الاقتصاد العالمي بحاجة إلى سعر مرتفع للنفط

الاقتصاد العالمي بحاجة إلى سعر مرتفع للنفط

25 نوفمبر 2016
أسعار الوقود أمام تحديات جديدة (تيم بويل/Getty)
+ الخط -
يضع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، بسياساته التجارية المربكة للنمو الاقتصادي العالمي واحتمالات زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي، منظمة (أوبك)، أمام تحديات جديدة ربما تجبرها على إجراء خفض في الإنتاج النفطي بمعدل أكبر من المعدل المتفق عليه في الجزائر.
ويذكر أن ترامب تعهد بإلغاء كل كوابح إنتاج النفط والفحم الحجري في أميركا، كما تعهد بإلغاء ومراجعة العديد من اتفاقات التجارة الحرة مع دول العالم وفرض ضرائب باهظة على كل من البضائع والخدمات المستوردة من الصين والمكسيك.
وهذه السياسات الاقتصادية التي وعد بتطبيقها ستضر بالنمو الاقتصادي العالمي وبالتالي ستضرب الطلب النفطي في الخاصرة.   
وتأتي هذه التحديات التي استجدت بعد انتخاب ترامب، وسط النقص المريع في السيولة الدولارية التي تخنق الاقتصادات الناشئة وترفع من نسبة الفائدة بين البنوك وفائدة الإقراض العالمية.
ويرى اقتصاديون ومصرفيون غربيون أن حل تحريك النمو الاقتصادي العالمي يكمن في ارتفاع أسعار النفط. ويقول مصرفيون في هذا الصدد، ربما تكون هنالك حاجة عالمية ماسة لارتفاع أسعار النفط إلى 60 أو حتى 65 دولاراً للبرميل خلال العام المقبل، حتى يتمكن العالم من الإفلات من الركود الاقتصادي الذي بات يتوقعه عدد من خبراء المال في أميركا.
وقد أشار مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي في تقريره الصادر يوم الثلاثاء الماضي إلى أن المخرج من التباطؤ الاقتصادي يحتاج إلى دورة أسعار مرتفعة للنفط. بنى المصرف الأميركي  منطقه، على أساس أن أسعار النفط المرتفعة ستسمح للسعودية وباقي دول مجلس التعاون النفطية بالحصول على دخل أعلى من مبيعاتها النفطية.
وعادة ما تقوم هذه الدول بادخار جزء من هذه الدخول في حساباتها في المصارف الغربية. وهو ما سيوفر سيولة دولارية للمصارف الغربية الكبرى مثل "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" وبقية المصارف في المراكز المالية الغربية، التي تقوم بدورها بتدويرها في عمليات الإقراض وتمويل المشاريع العالمية التي تساهم في تدوير عجلة الاقتصاد العالمي وزيادة معدل النمو الاقتصادي.
ويلاحظ أن انخفاض أسعار النفط خلال العامين الماضيين، أدى إلى قيام دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى إلى سحب جزء من أرصدتها بالخارج والاستدانة من النظام المصرفي العالمي، أو حتى من أسواق المال عبر إصدار سندات مثل السندات السعودية الأخيرة. وهو ما يعني أن هذه الدول العربية الغنية التي كانت في السابق وقبل انهيار أسعار النفط، تمد العالم بالسيولة الدولارية، أصبحت تسحب السيولة الدولارية من المصارف الغربية. وهو ما خلق، حسب قول مصرفيين من بينهم مصرف "غولدمان ساكس"، ضائقة في السيولة الدولارية المتوفرة في المصارف التجارية في المراكز العالمية، مثل لندن وطوكيو وباريس وحتى نيويورك.
وأدى هذا النقص إلى رفع نسبة الفائدة بين البنوك وفائدة الإقراض عموماً خلال الشهور الأخيرة. ولاحظ مصرفيون في لندن، أن ارتفاع أسعار النفط سيساهم في خفض نسبة الفائدة العالمية بسبب توفر السيولة.



وحسب منطق التداعيات الإيجابية لأسعار النفط المرتفعة على النمو العالمي، فيمكن ملاحظة أن هذه التداعيات تتمثل في خفض نسبة الفائدة البنكية وزيادة السيولة في النظام المالي العالمي بسبب تدفق وفورات الدول الغنية بالنفط، وعلى رأسها السعودية ودول الخليج، وزيادة قيم الموجودات. وهذه العوامل مجتمعة ستعمل على دعم الثقة الاستهلاكية.
ومن هذا المنطلق يعتقد اقتصاديون غربيون، أن ارتفاع أسعار النفط سيكون أفضل وسيلة حالياً لدعم النمو الاقتصادي العالمي في ظل ظروف عدم اليقين التي يعيشها العالم بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتوعد باتباع نهج تجاري يهدد انسيابية التجارة العالمية والنمو الاقتصادي.
وكان صندوق النقد الدولي قد خلص في دراسة صدرت في مارس/ آذار الماضي، إلى أن منطق اعتبار النفط الرخيص سيساهم في زيادة النمو العالمي، ثبت أنه غير صحيح، ما لم تصاحب رخص النفط قدرة شرائية عالية لدى المستهلك.
ولاحظت "العربي الجديد"، في تحليل سابق، أن بندول أسواق المال العالمية يتحرك صعوداً وهبوطاً على وقع تحرك أسعار النفط. إذ كلما ارتفعت أسعار النفط كلما ارتفعت مؤشرات أسواق المال العالمية والعكس بالعكس.
ويذكر أن ارتباط أسعار النفط بالدولار، أي أنه يباع ويشترى بالدولار، جعل له تأثيراً كبيراً على النمو الاقتصادي العالمي، حيث تؤثر سياسات مصرف الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) بشكل مباشر على الطلب العالمي على النفط من جهة، ومن جهة أخرى، تتأثر مداخيل النفط في الدول المصدرة للنفط بأسعار الفائدة الأميركية.

ويرى مصرفيون أن سياسات الرئيس المنتخب الملياردير ترامب ربما تفرض على دول "أوبك" في اجتماعها المقبل بعد أيام في فيينا، أن تتفق على خفض أكثر من مليون برميل يومياً، حتى تتمكن من رفع أسعار النفط فوق 55 دولاراً، وبالتالي دعم  النمو الاقتصادي ومساعدة موازناتها على الخروج من العجز المالي الذي واكبها خلال الأعوام السابقة.
ويلخص مصرفيون في لندن، التداعيات السالبة للرئيس المنتخب ترامب على أسعار النفط والطلب العالمي عليه، وكما رصدتها "العربي الجديد" في أربع نقاط رئيسية وهي:
أولاً: التداعيات السالبة للسياسات التجارية الحمائية التي ينوي تطبيقها، على التجارة العالمية وإحداث إرباك في انسياب الحركة التجارية بين آسيا وأميركا.
ومعروف أن آسيا تقود النمو العالمي وسيكون لمثل هذه السياسات تأثير مباشر على معدل النمو الاقتصادي العالمي وبالتالي على الطلب النفطي.
ثانياً: ينوي ترامب إلغاء جميع القوانين المقيدة للكشوفات والتنقيب النفطي والفحم الحجري، وهو ما سيقود إلى ارتفاع إنتاج النفط الأميركي وبالتالي سيزيد من التخمة النفطية في أسواق الطاقة عالمياً، خاصة وأن أميركا أكبر مستهلك للنفط بالعالم. 
ثالثاً: فرض ضرائب على البضائع الصينية بنسبة 45%، وهو ما سيقود تلقائياً إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. ويعد الاقتصاد الصيني من أهم الاقتصادات العالمية المحركة للطلب النفطي في العالم.
رابعاً: توجه مصرف الاحتياط الفدرالي إلى رفع سعر الفائدة المصرفية وتزايد حال عدم اليقين في الأسواق المالية بسبب تصريحاته المتناقضة والمضطربة. وهذا الإرباك يزيد من أزمة النقص في السيولة العالمية.
وساد الحذر تعاملات تجار النفط خلال الأسبوع ترقباً للقرارات التي ستصدر عن منظمة "أوبك"، وخاصة أن هنالك شكوكا بشأن حجم التخفيضات التي سيجريها المصدرون خارجها وعلى رأسهم روسيا. ويذكر أن أسعار النفط استقرت دون تغيّر يذكر في التعاملات الصباحية في لندن، أمس الجمعة، حيث ارتفع سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة خمسة سنتات ليبلغ عند التسوية 49 دولاراً للبرميل.
كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي سنتين ليصل إلى 47.98 دولاراً للبرميل. وقال متعاملون إن نشاط السوق محدود نظراً لعطلة عيد الشكر الأميركية، وإن هناك إحجاماً عن تكوين مراكز بأسعار عالية وسط عدم اليقين بشأن التخفيضات المزمعة في إنتاج أوبك.
ومن المقرر أن تجتمع "أوبك" في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني لتنسيق التخفيضات التي جرى الاتفاق عليها في العاصمة الجزائرية في سبتمبر/ أيلول، وربما يتم ذلك بالتعاون مع روسيا، وهي ليست من أعضاء أوبك.