سنوياً) واحتمالات تقديم السعودية منحاً للخزينة غير واردة، وإن قدمت دعماً لبعض مشاريع البنى التحتية في الأردن بمقادير متواضعة.

ولذلك، وفي ظل هذه الظروف، اكتسب الأردن مرونةً زائدةً مكّنته من التحرّك بشكل أوضح نحو تركيا، وإنْ حافظ فيها على هيبته التفاوضية معها. والتقرّب من إيران أصعب، وذلك لأن إيران عدو مباشر للولايات المتحدة، وللسعودية حالياً.

ولكن للأردن أيضاً مكانة خاصة في إيران، بفضل العائلة الهاشمية. وأعتقد أن في الوسع، في الوقت الحاضر، أن يرسل الأردن سفيراً إلى إيران، وأن يتفق مع الجهات الإيرانية على ترتيباتٍ أمنيةٍ للسماح للسواح الإيرانيين بزيارة مقام الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب، في مدينة مؤتة في محافظة الكرك، وفتح أبواب التبادل الفكري بين مراكز البحوث في البلدين.

أما بالنسبة لدولة قطر، من الواضح أن الشعب الأردني يحب قطر، وفرح لها كثيراً بفوزها بكأس آسيا. وكذلك، فإن شعب الأردن ينظر إلى قطر بأنها دولة مظلومة من جاراتها، كما يرون أنفسهم مظلومين. وفي اعتقاد الأردنيين أن السعودية يجب ألا تستخدم معهم وسائل الضغط الاقتصادي.

وعلى الرغم من كل التشنج الخليجي ضد قطر وإيلامها، إلا أن قطر استطاعت أن تتجاوز أزمة الحصار. لذلك، علينا، نحن في الأردن، أن نفتح الباب لإعادة السفير القطري إلى عمّان، وأن يحصل اجتماع قمة بين البلدين.

الأردن باعتراف دور البحث الاستراتيجية الغربية قادر على أن يبقى بقعة أمن وأمان، تعطي كل الفرقاء والمتخاصمين الموقع الذي يجتمعون فيه لفض خلافاتهم، وتغيير مسار علاقاتهم نحو الأفضل. ولذلك، عليهم جميعاً الا يضغطوا عليه، للوقوف ضد أي طرف، بل ليحافظ على الود مع كل الأطراف، ليبقى ساعي خير بينهم.

المساهمون