حكومات تنهب وشعوب تقاوم.. مؤشرات الاحتجاجات

حكومات تنهب وشعوب تقاوم.. مؤشرات الاحتجاجات

14 يناير 2018
شعوب المنطقة خرجت رفضا للاجراءات التقشفية (GETTY)
+ الخط -

موجة أخرى من الاحتجاجات، تشهدها مناطق عديدة من الوطن العربي، كلها ترفع شعار المقاومة الاجتماعية، تتصدى لسياسات النهب التي تمارسها الحكومات، تحت مسميات عديدة، منها الإصلاح الاقتصادي وترشيد الإنفاق، وتخفيف عبء الموازنة، والإصلاح المالي والإداري.

سياسات متشابهة في مجملها، تتخفى خلف شعارات خادعة، تدعي إصلاح الاقتصاد، وتحقيق المصلحة الفضلى للشعوب، لكن تلك السياسات، نتائجها المباشرة شديدة القسوة، فتدفع للاحتجاج، فمن رفع أسعار المحروقات، إلى فرض ضرائب جديدة، وزيادة رسوم الخدمات الحكومية، لتصبح الصورة بشكلها العام.

حكومات تنهب الشعوب، لا فرق بين دول حدثت فيها ثورة استولت عليها قوة تنفذ سياسات معادية لمصالح الشعب، وبين دول تنتظر الثورة مندفعة بأشواق العدل، وإنهاء المظالم التي يعاني منها العمال والشباب المعطلين عن العمل، وأهالي مناطق الأطراف والأرياف، الذين يعانون بجانب سياسات الحكومات المستغلة، أعراض تهميش، فلا خدمات مناسبة تصلهم، ولا فرص عمل ومشاريع إنتاجية تستوعبهم.

بالنظر إلى موجة الاحتجاجات الأخيرة في تونس والسودان والمغرب والجزائر وإيران، نجد أنها اندفعت من أثار سياسات اقتصادية متشابهة، كما أن مناطق وبؤر الاحتجاجات تتشابه ظروفها من حيث ارتفاع معدلات البطالة والفقر وسوء الخدمات، وفرض أعباء مالية واقتصادية جديدة مقابل الخدمات.

لم يستثنَ من ذلك حتى دول الخليج الغنية، والتي فرضت 5 دول منها زيادات في الأسعار بنسب متفاوتة، ناهيك عن قائمة من الدول العربية تنوي تنفيذ ذات السياسات الليبرالية، لتعتاش على حساب المواطنين، في حالة الإنتاج كعمال، أو كونهم مستهلكين، وتبدو أزمات التشغيل والبطالة وارتفاع الأسعار ونقص الخدمات، والمساواة، وغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص هي العنوان الرئيسي للاحتجاجات.



ويمكن هنا أن نحلل الاحتجاجات الأخيرة من خلال أربعة عناصر رئيسية هي المناطق الجغرافية التي اندلعت منها الاحتجاجات وسماتها الاقتصادية، والمطالب التي رفعها المحتجون وأسباب الاحتجاج، والفئات المشاركة في الاحتجاج، وردود الأفعال الحكومية على الاحتجاجات وطبيعة خطابها.


المناطق الجغرافية.. الفقر والبطالة والتهميش

انطلقت الاحتجاجات من بؤر جغرافية يغلب عليها سمات متشابهة، فأغلبها يعاني التهميش وسوء الخدمات وارتفاع معدلات البطالة، ونقص فرص التشغيل، وأغلبها مغيبة عن مشروعات التنمية والتصنيع، وتراجعت فيها القطاعات الإنتاجية التي كان يعتمد عليها سكانها، سواء كانت أنشطة زراعية أو تجارية، أو مناطق صناعية وتعدينية.

كما تجدر الإشارة إلى أن تلك المدن قد شهدت احتجاجات متتالية بعضها يرجع إلى عام 2008 كالحوض المنجمي ومدن الحدود في تونس، وبعضها انطلقت منها شرارات الثورة واستكملت احتجاجاتها في مراحل تالية كسيدي بوزيد وسليانه وتاله والقصرين، والكاف وهي مدن تعاني نسب بطالة وفقر مرتفعة حسب المؤشرات الرسمية، بينما اندلعت الاحتجاجات في السودان من منطقة دارفور التي تعاني، بجانب التهميش، عنفا من السلطة يتسم بالقسوة الشديدة.

وكذلك تشابهت بؤرة الاحتجاج في إيران حيث انطلقت من المدن الفقيرة كمدن مشهد وشاهرود، ثم سرعان ما توسعت في عدة مناطق.

وفي كردستان العراق شهدت السليمانية احتجاجات واسعة ضد الفساد والظروف الاقتصادية الصعبة في ظل ضعف الرواتب، وقد سبق أن احتج أهلها على ذات الظروف ليحدث تضافر بين التهميش الثقافي والاجتماعي، والإحساس بالظلم الاجتماعي، والتمييز.

وفي ذات السياق اندلعت مظاهرات بالمغرب جددت ذكرى احتجاجات الريف المغربي ضد التهميش، فشهدت مدينة جرادة، أفقر مدن المغرب، نهاية 2017 تجمعات احتجاجية شارك فيها آلاف السكان للتنديد بأوضاعهم المعيشية، وصعدت مطالب أخرى تعلقت بتهميش الأمازيغ.
أما في الجزائر فقد شهدت البويرة، ووهران وقسنطينة وعنابة مظاهرات واسعة كان أبرزها مظاهرات الأطباء على قانون الخدمة المدنية ورفض المحتجين قرارات منع التظاهر.


أسباب الاحتجاج.. المطالب والشعارات

تشابهت أسباب الاحتجاج، فاغلبها ارتبط بقرارات التقشف، والتي منها رفع أسعار السلع والخدمات، وفرض ورفع نسب الضرائب وإقرار ضريبة مضافة على السلع، وشملت القرارات اتجاهين هما تخفيض عجز الموازنة، عبر خفض الإنفاق ورفع الدعم وأيضا قرارات الإصلاح المالي، ويتضح أن كل القرارات في هذا السياق أغلبها يرتبط بمطالب الجهات المقرضة والمؤسسات الدولية التي فرضت شروطها مقابل إقراض تونس على سبيل المثال، والتي قامت بإصدار قانون المالية الجديد 2018 متضمنا قرارات رفع الأسعار.

وكانت احتجاجات ضد رفع أسعار الخبز وبعض السلع، وتشابهت قرارات الغلاء في الدول محل التحليل حيث شملت رفع أسعار الطاقة وخدمات الاتصالات الهاتف والإنترنت، زيادة أسعار السلع الغذائية نظرا لرفع الدعم عنها من جانب ومحاولة زيادة الموارد المالية للدولة عبر فرض ضرائب غير مباشرة متمثلة في رفع الأسعار.

أما المطالب فقد تمثلت في رفض قرارات رفع الأسعار وزيادة الأجور لتتناسب مع معدلات التضخم، بالإضافة إلى خلق تنمية حقيقية في مناطق التهميش توفر فرص عمل، ورفع بعض المحتجين مطالب ببدائل اقتصادية تنموية كما حدث في المغرب حيث جدد المحتجون رفع شعار "الشعب يريد بديلا اقتصاديا" والذي سبق رفعه في احتجاجات عام 2016 في الريف المغربي.


الفئات المشاركة


أغلب المشاركين في الاحتجاج هم الشباب سواء المعطلون عن العمل أو طلاب الجامعات، وبرز في هذه الموجة الاحتجاجية العمال وفقراء الريف والمدن المهمشة والحدودية، ولعل هذا يتضح في مظاهرات تونس والمغرب والجزائر والعراق وإيران، ولم تبرز قوة سياسية منظمة تقود الاحتجاجات، فلعبت العفوية دورا كبيرا في الاحتجاجات، حيث انطلقت على أثر حوادث دالة على البؤس والأزمة الاجتماعية والاقتصادية بالغة القسوة.

ففي المغرب اندلعت الاحتجاجات على أثر وفاة شقيقين أثناء جمع الفحم من منجم مهجور بمدينة جرادة التي يشعر أهلها بظلم وتهميش ويموتون وهم يبحثون عن سبل للعيش، وكذلك نرى مقاربة بين هذا الإقليم وسكان مناطق الاحتجاج في تونس خاصة الحوض المنجمي وسيدي بوزيد وسليانة التي كانت ترفع شعار "سليانة شعلة نار"، وهي المدينة التي شهدت انتفاضة عام 1990 ضد حكم بن علي وشارك أهلها في الثورة التونسية واستمرت احتجاجاتهم في فترات متتالية وكان أبرزها ما عرف بانتفاضة سليانة عام 2012 والتي قمعتها قوات الأمن بعنف شديد.

ردود الأفعال الحكومية وتحليل خطابها

تنوع خطاب الحكومات في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، فمنها ما اتهم المحتجين بمثيري الشغب مرتكبي الجرائم وناهبي العباد، المعتدين على الممتلكات العامة، فمثلا اعتبرت إيران المتظاهرين أعداء الثورة وعملاء لأميركا وإسرائيل، بينما تتخذ السلطة في بعض الأحيان مساحة بالاعتراف بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تعاني منها الشعوب، لكنها في ذات الوقت تبرر إجراءاتها الاقتصادية بأنها تصب في مصلحة المواطنين، ولا بديل عنها بوصفها الدواء المر وثمن الإصلاح الاقتصادي.

وفي بعض الحالات وعدت حكومات في دول الاحتجاج ببذل الجهد لتغيير الظروف الاقتصادية كما حدث في المغرب حيث قدمت الحكومة وعودا "ببلورة نموذج تنموي جديد يوفر فرص الشغل".

وأمام وضوح الأزمة الاقتصادية وعجز الحكومات لم يستطع خطاب السلطات تجاهل الأزمة حيث تعترف بها لكنها ترى في المحتجين خطرا على النظام والمجتمع، وبالتالي تقوم بمواجهة احتجاجاتهم بالقمع والعنف، حتى تحاصرها ولا تتوسع، وهذا حدث في كل البلدان التي شهدت احتجاجات في الفترة من منتصف ديسمبر/كانون الأول 2017.

أما عن أدوات الاحتجاج فكانت المظاهرات هي الأبرز مع محاولات الاعتصام، وتجنب المتظاهرين في أحيان كثيرة المواجهة المباشرة مع قوات الأمن عبر التظاهر ليلا.

ويمكن القول إن أسباب التحركات والفئات المشاركة فيها وردود أفعال السلطة متشابهة، حيث أغلب المحتجين من الشباب والعمال المفقرين سواء فقراء المدن أو الريف والأطراف، وتتمحور مطالبهم وأسباب احتجاجهم حول رفض قرارات التقشف ورفع الأسعار، وتطالب بإلغائها، وكذلك رفع الأجور لتتناسب مع معدلات التضخم، وتوفير فرص العمل.

بينما ردود الحكومات تتأرجح ما بين محاولات التهدئة أو حصار الاحتجاجات وما بين مهاجمة المحتجين وتشويههم أو الإقرار بعدالة بعض مطالبهم.

في كل الأحوال يتضح أن عام 2018 يحمل موجة جديدة من الحراك الاحتجاجي في المنطقة على إثر الأزمة الاقتصادية وإخفاق الحكومات، وتعثر قوى الثورة والقوى السياسية في فرض التغيير، لذا ياتي الحراك من الشباب والمعطلين والفقراء بشكل عفوي، وهذا سيخلق مشهدا جديدا يحتاج إلى تبلور واضح للمطالب، وتنظيمات تدفع الجمهور ليشق طريقا يفرض التغيير الحقيقي.