السياحة القروية: أسلوب جديد للراحة بعيداً من ضوضاء المدن

السياحة القروية: أسلوب جديد للراحة بعيداً من ضوضاء المدن

لميس عاصي

avata
لميس عاصي
08 يونيو 2020
+ الخط -
"السياحة في العالم العربي أكثر من مجرد رمال، بحار وشواطئ". بهذه العبارة، توجه البنك الدولي في إحدى توصياته بشأن السياحة في العالم العربي، ودعا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الاستفادة من أصوله التاريخية والجغرافية والثقافية لتعزيز النمو من خلال السياحة.
باتت السياحة القروية منفذاً جديداً للترويج عن الثقافات والتراث التي تكتنزها دول العالم. تقول أنيا شميدت، مرشدة سياحية بولندية زارت لبنان وأقامت في القرى التراثية، "إن الابتعاد عن صخب المدينة واختبار قلب الطبيعة يعطيانك قدرة هائلة على التأمل، والراحة".
تشير شميدت إلى أنها أمضت 15 يوماً في المناطق القروية والجبلية، واستمتعت بالطعام المحلي، وتعرفت إلى ثقافات متنوعة.
كثيرة هي القرى التي باتت مقصد السياح في العالم العربي. من  المغرب وتونس، إلى الأردن، وغيرها. فلنبدأ جولتنا في بعض القرى العربية ذات الطابع التراثي.

الطبيعة المتنوعة
تتنوع الأماكن ذات الطابع القروي التي تمكن زيارتها في لبنان. من بلدة قرنعون شمالي البلاد، تبدأ الرحلة. قرية نموذجية تستقبل السياح لتعريفهم بالتراث اللبناني، سواء من خلال النشاطات الترفيهية، كالألعاب الشعبية، أو من خلال الأطعمة المقدمة. بنيت القرية على طراز الهندسة القديمة من الطين والحجر. يشارك الزائر في الأعمال القروية، كتربية الدواجن، وحصد القمح أو المحاصيل الزراعية الأخرى، كما تشارك السيدات في أعمال المؤونة الشتوية.
في البقاع الأوسط، تطل بلدة تعنايل بسحرها الخاص. تقول أنيا شميدت إنها قضت 3 أيام في القرية ذات البيوت الحجرية القديمة والأثاث الريفي. يستفيد الزائر من الإقامة في الغرف التقليدية، وتناول الأطعمة البسيطة التي تشتهر بها مناطق البقاع.
وتضيف شميدت: في قرى جزين وبكاسين، قضيت أوقاتا استثنائية، ففي الليل، كنا نشعل النار ونقضي الأمسية حولها، كانت أجواء رائعة فعلاً".

ما لذ وطاب
في الأردن الذي يضم الكثير من الأماكن التراثية والريفية، لا بد من تخصيص رحلة لزيارة قريتي أم العمد والديرة، اللتين باتتا وجهة سياحية ريفية بامتياز. تستقبل العائلات السياح في بيوتهم الخاصة، أو بيوت تم تجهيزها على الطراز الشعبي القديم.
في الصباح، يقول المسؤولون عن تنمية السياحة الريفية في تلك المناطق "إن الفطور العربي التقليدي يكون جاهزاً عند الساعة السابعة صباحاً، يتعرف السياح على طريقة تحضير الخبز الطازج، وتناول المأكولات الصحية والحلويات العربية، كعك العيد وغيره".

خلال النهار، يرافق السياح المزارعين إلى حقولهم، أما السيدات، فهن على موعد لتعلم كيفية صناعة المأكولات التراثية، كالجميد، وتحضير السمن البلدي، والجبن. هذا ليس كل شيء، بل يمكن للسياح المشاركة بالأعمال الزراعية. في الليل، أجواء ساهرة تنتظركم باللباس التقليدي والأطعمة الشعبية.

الطابع التراثي
يزخر المغرب بالعديد من الأماكن السياحية ذات الطابع الريفي. البداية من إقليم تازة شرقي البلاد، حيث يحتوي تنوعاً جغرافياً خاصاً. يضم الإقليم مناطق طبيعية ذات طابع جبلي، ويستقبل سكان الإقليم الزوار في منازل شيدت على الطريقة المغربية القديمة.
تتخلل الإقامة الكثير من النشاطات التراثية، كتحضير الطعام المحلي والزراعة وحصد المحاصيل، والذهاب في رحلات صيد. إضافة إلى ذلك، يزور السياح مغارات الإقليم التي تشكل فرصة استثنائية لاكتشاف مساحات لا تدخلها الشمس، خاصة مغارة فريواطو التي يتجاوز عمقها 350 مترًا، وشلالات الإقليم كرأس الماء، والمنتزه الطبيعي باب بودير.
أيضاً تشكل منطقة بين الويدان، في جبال الأطلس، فرصة للعودة إلى الطبيعة، والانخراط بالحياة اليومية للسكان، حيث يمكن للسائح مرافقة الصيادين إلى البحيرات والأنهار، فضلاً عن زيارة الغابات والتعرف إلى التنوع البيولوجي للمنطقة.

السياحة الإيكولوجية
في ولاية زغوان (شمال شرقي تونس)، مئات السياح، سواء من داخل الدولة أو من خارجها، يتوافدون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. بدأت فكرة استقبال السياح في العام 2006، بعدما تحولت المنازل الخشبية التي تحيطها أشجار الزيتون إلى مقصد للسياح.
تزخر هذه المنطقة في تونس بالعديد من المساحات الخضراء، وبساتين من التفاح تحيط بالمكان، إضافة إلى الحقول الخضراء. تنتشر أيضاً ورش أعمال تقليدية، تمكن السائح من التعرف على الصناعات البسيطة التي تشتهر بها تونس.

خلال الإقامة في زغوان، لا بد من زيارة المختبرات الطبيعية، التي تعنى بصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل الطبيعية، حيث تحتوي الولاية على عدد كبير من هذه المختبرات. للترفيه حصة أيضاً. الكبار على موعد للقيام برحلات استكشافية إلى أعالي الجبال، وممارسة رياضة المشي، أو ركوب الدرجات الهوائية. أما الأطفال، فتنتظرهم منتزهات تحتوي على العديد من الحيوانات الأليفة، إضافة إلى مدن الألعاب.

التنمية المستدامة
تحاول الدول العربية النهوض بالقطاع السياحي من خلال تنويع المجالات وجذب السياح، حيث بدأت العديد من الجهات المحلية بإعداد دراسات عن أهمية السياحة القروية، وتعريف الزوار إلى الوجه الآخر للدولة، سواء من خلال التعريف بتراثها أو عاداتها وثقافتها.
في المغرب على سبيل المثال، وضعت وزارة السياحة خططاً للنهوض بسياحة القرى، وتعريف الجهات السياحية بأهمية زيارة هذه القرى.
كذلك الأمر في تونس ولبنان، حيث بدأ المواطنون بإيلاء الاهتمام بزيارة الأماكن التقليدية، والتعرف إلى طرق حياة السكان وأساليب عيشهم. صحيح أنه لا توجد أي أرقام واضحة عن حجم التنمية جراء السياحة القروية، إلا أن انخراط السكان في تعريف الزوار على قراهم، واستضافتهم في بيوت مخصصة، يساعد في تنمية هذه المناطق.
ولزيارة هذه القرى ميزانياتها الخاصة، فعلى سبيل المثال، الإقامة في القرى النموذجية في البقاع أو الشمال في لبنان، لا تحتاج أكثر من 50 دولاراً في الليلة الواحدة، شاملة الفطور التقليدي. أما في تونس أو المغرب، فإن الإقامة لليلة واحدة لا تتخطى 10 دولارات، وهي ميزانية بسيطة بالنسبة إلى السائح.

المساهمون