تدهور زراعة العراق بسبب طوفان المنتجات المستوردة

تدهور زراعة العراق بسبب طوفان الاستيراد... وفلاحون يهجرون أراضيهم

03 سبتمبر 2017
عقبات عديدة تواجه زراعة العراق (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت المنتجات الزراعية الوطنية تراجعاً كبيراً في الأسواق العراقية، خلال الفترة الأخيرة، بعد سلسلة هزات تعرّض لها القطاع، أبرزها غزو المنتجات المستوردة للبلاد، ما أجبر عدداً كبيراً من المزارعين على مغادرة المهنة. وسجلت "العربي الجديد"، خلال جولة في الأسواق، أن معظم الخضراوات والفاكهة التي تملأ الأسواق قادمة من دول أخرى، سوى بعض المزروعات سريعة التلف بقيت تحافظ على كونها من الإنتاج الوطني المحلي.
أسباب أخرى أدت إلى تراجع الزراعة في العراق، أبرزها السياسات الخاطئة التي تبنّتها الجهات الحكومية المختصة في إدارة هذا القطاع وغياب الدعم والمساندة، كما يقول مختصون في القطاع لـ "العربي الجديد". وأول المتضررين من تدهور الواقع الزراعي هم المزارعون الذين حوّل بعضهم مساحات واسعة من أراضيهم الزراعية إلى مشاريع استثمارية مختلفة، أو قاموا ببيعها وهجرة الزراعة.

غزو المنتجات المستوردة
استحوذت المنتجات الزراعية المستوردة من عدة دول آسيوية وعربية على الأسواق العراقية، حسب بيانات رسمية.
ووفقاً لمقرر لجنة الزراعة في البرلمان العراقي، عبد الهادي خير الله، فإن العراق يستورد أكثر من 75% من المنتجات الزراعية من إيران وتركيا ومصر، من أبرزها الطماطم والخيار والبطاطس والباذنجان والفواكه.
وأضاف خير الله، في تصريحات صحافية، أخيراً، أن إيران أولا ثم تركيا ثانيا ومصر ثالثا ضمن تسلسل البضائع الزراعية المستوردة في العراق، لافتا إلى أن إيران صدّرت للعراق نحو 110 آلاف طن من السلع الزراعية، خلال أربعة أشهر فقط.
وكانت صحيفة فايننشال تربيون الإيرانية ذكرت، في تقرير سابق لها، أن إيران صدّرت 4.135 ملايين طن من مختلف السلع غير النفطية إلى العراق، بقيمة 2.05 مليار دولار، خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الإيرانية الحالية، أي من مارس/آذار الماضي حتى يوليو/تموز الماضي.
وفي ظل الواقع الزراعي الجديد، تحولت الأسواق من منافذ لبيع المنتج الزراعي المحلي الوطني، إلى منافذ لبيع المنتجات الزراعية المستوردة. واضطر الكثير من المزارعين إلى بيع أراضيهم، في ظل غياب الدعم الحكومي للقطاع، فآلاف الدونمات التي كانت مخصصة لزراعة الرقي "البطيخ"، منذ عشرات السنين، لم تعد منتجة، والحال ينطبق على الأراضي التي كانت مخصصة لإنتاج مختلف الخضروات والفاكهة، وفقاً لتقارير رسمية.
السبب يعود لكون هذه المنتجات غير قادرة على منافسة جودة وأسعار مثيلاتها المستوردة، بسبب عدم مساندة الحكومة للمزارعين والاضطرابات، بحسب صالح الجابر، الذي كان يزود السوق بفاكهة "الرقي" في موسم الصيف.
الجابر يقول، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إنه اضطر إلى بيع أرضه كونها لم تعد مربحة، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية المختصة كانت في السابق توفر للفلاح العلاجات واللقاحات والبذور وكل ما يتعلق بتحسين التربة والمزروعات، بأسعار رمزية أو بالتقسيط، وتكون من مناشئ عالمية، أو منتجة محلياً بجودة عالية، مبيناً أن هذا الدعم توقف بعد 2003.
وأضاف: "الحكومة في السابق كانت تستورد فقط ما يحتاجه السوق من المزروعات التي لا تُنتج في العراق، وهي قليلة جداً، أو مزروعات أعلى جودة من مثيلاتها المحلية، لكن بأسعار أعلى بنسبة كبيرة مقارنة بالمحلي، وبذلك تحافظ على الإنتاج المحلي".
وأشار الجابر إلى أن "ما حصل بعد 2003، هو أن الحكومة فتحت الباب على مصراعيه أمام المنتجات الزراعية المستوردة، من دون أي رادع أو قانون يحتم فرض ضرائب تحافظ على الوجود القوي للمنتج المحلي، فأصبح المنتج المستورد من النوع عالي الجودة، أرخص سعراً من مثيله المحلي".

تخريب الأراضي
أجبر تدهور الواقع الزراعي الكثيرين على تحويل مساحات شاسعة إلى مشاريع أخرى، إذ لم يجد مزارعون حلاً سوى تحويل أراضيهم الزراعية إلى مشاريع أخرى، فمنهم من حولها إلى مخازن ومصانع، وآخرون فضّلوا تقطيعها وتحويلها إلى أحياء سكنية.
وبالرغم من أن الكثير من الأراضي لا يمكن تحويلها إلى سكنية، لكن بحسب ما هو سائد ومعروف بين العراقيين، يجري تحويل هذه الأراضي، من خلال دفع "رشاوي" لموظفين في دوائر حكومية مختصة.
المزارع علي حسين العيساوي كلفه تحويل أرضه الزراعية البالغة 50 دونماً (الدونم = 0.247 فدان) إلى زراعية، نحو 10 آلاف دولار، مبينا لـ "العربي الجديد" أنه قسّم أرضه الواقعة في جنوب العاصمة بغداد، وحولها إلى 200 قطعة سكنية وباع القطعة الواحدة بنحو 8 آلاف دولار. وأضاف: "عشرة أعوام وأنا لا أزرع شيئاً، الزراعة لم تعد عملاً مربحاً، استفدت من سعر الأرض بالتجارة في السيارات، إنه عمل مربح وأفضل كثيراً من الزراعة".

زراعة محاصيل أخرى
وفي المقابل، تشبث البعض بأراضيهم واستغلوها في زراعة محاصيل أخرى لا يمكن استيرادها، ومنهم رشيد الفياض، 41 عاماً، الذي يملك أرضاً زراعية مع عائلته في شمالي بغداد، تبلغ 80 دونماً، منذ أكثر من خمسين عاماً.
يقول الفياض لـ "العربي الجديد" إن أرضه التي ورثها عن والده، كانت تُستغل في زراعة أكثر من 40 محصولاً زراعياً في خلال العام الواحد. وأضاف: "الأرض كانت تنتج بغزارة، فهي قريبة من مصدر المياه، وقريبة من خطوط النقل والمدن السكنية والأسواق، إذ تبعد عن بغداد 20 كيلومتراً فقط".
وتابع الفياض: "ارتفع إنتاجنا كثيراً في وقت الحصار الاقتصادي الذي تعرضت له البلاد (1990 - 2003) وذلك بسبب الدعم الحكومي للقطاع الزراعي لمواجهة الحصار المفروض حينها على البلد؛ فحاجة الأسواق إلى المنتج الزراعي واعتماد البلاد بشكل كلي على المنتج المحلي الوطني، شجع المزارع على استغلال أكبر مساحة من الأراضي لزراعتها".
وأكد أن الزراعة شهدت بعد غزو العراق في 2003، وسقوط نظام صدام حسين، تراجعاً ملحوظاً، وصارت الأسواق تغرق بالمنتجات الزراعية المستوردة، التي تنافس بأسعارها نظيرتها المحلية الوطنية.
ذلك السبب كان وراء تدهور الزراعة في العراق، وهَجر الفلاح للنشاط، بحسب ما يقول الفياض، الذي ساعدته الظروف للبقاء مزارعاً ومحافظاً على أرضه التي بقيت منتجة للمحاصيل الزراعية حتى الآن.
يشير الفياض إلى أنه اتجه إلى إنتاج المحاصيل التي يصعب على التجار استيرادها لكونها سريعة التلف، ولا يمكن حفظها في برادات، مثل "خضراوات المائدة، كالبقدونس والفجل والكرفس وغيرها" إضافة إلى زراعة مساحات واسعة من الجت "علف للماشية".

المساهمون