الانسحاب من "الاتفاق النووي" يهدد واشنطن وحلفاءها بخسائر ضخمة

الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يهدد واشنطن وحلفاءها بخسائر ضخمة

10 مايو 2018
"بوينغ" بين أكثر الشركات الأميركية تضرراً (Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، مع إعادة فرض العقوبات عليها، وهو ما يُنذر بدخول الاقتصاد الإيراني نفقاً مظلماً، الأمر الذي بدأت معالمه في الظهور قبل إعلان الانسحاب فعلياً بأسابيع.

لكن من المؤكد أن قرار ترامب لن يؤثر في الاقتصاد الإيراني وحده، وإنما ستكون هناك تبعات كثيرة على الاقتصاد الأميركي أولاً، كما على اقتصادات كثير من الدول الحليفة للولايات المتحدة، بسبب تطبيق ما أطلق عليه وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، العقوبات الثانوية، أي التي تطبق على الأفراد والكيانات غير الأميركية عند تعاملها مع إيران.

وقال منوتشين لشبكة "سي إن إن": "هناك نوعان من العقوبات، الأولية والثانوية، والأخيرة يُقصد بها العقوبات على الشركات والأفراد غير الأميركيين الذين يتعاملون مع إيران".

وأوضح أن الشركات ستكون أمامها مهلة بين 90 و180 يوماً لتسوية أوضاعها، بحسب نوع السلعة التي يتم التعامل فيها مع إيران. كما أكد أن على الدول المستوردة للنفط الإيراني إيجاد بدائل لوارداتها خلال 180 يوماً. 


وقال رئيس وزراء السويد الأسبق، كارل بيلدت، والذي يشغل حاليا منصب الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إن "العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران لا تكاد تصيب الشركات الأميركية، لكنها تستهدف في المقام الأول الشركات الأوروبية".

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي رأى سابقاً أن هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق، رغم أنه لم يتضح بعد كيف سيستجيب القادة الأوروبيون.

وتوقعت دراسة أميركية حديثة صدرت يوم الجمعة الماضي، حدوث قفزة كبيرة في أسعار النفط بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات على إيران، على الرغم من توفر بدائل عديدة لتعويض غياب النفط الايراني عن الأسواق.

وخلصت الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأميركية واشنطن، إلى أن الأسواق ستشهد طفرة كبيرة في أسعار النفط الخام، على الرغم من أن الأسواق حالياً تبدو وكأنها قد عكست فعلاً جزءاً من هذه المخاطر.

وقبل إعلان ترامب بساعات، رفع محللو الحكومة الفدرالية الأميركية توقعاتهم لسعر النفط في 2018 بأكثر من 10%، ليكون 65.58 دولاراً البرميل.

وارتفع سعر النفط بشكل حاد، أمس الأربعاء، ووصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2014، متجاوزاً 77 دولاراً، وسط توقعات بأن تعطل العقوبات الجديدة صادرات الطاقة الإيرانية.


ويقول مدير تحليل الطاقة في "أوبس" المتخصصة في خدمات الأعمال، توم كلوزه: "سيكون الأمر بالنسبة إلى سائقي السيارات في الولايات المتحدة أكثر صعوبة من العامين الماضيين، لكنه لن يصل إلى مستوى 3.4– 3.6 دولارات للغالون، كما حصل في الفترة بين عامي 2011 و2014"، علماً أن سعر الغالون يدور حالياً في واشنطن حول 2.9 دولار.

وفي حالة عدم موافقة الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاقية على فرض العقوبات على إيران، فإن هذا سيؤدي، وفقاً للدراسة، إلى استمرار النفط الإيراني في التدفق إلى السوق العالمية، وإن كان بأحجام أقل تتراوح بين 300 و500 ألف برميل يومياً، مقارنة بـ3.9 ملايين برميل إيراني يومياً تم تصديرها بعد رفع العقوبات عن إيران.

وبالنسبة إلى الأفراد، من المرجح أن يشهد المستهلك الأميركي أسعاراً أعلى في محطات الوقود، وسيلمس الأثر في كل شيء، بدءاً من تذاكر الطيران والقطارات والحافلات، وصولاً إلى تكلفة توصيل الطرود وأسعار الخضر والفاكهة.

ويرى محللون اقتصاديون أن مثل هذه التكاليف المرتفعة قد تؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي، وإلغاء ما يقرب من نصف الأثر الإيجابي لقوانين الإصلاح الضريبي التي تم إقرارها مع بداية العام الحالي.

ومن المؤكد أن العديد من الشركات الأميركية سيصيبها ضرر جسيم من جرّاء فرض العقوبات على إيران. وتُعد أبرز الشركات الأميركية المتضررة شركة "بوينغ" لصناعة الطائرات، التي وقّعت مع إيران أكبر الصفقات الأميركية. وقال وزير الخزانة منوتشين، يوم الثلاثاء، إن تراخيص "بوينغ" الحالية، إضافة إلى تلك الخاصة بمنافستها الأوروبية، مجموعة "إيرباص"، سوف يتم إلغاؤها.


وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، وقّعت "إيرباص" اتفاقاً مع شركة "إيران إير"، الناقل الوطني الإيراني، تبيع بمقتضاه الشركة 100 طائرة، تقدر بحوالي 19 مليار دولار، من دون أي تخفيضات للمشتري الإيراني الذي يتوق إلى تجديد أسطوله.

وعلى رغم أن شركة "إيرباص" ليست أميركية، إلا أنها ستخضع للقواعد الحاكمة للعقوبات الأولية، لأن أكثر من 10% من مكونات طائراتها أميركية الصنع. وتم تسليم 3 طائرات من الصفقة فقط.

ووقّعت "بوينغ" الأميركية اتفاقاً مماثلاً مع"إيران إير"، تبيع بمقتضاه 80 طائرة بسعر 17 مليار دولار، من دون تقديم أي تنازلات في السعر، وكان من المفترض أن يبدأ التسليم عام 2017 ويستمر حتى عام 2025.

ويوم توقيع الاتفاق، قالت الشركة إن هذه الصفقة ستخلق عشرات آلاف الوظائف المباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة في مختلف أنحاء الولايات الأميركية.

كما وقّعت "بوينغ" اتفاقاً آخر لبيع 30 طائرة لشركة طيران "أسيمان" الإيرانية مقابل 3 مليارات دولار من دون أي تخفيضات. لكنها لم تُسلم الشركات الإيرانية أي طائرة حتى الآن، وقالت إنها "ستواصل التزامها باتباع تعليمات الحكومة الأميركية".

وعلى نحوٍ متصل، توصلت شركة شلومبرغر للحفر النفطي، والتي تتخذ هيوستن مقراً لها، إلى اتفاقات مبدئية لدخول إيران من جديد بموجب الاتفاق النووي. وكذلك فعلت جنرال إلكتريك، وقطعت شركات أميركية تعمل في تصنيع الأجهزة المنزلية شوطاً كبيراً في التفاوض مع المسؤولين الإيرانيين لدخول السوق الإيرانية، وهو ما يتوقع توقفه تماماً بعد قرار الانسحاب.

المساهمون