صراع الأجور في تونس ينذر بتجدد الإضرابات

صراع الأجور في تونس ينذر بتجدد الإضرابات

05 يناير 2016
تلويح بإضرابات عمالية متزايدة بسبب الأجور (الأناضول)
+ الخط -



تستقبل تونس عامها الجديد بترسبات العام الماضي، ونهاياته التي شهدت سلسلة من الإضرابات الكبيرة بسبب الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، حول ملف زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص.

ولم تفلح وساطة وزير الشؤون الاجتماعية، أحمد عمار الينباعي، ولا رؤساء الأحزاب في تقريب وجهات النظر بين منظمتي اتحاد العمال وأصحاب الأعمال، كما لم يكن تدخل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة الحبيب الصيد لحسم الخلاف بالنجاعة المطلوبة، برغم التفاؤل الذي ميز بعض مراحل المفاوضات.

وظن كثيرون أن جائزة نوبل للسلام ستكون حافزاً للمنظمتين على إيجاد نقطة التقاء أو أرضية وسط، بخاصة أنه قبل التوجه لتسلم الجائزة، شدد السبسي في عدة تصريحات على وجوب حل الخلاف حول الأجور والسعي لتوفير مناخ من السلم الاجتماعي.

وأعلنت لجنة نوبل في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن منح جائزة نوبل للسلام للعام 2015، إلى ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين التونسيين، بعد أن قادت هذه المنظمات في 2013 حوارا وطنيا لإخراج البلاد من الفوضى.

وراجت أخبار خلال زيارة "الرباعي التونسي" إلى أوسلو لتسلم الجائزة، أن اتفاقاً يلوح في الأفق سيتم توقيعه مع العودة لتونس، لكن سرعان ما دب الخلاف حتى وصل إلى الحفل الذي حضره الرئيس التونسي في العاصمة تونس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتكريم التجمعات الفائزة بالجائزة، حينما وجه الأمين العام لاتحاد الشغل حسن العباسي، انتقادات حادة إلى رجال الأعمال لعدم حسم ملف الأجور.

وفي ظل هذه الأجواء يفتح 2016 عدّاده على إعلان الإضراب في عدة مجالات في القطاع الخاص يوم 21 يناير/كانون الثاني الجاري، وسط تراشق بالتصريحات والاتهامات بين المنظمتين الحائزتين على جائزة نوبل للسلام.

وأكد الأمين العام المساعد لمنظمة الشغيلة (تجمع العمال) بلقاسم العياري، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الاتحاد ماض في إضرابه واتخاذ كل الأشكال النضالية المناسبة للرد على تسلط منظمة الأعراف (رجال الأعمال)".

وقال العياري إن منظمة رجال الأعمال تتحمل مسؤولية تعثر المفاوضات، بعد تراجعها عن قبول مقترح رئيس الحكومة الحبيب الصيد بزيادة الأجور والذي أعلنت منظمة رجال الأعمال الموافقة عليه في السابق.

وقدم رئيس الحكومة نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي لمنظمتي رجال الأعمال والعمال مقترحاً يتمثل في زيادة الأجور بنحو 40 ديناراً (23 دولاراً)، كما دعا رئيس الجمهورية خلال كلمة لتهنئة الشعب التونسي بالسنة الجديدة إلى هدنة اجتماعية وحث المنظمتين على التقارب وحسم الخلاف.

وكانت رئيسة منظمة رجال الأعمال، وداد بوشماوي، قد ذكرت في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنّ اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قبل مقترح رئاسة الحكومة زيادة 40 ديناراً.

اقرأ أيضاً: معركة "كسر عظم" بين المستثمرين والعمّال في تونس

وقال العياري إن تقديم منظمة رجال الأعمال مقترحاً جديداً لزيادة الأجور بفارق طفيف عن مقترح رئيس الحكومة، يطرح نقاط تساؤل عدة حول مقاصدها من ذلك، لافتاً إلى أن اتحاد العمال وافق على المقترح الحكومي، وعاد لطاولة الحوار آملا أن تنتهي النقاشات وتمضى اتفاقيات زيادة الأجور ويتحقق الاستقرار الاجتماعي والعدالة بين عمال القطاع العمومي ونظرائهم في القطاع الخاص.

وسبق أن تعهد اتحاد العمال بوقف الإضرابات فور التوقيع على اتفاق زيادة الأجور، مشيراً إلى أن موافقة منظمة رجال الأعمال على الزيادة وفق المقترح الحكومي، خطوة لإنهاء الصراعات.

وأضاف أن مجمع القطاع الخاص (هيئة لممثلي نقابات القطاع الخاص) سينعقد الخميس المقبل وسينظر في أشكال تطبيق القرارات التي أقرها الاتحاد سابقا (قرارات متعلقة بالإضراب) وإقرار "أشكال نضالية أخرى" لتحقيق مطالب العمال، الذي أكد أنهم سيصطفّون وراء منظمتهم النقابية من أجل نيل حقوقهم.

في المقابل، أكدت منظمة الأعراف (رجال الأعمال)، أن مقترحها الجديد بزيادة الأجور بـ 34 ديناراً (17 دولاراً) يعد مقترحاً معقولاً ويحفظ الميزان الاقتصادي للمؤسسات، التي تعاني بدورها من صعوبات اقتصادية.

وقال خليل الغرياني، المكلف بملف المفاوضات الاجتماعية في منظمة الأعراف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المنظمة لا تطمح إلى تعطيل المفاوضات ولا إلى عرقلة السلم الاجتماعي، معتبراً أن إقرار منظمة العمال لإضراب في 21 يناير/كانون الثاني الجاري "غير مبرر وغير مبني على أسس معقولة".

وأضاف أن مقترح منظمة الأعراف معقول وبفارق ضئيل عما اقترحه رئيس الحكومة، مشيراً إلى رغبة رجال الأعمال في ختم هذا الملف وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، لكن دون أن يضر ذلك افتصاديا بالقطاع.

ويطالب الطرف النقابي بزيادة لا تقل عن 40 ديناراً، معتبرا إياه مبلغاً معقولاً يساعد الأجراء على مواجهة انهيار المقدرة الشرائية وغلاء الأسعار.

وبحسب اتحاد الشغل فإن الزيادة التي يطمحون إليها تأتي بعد سلسلة من التنازلات التي قدمها العمال على مرّ المفاوضات بعد أن كانوا يطالبون بزيادة بنسبة 15% من الأجور.

وفي المقابل، رفضت منظمة الأعراف عدة مقترحات، وتعللت بصعوبة الوضع الاقتصادي، كما اشترطت أن تعوض الدولة في بعض القطاعات "هامش الربح"، أي أن الزيادة في حال الموافقة عليها ستحسم من أرباح الشركات والمؤسسات الخاصة وستعوض الدولة هذه المبالغ المقتطعة وهو مقترح قوبل بالرفض من عدة أطراف.

كما أبدى البعض مخاوفه من تعاظم دور منظمة رجال الأعمال، لاسيما في ما يتعلق بمطالبتها للحكومة بسرعة تنفيذ إصلاحات تطالب بها المرجعيات الاقتصادية الدولية، ما يقود إلى اقتصاد أكثر تحررا وليرالية، وهو ما تراه المنظمة النقابية قد يؤدي إلى الإضرار بالطبقة الوسطى والتراجع عن خيارات تاريخية في تونس، تحفظ هذه الطبقة من التآكل والنزول السريع إلى الطبقة الدنيا، واتساع قاعدة الفقر.

وترفض النقابة بشدة محاولات خصخصة بعض القطاعات الحيوية وتخشى من تعاظم دور المنظمة المنافسة تاريخيا، برغم التقائهما على طاولة الحوار الوطني الذي قاد إلى تفادي الأزمة في تونس.

وامتدت النقاشات الصعبة حول القطاع الخاص على ما يفوق الأربعة أشهر، ولكنها لا تزال عالقة إلى الآن.




اقرأ أيضاً:
وداد بوشماوي.. أول امرأة تدير رجال الأعمال في تونس
تونس تطارد أصحاب المهن الحرة ضريبياً لتعزيز الإيرادات